< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/01/16

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: اسم الجنس/المطلق/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول
 
 كانَ الكلامُ في معرفة نوع التقابل بين الإِطْلاَق والتقييد الثبوتيين، فهل هو تقابل بنحو التَّضَادّ كما قال به السَّيِّد الأُسْتَاذ الْخُوئِيّ رحمه الله أم أَنَّهُ من العدم والملكة كما ذكره الميرزا أم أَنَّهُ من تقابل التناقض وَالسَّلْب والإيجاب كما أفاده سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد رحمه الله، فقلنا بالأَمْسِ:
 أَمَّا القول الأوّل (القائل بأن التقابل هو تقابل التَّضَادّ)فمرفوض عندنا؛ إذ لا يوجد ضِدَّانِ في باب الإِطْلاَق والتقييد الثبوتيين؛ إذ لا يوجد لدينا أَمْرَانِ وجوديان، وإنَّما الموجود أمر وجودي وهو التَّقْيِيد الَّذي هو عبارة عن لحاظ القيد، ويقع فِي مقابله الإطلاقُ وهو لَيْسَ أمراً وُجُودِيّاً؛ لأَنَّهُ لَيْسَ عبارة عن «لحاظ عدم القيد»، وإنَّما هو عبارة عن أمر عدمي هو «عدم لحاظ القيد»، وبالتَّالي ما أصبحا أَمْرَيْنِ وجودين حتّى يصبحا من التَّضَادّ. ويكفي عدم لحاظ القيد فِي الإِطْلاَق.
 أجل، إذا بنينا عَلَىٰ مبنى السَّيِّد الأُسْتَاذ الْخُوئِيّ رحمه الله من أن اللابشرط الْقِسْمِيّ متقوّم بلحاظ عدم القيد، فحينئذٍ يصبح الإطلاق أمراً وُجُودِيّاً، لكِنَّنََا رفضنا فيما سبق أن يكون اللابشرط الْقِسْمِيّ متقوّماً بلحاظ عدم القيد حيث قُلْنَا: إِنَّ «اللابشرط الْقِسْمِيّ» عبارة عن «لحاظ الْمَاهِيَّة مِنْ دُونِ لحاظ القيد» لا «مع لحاظ عدم القيد».
 إذن فالقول الأوّل مرفوض.
 وأمّا القول الثَّانِي (القائل بأن التقابل بينهما من العدم والملكة) فيشترك معنا فِي التَّسْلِيم بأن الإِطْلاَق لَيْسَ أمراً وُجُودِيّاً وإنَّما هو أمر عدميّ؛ لأَنَّهُ عبارة عن «عدم لحاظ القيد» بينما التقييد الثُّبوتيّ أمر وجوديّ. ولكن صاحب هذا القول يختلف معنا فيما يقول: الإِطْلاَق لَيْسَ عبارة عن «كل عدم لحاظ القيد»، بل هو عبارة عن «عدم لحاظ القيد فِي المورد الَّذي يمكن فيه عدم لحاظ القيد ويكون قابلاً لِلتَّقْيِيد»، فيصبح التقابل من العدم والملكة.
 ويرد عليه بأنَّهُ لا مبرِّر لهذا الشَّرْط؛ فَإِنَّ الإِطْلاَق الثُّبوتيّ للماهية لا يشترط فيه أَنْ تَكُونَ الْمَاهِيَّة قابلة لِلتَّقْيِيد، وإنَّما «سعة الْمَاهِيَّة لتمام الأفراد» أمر ذاتيّ لها.
 أجل، إن الإِطْلاَق الإثباتيّ منوط بقابلية المورد لِلتَّقْيِيد الإثباتيّ. أي: فِي كُلّ مورد كان يمكن فيه ذكر القيد فِي الكلام ولم يُذكر القيد فهناك يتشكل الإِطْلاَق الإثباتيّ، أَمَّا فِي المورد الَّذي لم يكن بإمكان لِلْمُتِكَلِّمِ أن يتفوه بالقيد بسبب من الأسباب (كما إذا أغلقوا فمه أو كان ذكر القيد مستحيلاً وذلك مثلما يقال فِي استحالة أخذ قيد «قصد امتثال الأمر» فِي الخطاب نفسه، أو مثلما يقال فِي استحالة أخذ العلم بالحكم فِي الحكم نفسه أو مثل استحالة أخذ قصد امتثال الأمر فِي مُتَعَلَّق الأمر وغيرها من الأمثلة. فإذا كان التَّقْيِيد الإثباتيّ مستحيلاً (أي: إذا لم يمكن ذكر القيد) فحينئذٍ يصبح الإِطْلاَق الإثباتيّ غير ممكن أيضاً؛ لأَنَّ الإِطْلاَق الإثباتيّ إِنَّمَا هو عبارة عن عدم لحاظ القيد فِي المورد الَّذي يمكن فيه ذكرُ القيد، أَمَّا فِي المورد الَّذي لا يمكن فيه ذكر القيد فلا يوجد فيه لا تقييد إِثْبَاتِيّ ولا إطلاق إِثْبَاتِيّ. لكن كلامنا الآنَ فِي الإِطْلاَق الثُّبوتيّ (أي: الإِطْلاَق والتقييد فِي عالم اللِّحَاظ) وليس فِي الإِطْلاَق الإثباتيّ حَيْث أَنَّ بحثه تابع لمقدمات الحِكْمَة؛ لأَنَّ الإِطْلاَق الإثباتيّ يُكشف ويُفهم من مُقَدَِّمَات الْحِكْمَةِ. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه فكأن السَّيِّد الأُسْتَاذ الْخُوئِيّ رحمه الله قد انساق ذهنه إلى الإِطْلاَق الإثباتيّ ووقع لديه خلط بين الإطلاق الثُّبوتيّ والإِطْلاَق الإثباتيّ؛ بينما أن الكل يسلّم بأن التقابل الموجود بين الإِطْلاَق والتقييد الإثباتيين تقابل العدم والملكة، لٰكِنَّهُ أجنبي عن الإِطْلاَق الثُّبوتيّ.
 إذن، المتعيَّن من بين هذه الأقوال الثَّلاثة هو القول الثَّالث القائل بأن التقابل بين الإطلاق والتقييد الثبوتيين تقابل التناقض (وَالسَّلْب والإيجاب)، أي: أن الإِطْلاَق عبارة عن عدم لحاظ القيد والتقييد عبارة عن لحاظ القيد، وهما نقيضان.
 توضيحه: أن معنى الإِطْلاَق هو تلك الْخُصُوصِيَّة الَّتي تقتضي أن يكون هذا الْمَفْهُوم صالحاً للانطباق عَلَىٰ جميع الأفراد. فما هي تلك الْخُصُوصِيَّة؟ هل هي أن يَلحظ المتكلمُ عدمَ القيد؟ أم أنَّها عبارة عن أن لا يلحظ قيداً فِي المورد الَّذي يمكن فيه لحاظ القيد؟ أم أنَّها عبارة عن أن لا يلحظ الْمُتِكَلِّم قيداً مطلقاً، سَوَاءٌ كَانَ من الممكن لحاظ القيد أم لا.
 نحن نريد أن نَقُول: إِنَّ تلك الْخُصُوصِيَّة الَّتي يجعل الْمَفْهُوم صالحاً للانطباق عَلَىٰ جميع الأفراد يكفي فيها مجرّد أن لا يلحظ فيها اللاحظ القيدَ؛ لأَنَّ كل مفهوم من الْمَفَاهِيم يوجد فيه ذاتاً القابليةُ للانطباق عَلَىٰ كل فرد ومصداق يكون هذا الْمَفْهُوم محفوظاً فيه. مثلاً توجد قابلية الانطباق الذّاتيَّة فِي مفهوم «العالم» عَلَىٰ كل فرد يكون مفهوم العالم محفوظاً فيه، كما أن تلك القابلية موجودة فِي الْمَفَاهِيم الأخرى كـ«العالم العادل» و«العالم العادل الهاشمي» وهي الَّتي تجعل كل مفهومٍ صالحاً لإسراء الحكم الثَّابِت فِيه إلى جميع الأفراد. وحيث أن هذه القابلية ذاتيَّة لِلْمَفْهُومِ، فهي لازمة له ويستحيل أن تنفك عنه. وإذا كانت القابلية من اللوازم الذَّاتيَّة لِلْمَفْهُومِ فَإِنَّنَا بحاجة إلى عدم وجود حجر عثرة ومانع يمنع هذا الْمَفْهُوم من الانطباق عَلَىٰ جميع أفراده، وهذا المانع هو لحاظ القيد حيث يأتي ويقف مانعاً أمام مفهوم «العالم» ويمنعه من الانطباق عَلَىٰ جميع أفراده الَّتي قد حفظ فيها مفهوم «العالم»، وإن لم يكن هذا المانع موجوداً كان يكفي أن يصبح المفهومُ قابلاً للانطباق عَلَىٰ جميع الأفراد، وبالتَّالي كان يسري الحكم المترتّب عَلَىٰ هذا الْمَفْهُوم إلى جميع الأفراد، وهذا هو الإِطْلاَق.
 يبقى هنا إِشْكَال: وهو ما أشار إليه الشَّيْخ الطهراني من أَنَّهُ كيف تقولون من جهة: إنّ هذه القابلية (قابلية انطباق الْمَفْهُوم عَلَىٰ جميع أفراده) من اللوازم الذَّاتيَّة لِلْمَفْهُومِ واللازم الذَّاتيّ لا ينفك عن ملزومه، ومن جهة أخرى تقولون: إذا لاحظ الْمَفْهُوم وَالْمَاهِيَّة ولاحظ القيد، يصبح القيد مانعاً من أن يكون قابلاً للانطباق عَلَىٰ جميع الأفراد. كيف تصبح القابلية ذاتيَّة وكيف يأتي القيد ويفصل بين الملزوم ولازمه الذَّاتيّ. فالتفكيك بين الملزوم واللازم مستحيل.
 الجواب هو أن التَّقْيِيد ولحاظ القيد لَيْسَ تفكيكاً بين اللاَّزِم وملزومه، وإنَّما إذا أردنا أن ندقق النَّظَر أكثر فعلينا أن نَقُول: إِنَّ التَّقْيِيد فِي الحقيقة خلق مفهوم جديد (أي: العالم العادل مفهوم جديد يختلف عن مفهوم «العالم»)؛ لأَنَّ الْمَفَاهِيم فِي عالم الْمَفَاهِيم كُلّهَا متباينة، ولا توجد نسب أربع بين الْمَفَاهِيم، بل النِّسْبَةُ الموجودة فِي عالم الْمَفَاهِيم هي نسبة التَّبايُن، حتّى لو كان أحد المفهومين أعمّ من الآخر من حيث الصدق الخارجيّ، لكنهما فِي عالم الْمَفَاهِيم مفهومان متباينان (كـ«العالم» و«العالم العادل» و«العالم العادل الهاشمي» حيث لا تنفك القابلية عن الْمَفْهُوم الأوّل فِي الْمَفْهُوم الثَّانِي والثالث، بل الموجود فِي الأخيرين هو خلق مفهومين جديدين غير الْمَفْهُوم الأوّل، وإلا - أي: إذا لاحظنا الْمَفْهُوم الأوّل بِغَضِّ النَّظَرِ عن الْمَفْهُوم الثَّانِي والثالث - فإنّ الْمَفْهُوم الأوّل لا زال قابلاً للانطباق عَلَىٰ جميع أفراده). وعلى العموم إن الانطباق من شؤون العالم الخارجيّ ولا انطباق بين الْمَفَاهِيم بما هي مفاهيم.
 وعلى هذا الأساس صَحَّ أن نقول: إِنَّنّا لو أردنا أن ندقق النَّظَر فِي هذه المسألة نرى أَنَّهُ لا يوجد تقابل بين الإِطْلاَق والتقييد؛ لأَنَّ التقابل الَّذي قرأناه فِي المنطلق معناه أن يكون هناك شيئان يفرض ورودهما عَلَىٰ موضوع واحد، بينما الإِطْلاَق والتقييد لا يردان عَلَىٰ مورد واحد؛ إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه لأَنَّ الإِطْلاَق يرد عَلَىٰ مفهوم والتقييد يرد عَلَىٰ مفهوم آخر (لأَنَّ الْمَفَاهِيم متباينة فِي عالم الْمَفَاهِيم). الإطلاق اللِّحَاظِيّ يعني أن تلحظ «العالم» ولا تلحظ معه قيد، أي: مفهوم «العالم» فِي الذِّهْن. والتقييد الثُّبوتيّ يعني أن تلحظ العالم ولا تلحظ معه قيد، أي: مفهوم «العالم العادل» وهذا غير مفهوم «العالم». فأين المورد الَّذي ورد فيه الإِطْلاَق والتقييد معاً عَلَىٰ مفهوم واحد حتّى يكونا متقابلين؟! فإِنَّهُ يستحيل بالدِّقَّة أن يرد الإِطْلاَق والتقييد الثبوتيين معاً عَلَىٰ مورد واحد، فلا يوجد تقابل حتّى لا يوجد تقابل التناقض الَّذي قلناه، وإنَّما ذكرنا التناقض ابتداءً ومن باب التسامح، فضلاً عن «التَّضَادّ» و«العدم والملكة».
 إذن، انطباق الْمَاهِيَّة عَلَىٰ تمام أفرادها أمر ذاتيّ - كما قلنا - والذاتي لا يتخلّف أصلاً وهذا هو معنى الإِطْلاَق. أَمَّا التَّقْيِيد ففي الواقع لَيْسَ تَخْصِيصاً لهذه القابلية حتّى يأتي الإشكال بأن القابلية الذَّاتيَّة كيف تنفك عن الْمَفْهُوم وتُخَصَّص، بل التَّقْيِيد تَخَصُّص، أي: خلق مفهوم آخر (= العالم العادل)، الَّذي هو خارج عن مفهوم العالم تَخَصُّصاً.
 إذن، الإطلاق يرد عَلَىٰ مفهوم والمفهوم يرد عَلَىٰ مفهوم آخر. فليست نسبة المقيَّد إلى المطلق (كما يبدو فِي أوَّل وهلة) نسبة الأكثر إلى الأَقَلّ، بحيث يأتي بِالنَّظَرِ التسامحي إلى الذِّهْن أن النِّسْبَة بين «العالم» و«العالم العادل» نسبة الأَقَلّ والأكثر، كي يقع التقابل بلحاظ هذا الزَّائِد. فكل هذا الكلام من باب التسامح، وإلا فبالدقة لا مجال لكل هذا الحديث.
 هذه هي الأقوال الثَّلاثة فِي مسألة التَّقابل بين الإِطْلاَق والتقييد الثبوتيين وقد عرفنا الصَّحِيح منها كما عرفنا واقع المطلب أيضاً. بعد ذلك ننتقل إلى الفوارق والثمرات الموجودة بين هذه الأقوال نشرحها غداً إن شاء اللٰه تعالى. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه.1311 كلمة

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo