< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/01/23

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: اسم الجنس/المطلق/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول
 
 قلنا إن هذا الإِطْلاَق الَّذي نشعر به وجداناً، يَصِحُّ أن يُنسب إلى الْمُتِكَلِّم ونحمّله مسؤوليتَه فيما إذا كان مدلولاً تصوُّريّاً للكلام وناشئاً من دلالة اللَّفظ عَلَيه، فنثبت بأصالة التَّطَابُق بين الْمَدْلُول التَّصوُّريّ والمدلول التَّصديقيّ أَنَّهُ أراد الإِطْلاَق جِدّاً؛ لأَنَّهُ قاله، فَيَكُونُ قد أراده.
 أَمَّا إذا لم يكن الإِطْلاَق مدلولاً تصوُّريّاً لكلام الْمُتِكَلِّم (أي: لم يكن ناشئاً من دلالة كلام الْمُتِكَلِّم عليه وإنَّما كان ناشئاً من عاملٍ تَكْوِينِيّ آخر لاَ عَلاَقَةَ لَهُ بلفظ الْمُتِكَلِّم وكلامه) فلا يصحّ أن ننسب الإِطْلاَق إليه ونقول: إِنَّه أراد الإِطْلاَق؛ لأَنَّنَا فرضنا أن الإِطْلاَق مسبَّب عن سبب وعامل تَكْوِينِيّ، وهو لَيْسَ كاشفاً عن مراد الْمُتِكَلِّم؛ فَإِنَّه يُعقل أن يكون كلام الشخص كاشفاً عن مراد الْمُتِكَلِّم، أَمَّا أن يكون هناك عامل تَكْوِينِيّ أثّر عَلَىٰ ذهن السَّامِع وخلق فِي ذهنه شيئاً يكون هذا الشَّيْء مراداً لِلْمُتِكَلِّمِ، فهذا غير صحيح ولا يَتُِمّ كشف مراد الْمُتِكَلِّم بهذه الطَّرِيقَة؛ لأَنَّ الْمُتِكَلِّم لَيْسَ هو الَّذي كوَّن هذا الإطلاقَ فِي ذهن السَّامِع من خلال كلامه.
 وَالنَّتِيجَة أَنَّهُ لا يوجد أي كشفٍ فِي هذا الإطلاق التَّكوينيّ عن مراد الْمُتِكَلِّم، كي يمكن التَّمسُّك به لإِثْبَاتِ إرادة الإِطْلاَق. فإذا أردنا أن نستكشف أن الْمُتِكَلِّم أراد الإِطْلاَق فلا بُدَّ أن ندخل الإِطْلاَق فِي الْمَدْلُول التَّصوُّريّ لكلام الْمُتِكَلِّم ونقول: إن اسم الجنس (لفظ البيع) وضع فِي اللُّغَة للبيع المطلق، فيكون كلام الْمُتِكَلِّم دالاًّ بِالدِّلاَلَةِ التَّصَوُّرِيَّةِ الوضعيَّة عَلَىٰ الإِطْلاَق، وحينئِذٍ نثبت بأصالة التَّطَابُق بين الْمَدْلُول التَّصوُّريّ والمدلول التَّصديقيّ أن الْمُتِكَلِّم أراد الإِطْلاَق؛ لأَنَّه تكلم بلفظ معناه فِي اللُّغَة الإِطْلاَق (البيع المطلق)، والأصل فِي كُلّ متكلم أن يكون قد أراد مرادَه.
 ولكننا رفضنا ذلك فِي الجهة الأولى من البحث (فِي معنى اسم الجنس) حيث قلنا إن معاني أسماء الأجناس ليست عبارة عن الطَّبَائِع المطلقة، وإنَّما وضع اسم الجنس لِلطَّبِيعَةِ، لا لِلطَّبِيعَةِ مع خُصُوصِيَّة الإِطْلاَق. فهذا الطَّرِيق (أن يكون الإطلاق مدلول كلامه) مسدود علينا، فَيَنْحَصِرُ الطَّرِيق باستفادة الإِطْلاَق من ذاك الظُّهُور الْحَالِيّ السياقي.
 هذه هي الْفَرَضِيَّة الأولى، وهي فِي الواقع روح مُقَدَِّمَات الْحِكْمَةِ؛ فَإِنَّهَا كما تأتي إن شاء اللٰه ترجع بروحها إلى مطلبين ومقدمتين:
 المقدّمة الأولى: كون الْمُتِكَلِّم فِي مقام البيان. ومرجع هذه المقدّمة إلى هذا الظُّهُور الْحَالِيّ السياقي القائل بأن ظاهر حال الْمُتِكَلِّم فِي أَنَّهُ بصدد بيان تمام مراده بكلامه.
 المقدّمة الثَّانية: أن لا ينصب قرينة عَلَىٰ القيد. ومرجع هذه المقدّمة إلى تتميم الدِّلاَلَة الاِلْتِزَامِيَّة للظهور الْحَالِيّ. فالظهور الْحَالِيّ عبارة عن كون الْمُتِكَلِّم بصدد بيان تمام مراده بكلامه، ويدلّ هذا الظُّهُور بِالدِّلاَلَةِ الاِلْتِزَامِيَّة عَلَىٰ أن هذا الْمُتِكَلِّم أراد المطلق.
 وتتم هذه الدِّلاَلَة فيما إذا لم تنصب الْمُتِكَلِّم قرينةً عَلَىٰ التَّقْيِيد، وإلا فلا توجد دلالة التزامية عَلَىٰ أَنَّهُ أراد المطلق؛ لأَنَّهُ فِي فرض نصب قرينة عَلَىٰ التَّقْيِيد لم يكن قد خالف ظهوره الْحَالِيّ القائل بأَنَّهُ فِي صدد بيان تمام مراده بكلامه، وهو قد بيَّن تمام مراده بكلامه الَّذي كان فيه ذكرٌ للمقيَّد. فإرادة المقيَّد هنا لا تعني خلف الظُّهُور الْحَالِيّ، بل فيما لو أراد المقيَّد ولم ينصب قرينة عَلَىٰ القيد يعتبر مخالفاً.
 فمجموع مقدمتي الحِكْمَة يشكلان الدِّلاَلَة الاِلْتِزَامِيَّة عَلَىٰ الظُّهُور الَّذي ذكرناه عَلَىٰ الإِطْلاَق. وهذه الْفَرَضِيَّة يَتَعَيَّنُ الأخذ بها فيما إذا أبطلنا الأخذ بالفرضية الثَّانية.
 الْفَرَضِيَّة الثَّانية: إن الإِطْلاَق يستفاد من اسم الجنس بعد الفراغ من أن اسم الجنس غير مَوْضُوع لِلطَّبِيعَةِ المطلقة، بل هو مَوْضُوع لأصل الطَّبِيعَة، لكِنَّنََا نستفيد الإطلاق بِالدِّلاَلَةِ الْمُطَابِقِيَّة (رغم أَنَّهُ لَيْسَ مدلولاً وَضْعِيّاً لاسم الجنس) من نفس عدم ذكر القيد، مِنْ دُونِ حاجة إلى مُقَدَِّمَات الْحِكْمَةِ، ومن دون حاجة إلى الدِّلاَلَة الاِلْتِزَامِيَّة لهذا الظُّهُور الْحَالِيّ الَّذي ذكرناه.
 فكأنّ هذه الْفَرَضِيَّة حالة وسطية بين القول بأن الإِطْلاَق مستفاد من الوضع وبين القول بأن الإِطْلاَق مستفاد من قرينة الحِكْمَة. فالإطلاق لا هو مستفاد من الوضع (وهذا ما فرغنا عنه فِي الجهة الأولى) ولا هو مستفاد من قرينة الحِكْمَة الَّتي كانت الْفَرَضِيَّة الأولى، وإنَّما يستفاد من عدم ذكر القيد (= يستفاد الإِطْلاَق بِالدِّلاَلَةِ الْمُطَابِقِيَّة من «التجرد عن ذكر القيد»).
 ولهذه الْفَرَضِيَّة تقريبان:
 التَّقريب الأوّل: هو أن اسم الجنس فِي حدّ ذاته مَوْضُوع لِلطَّبِيعَةِ (لا لِلطَّبِيعَةِ المطلقة) لكن وضع «عدم ذكر القيد إلى صفّ اسم الجنس» فِي اللُّغَة بوضعٍ ثان غير وضع اسم الجنس للإطلاق. كما يقولون أحياناً فِي النَّحْو إن التجرد عن شيء يَدُلّ عَلَىٰ شيء آخر، مثل تجرد المبتدأ عن عامل النصب وعامل كذا يكون عاملاً لِلرَّفْع، فلا نحتاج إلى الظُّهُور الْحَالِيّ ولا إلى مُقَدَِّمَات الْحِكْمَةِ.
 إذن، إن اسم الجنس يَدُلّ عَلَىٰ الإِطْلاَق بِالدِّلاَلَةِ الوضعيَّة وَالَّتِي هي أقوى من قرينة الحِكْمَة وهذه الدِّلاَلَة تَتُِمّ بمجموع وضعين: 1- وضعُ اسم الجنس لذات الْمَاهِيَّة. 2- وضع تجرده عن ذكر القيد.
 والدَّليل عَلَىٰ هذا الوضع هو أَنَّهُ لو كان اسم الجنس مَوْضُوعاً للماهيَّةِ المطلقة لكان استعماله فِي موارد المقيِّد المتصل (مثل «ماء دجلة» أو «يوم الجمعة») مَجَازِيّاً، والحال أَنَّنَا لا نلتزم بِالتَّجَوُّزِ فِي هذه الموارد. أي: سواء استعملنا اسم الجنس (= الماء) فِي المقيَّد (= ماء دجلة عذب) أو استعملناه فِي المطلق (الماء لذيذ)؛ لأَنَّ اسم الجنس وضع لِلطَّبِيعَةِ المهملة وأصل الطَّبِيعَة موجود فِي المقيَّد كما أَنَّهُ موجود فِي المطلق، فالمعنى الْمَوْضُوع له محفوظ فِي كليهما، فالاستعمال حقيقي فِي كليهما.
 وحينئِذٍ يترتَّب عَلَىٰ هذا أَنَّهُ لو استعمل اسم الجنس وحده ومن دون قيد مثل «الماء أمر نافع» (بخلاف «ماء دجلة») فيستفاد منه الإِطْلاَق ببركة الوضع الثَّانِي.
 أَمَّا إذا استعمل اسم الجنس مع القيد مثل «ماء دجلة عذب»، فيستفاد منه المقيَّد مِنْ دُونِ أن يلزم منه المجاز؛ لأَنَّ اسم الجنس (الماء) إذا استعمل مع القيد لا يكون له حينئذٍ إلاَّ وضع واحد، وهو الوضع لِلطَّبِيعَةِ المهملة، ويستفاد من كلمة «دخلة» القيدَ، فبتعدد الدَّالّ والمدلول نستفيد المقيَّد مِنْ دُونِ أن يلزم المجاز.
 فبهذه الْفَرَضِيَّة استعطنا أن نجتنب التَّجوُّز فِي موارد التَّقْيِيد المتصل، عَلَىٰ أساس الوضع الأوّل، متزامنا مع استفادتنا الإِطْلاَق فِي موارد عدم التَّقْيِيد وذلك عَلَىٰ أساس الوضع الثَّانِي. هذه هي الْفَرَضِيَّة الثَّانية.
 الاعتراض: وقد يقال بصدد الاعتراض عَلَىٰ هذا التَّقريب الأوّل للفرضية الثَّانية: إِنَّه بناء عَلَىٰ أن يكون اسم الجنس مع خُصُوصِيَّة التجرد عن ذكر القيد مَوْضُوعاً بالوضع الثَّانِي لِلطَّبِيعَةِ المطلقة، يصبح اسم الجنس مشتركاً لفظيّاً، مثل لفظ «العين» الَّذي له معان عديدة، إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. وكذلك اسم الجنس له معنيان، فِي أحد الوضعين معناها الْمَاهِيَّة المهملة، وفي الوضع الآخر الْمَاهِيَّة المطلقة (لأَنَّ الوضع الثَّانِي كان عبارة عن اسم الجنس مِنْ دُونِ ذكر القيد) وأيهما المراد؟
 وقد يجاب عنه بأن الأصل فِي المشترك اللَّفظيّ أن يكون مستعملاً فِي جميع معانيه فِي آن واحد، وإنَّما نرفع اليد عن هذا الأصل الأوليّ فِي المشترك اللَّفظيّ ونقول: لا يمكن لِلْمُتِكَلِّمِ أن يكون قد أراد كلا المعنيين بسبب تعدّد اللِّحَاظ عند الْمُتِكَلِّم، وهو مستحيل فِي آن واحد.
 هذا المحذور يسبب أن نقول فِي المشترك اللَّفظيّ عادة لا يمكن أن يكون قد أراد كلا المعنيين معاً فِي آن واحد، أَمَّا فِي المقام فلا يوجد هذا السَّبَب. فلو قلنا إن الْمُتِكَلِّم أراد الطَّبِيعَة المهملة الَّتي هي المعنى الأوّل لاسم الجنس بحسب الوضع الأوّل وأيضاً أراد الطَّبِيعَة المطلقة بحسب الوضع الثَّانِي، لأَنَّ الطَّبِيعَة المهملة موجودة فِي ضمن المهملة.
 إذن، لا يلزم هنا تعدّد اللِّحَاظ، نعم فِي سائر المشتركات اللَّفظيَّة فِي اللُّغَة يلزم هذا المحذور؛ لأَنَّ هذا المعنى هناك غير موجود فِي ضمن المعنى الآخر، فعلى سبيل المثال الطهر غير موجود فِي الحيض، ولا الحيض موجود فِي الطهر، أو كالمولى فِي اللُّغَة الَّذي يعني العبد أيضاً، ولكن العبد غير موجود فِي المولى، كما أن المولى غير موجود فِي العبد أيضاً.
 فلا يوجد مانع من أن نقول هنا إِنَّه أراد المطلق، فنستفيد الإطلاق بلا أي مَحْذُور. إن قبلتم هذا الجواب فبه ونعم، وإلا فَسَوْفَ ننتقل إلى الجواب الآخر غداً إن شاء اللٰه تعالى. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. 1182 كلمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo