< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/02/02

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: اسم الجنس/المطلق/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول
 
 كانَ الكلامُ في أَنَّهُ هل يضرّ القَدْر المتيَقَّن المعلوم من داخل الخطاب بالإطلاق ويمنع من دلالة الكلام عَلَىٰ الإِطْلاَق، أم لا؟ حيث تقدّم بأَنَّهُ حينما لا يكون هناك قدر متيقن نقول بأن ظاهر حال الْمُتِكَلِّم أَنَّهُ بيَّن كل مراده فِي هذا الكلام (أي: فِي «أكرم الفقير»). فإذا كان المقيَّد هو مراد الْمُتِكَلِّم (أي: أراد من «الفقير» فقيراً خاصّاً مُعَيَّناً مثل الفقير الهاشمي أو الفقير العادل أو الفقير المجاهد) لزم الخلف (أي: لزم أَنْ لاَّ يَكُونَ قَدْ بَيَّنَ كل مراده فِي هذا الكلام؛ لأَنَّهُ لم يُبَيِّن القيد، فلم يُبَيِّن كلَّ مراده). إذن، فمقتضى هذا الظُّهُور الْحَالِيّ أَنَّهُ لم يخالف هذا الظُّهُورَ الحال، بل مشى وفقه وبيَّن كلَّ مراده فِي كلامه؛ إذن مراده المطلق؛ لأَنَّ كلامه وافٍ ببيان مراده، لٰكِنَّهُ لَيْسَ وافياً ببيان المقيَّد.
 هذا أمر كُنَّا نقوله فِي سائر الموارد، والآن نريد أن نرى هل لنا أن نطبقه فِي المقام (= وجود القَدْر المتيَقَّن فِي مقام التخاطب) ونقول بأَنَّهُ: «وإن كان سؤال السائل عن إكرام الفقير الهاشمي وأمر الإمام عليه السلام بالتصدق عَلَىٰ الفقير، ولكن القَدْر المتيَقَّن من الفقير هو الفقير الهاشمي الَّذي هو مورد السُّؤَال، فلو أراد المولى عليه السلام من الفقير الفقيرَ الهاشمي، لم يكن كلامُه وافياً بتمام المراد، بل كان كلامه مبيِّنا لنصف المراد، وهذا خلاف ظاهر حال الإمام عليه السلام من أَنَّهُ بصدد بيان تمام المراد، إذن فتمام مراده هو مطلق الفقير سواء الهاشمي أم غيره»، هل يمكننا أن نقول بهذا الكلام؟ أي: هل يمكننا أن نقول: «لو أراد المقيَّد لزم الخلف»؟ إن صَحَّت هذه المقولة فمعناها أن وجود القَدْر المتيَقَّن فِي داخل الخطاب لا يضرّ بالإطلاق ولا يمنع من دلالة الكلام عَلَىٰ الإِطْلاَق. أو لا يمكننا أن نقول بهذه المقولة من منطلق أن كلام المتكلم يفي ببيان المقيَّد؛ لأَنَّ السُّؤَال كان عن المقيَّد (=الفقير الهاشمي)، فَيَكُونُ كلام المولى عليه السلام (=أكرم الفقير) وافياً بهذا المراد ولا يلزم منه الخلف إن أراد المقيَّد، كما لا يلزم منه الخلف لو أراد المطلق أيضاً. وبالتَّالي فِي موارد وجود القَدْر المتيَقَّن لا يكون للكلام دلالة عَلَىٰ الإِطْلاَق، ويبقى الكلام مُجْمَلاً.
 القَدْر المتيَقَّن مشمول قَطْعاً، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لغير الهاشمي فلا يوجد إطلاق، فمعنى ذلك أن القَدْر المتيَقَّن يضرّ بالإطلاق.
 الشُّبهَة: هنا قلنا تأتي الشُّبهَة الَّتي يتمسّك بها كلّ مَن يقول بأن القَدْر المتيَقَّن يضرّ بالإطلاق كصاحب الكفاية وغيره من أن الْمُتِكَلِّم لو أراد المقيَّد لا يلزم الخلف؛ لأَنَّ كلامه وافٍ ببيان هذا المقيَّد، فلو كان مراده إكرام الفقير الهاشمي لم يكن قد خالف هذا الظُّهُور الْحَالِيّ؛ لأَنَّ هذا الفقير الهاشمي باعتباره متيقَّناً فِي مقام التخاطب يَكُونُ بمثابة البيان له (=كونه هو المتيقن بمثابة بيانه)، فكأنه قال: «أكرم الفقير الهاشمي»، فالكلام وافٍ ببيان المقيَّد. فلو أراد الإمام عليه السلام الفقيرَ الهاشمي لم يخالف ذاك الظُّهُور الْحَالِيّ المتقدّم. أي: بيَّن تمام مرامه بشخص هذا الكلام. فلو أراد المولى من قوله: «أكرم الفقير» خصوص الفقير الهاشمي لا يحق لأحد أن يقول للمولى لماذا لم تبيّن؟ لأَنَّهُ يقول: كلامي كان صَرِيحاً فِي الفقير الهاشمي باعتباره هو المتيقَّن.
 ومن هنا يفرق صاحب الكفاية وغيره ممن يقول بكلام صاحب الكفاية بين ما إذا كان القَدْر المتيَقَّن من داخل الخطاب وبين ما إذا كان من خارج الخطاب. فلو كان القَدْر المتيَقَّن من داخل الخطاب إذن حينما يريد الْمُتِكَلِّم خصوصَ المقيَّد لم يخالف الظُّهُور الْحَالِيّ؛ لأَنَّ كلامه وافٍ ببيان هذا المقيَّد. أَمَّا لو كان القَدْر المتيَقَّن من خارج الخطاب، فلا يكون كلامه وافياً ببيان تمام المراد لو أراد المقيَّد. مثلاً فِي قوله: «ثمن العذرة سحت» لا يأتي هذا الكلام، حينما يكون القَدْر المتيَقَّن من خارج الخطاب، لو أراد الْمُتِكَلِّم خصوص المقيَّد (أي: لو أراد المولى عليه السلام من العذرة خصوصَ عذرة الإنسان) يلزم الخلف. أي: يلزم أن يكون قد خالف هذا الظُّهُور الْحَالِيّ الَّذي ذكرناه، والإمام لم يبين كل مراده (خصوص عذرة الإنسان) فِي كلامه، ومن هنا وإن كان عذرة الإنسان هو المتيقن من خارج الخطاب، ولكن كونها هو المتيقن من خارج الخطاب لا يمنع من أن نتمسك بإطلاق «العذرة» فِي قول الإمام عليه السلام؛ لأَنَّ الظُّهُور الْحَالِيّ المتقدّم يقتضي أن يكون الْمُتِكَلِّم أراد المطلق عندما قال: «ثمن العذرة سحت» إذ لو كان أراد المقيَّد لم يكن كلامه وافياً ببيان كل هذا المراد، وهذا خلاف ظاهر حاله؛ إذن فمقتضى ظاهر الحال أَنَّهُ بين تمام مراده فِي هذا الكلام وتمام مراده الَّذي بُيِّن بهذا الكلام هو المطلق. فوجود القَدْر المتيَقَّن من خارج الخطاب لا يضرّ بالإطلاق بهذه النُّكتة، وهذا بخلاف وجود القَدْر المتيَقَّن فِي داخل الخطاب.
 جواب الشُّبهَة: هو أَنَّنَا إذا أردنا تقويم هذه الشُّبهَة لا بُدَّ لنا من معرفة مفاد الظُّهُور الْحَالِيّ الَّذي تحدثنا عنه قائلين: إن الإِطْلاَق يُستفاد من الظُّهُور الْحَالِيّ. فهل أن مفاده مطلب واحد أم أَنَّهُ يفيد مجموع مطلبين؟ فعلى الأوّل (بِأَنْ يَّكُونَ المتكلم بصدد بيان تمام مراده بكلامه) ترد الشُّبهَة، أي: وجود القَدْر المتيَقَّن داخل الخطاب يمنع من دلالة الكلام عَلَىٰ الإِطْلاَق؛ لأَنَّ السائل عندما يسأل: «هل أُكرِمُ الفقير الهاشميّ»؟ ويجيبه الإمام عليه السلام بـ «أكرم الفقير»، يتكوّن لدينا قدر متيقن وهو «الفقير الهاشمي» وَالَّذِي سوف يمنع من أن يكون كلام الإمام دالاًّ بإطلاقه عَلَىٰ وجوب إكرام فقير غير الهاشمي؛ لأَنَّنَا نستفيد الإِطْلاَق من الظُّهُور الْحَالِيّ، وقد فرضنا أن مفاد الظُّهُور الْحَالِيّ مطلب واحد وهو كون الْمُتِكَلِّم بصدد بيان تمام مراده فِي كلامه. فهنا لو أراد المولى خصوص الفقير الهاشمي فهل كان كلامه وافياً؛ إذن لو أراد المقيَّد لم يكن الإمام قد خالف الظُّهُور الْحَالِيّ، لأَنَّهُ كان يُبَيِّن هذا المطلب الواحد. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه. كما لو أَنَّهُ أراد المطلق يكون كلامه وافياً. فكلاهما (المطلق والْمُقَيَّد) سواءٌ، إذن لا دلالة للكلام عَلَىٰ الإِطْلاَق (عَلَىٰ شمول الحكم للفقير غير الهاشمي).
 ومن هنا يمنع القَدْر المتيَقَّن فِي مقام التخاطب من انعقاد الإِطْلاَق للكلام فِي الشُّمُول للفقير غير الهاشمي.
 هذا إن كان مفاده مطلب واحد.
 أَمَّا لو افترضنا أَنَّهُ يقتضي مطلبين، كُلَّمَا تَمَّ هذان المطلبان يَتُِمّ هذا الظُّهُور الْحَالِيّ:
 المطلب الأوّل: أَنْ يَكُونَ كلام الْمُتِكَلِّم وافياً بتمام المراد.
 المطلب الثَّانِي: أَنّ ما بيَّنه فِي كلامه هو المراد؛ أي: غيره لَيْسَ بمراد.
 وإذا كانت هذه الصِّيَاغَة هي صياغة الظُّهُور الْحَالِيّ، فلا ترد شبهة صاحب الكفاية. أي: وجود القَدْر المتيَقَّن فِي مقام التخاطب لا يمنع من التَّمسُّك بالإطلاق، ولا يمنع من انعقاد ظهور للكلام فِي الإِطْلاَق؛ لأَنَّهُ وإن كان القَدْر المتيَقَّن فِي هذا المثال هو إكرام الفقير الهاشمي لأَنَّهُ هو مورد السُّؤَال. فلو أراد المولى من قوله «أكرم الفقير» كان كلامه وافياً ببيان هذا المراد، لكن هذا هو المطلب الأوّل من الظهور الْحَالِيّ. لكن هل كان كلامه وافياً ببيان أن هذا هو التمام وغير هذا (أي: المطلق) لَيْسَ بمراد؟ فلو أراد المقيَّد يكون نصف الظُّهُور الْحَالِيّ متوفرا، لكن نصفه الآخر (وهو أنْ يكون كلام الإمام وافياً ببيان أن هذا هو تمام المراد وغيره لَيْسَ بمراد) لم يُبَيِّنه الإمام عليه السلام؛ لأَنَّهُ لا يوجد قيد فِي كلام الإمام عليه السلام.
 فَيَكُونُ الإمام عليه السلام قد أراد المطلق؛ إذ لو أراد المقيَّد لزم الخلف (أي: أَنَّهُ ذكر نصف مراده). فَيَكُونُ الظُّهُور الْحَالِيّ مقتضياً لحمل كلام الإمام عليه السلام عَلَىٰ الإِطْلاَق، ومعنى ذلك عدم ورود شبهة صاحب الكفاية (أي: وجود القَدْر المتيَقَّن يخل بالإطلاق).
 فلو بنينا عَلَىٰ الصِّيَاغَة الأولى يَتُِمّ كلام صاحب الكفاية، ولٰكِنَّهُ غير تامّ عَلَىٰ الصِّيَاغَة الثَّانية.
 إلاَّ أن سَيِّدنَا الأُسْتَاذ الشَّهِيد & قال: لا أصل الشُّبهَة تامَّة ولا هذا الجواب وتوضيح ذلك يَتُِمّ من خلال ذكر اعتراضين عَلَىٰ هذا الجواب الَّذي ذكرناه:
 الاعتراض الأوَّل: هو أن هذا الجواب فِي الواقع اعتراف بورود الشُّبهَة بناءًا عَلَىٰ الصِّيَاغَة الأولى للظهور الْحَالِيّ (وهي الَّتي تقول بأن الظُّهُور الْحَالِيّ لِلْمُتِكَلِّمِ فِي أن شخص كلام الْمُتِكَلِّم وافٍ بتمام مراده فِي شخص كلامه)؛ لأَنَّهُ إذا كان مقصود المولى عليه السلام من قوله: «أكرم الفقير» المقيَّدَ (أي: الفقير الهاشمي) لا يلزم الخلف؛ لأَنَّ كلام الإمام عليه السلام وافٍ ببيان إكرام الفقير الهاشمي، باعتباره هو القَدْر المتيَقَّن المعلوم من داخل كلام الإمام عليه السلام حسب الفرض. فيعترف الجواب عن الشُّبهَة بتسجيل شبهة صاحب الكفاية بناءًا عَلَىٰ الصِّيَاغَة الأولى.
 وهذا ما نفنّده ونقول: إن هذه الشُّبهَة غير واردة حتّى لو فَسَّرْنّا الظُّهُور الْحَالِيّ بالصياغة الأولى. فلنفرض أن مضمون الظُّهُور الْحَالِيّ شيء واحد وليس شَيْئَيْنِ، وهو أنْ يكون كلام الْمُتِكَلِّم وافياً بتمام مرامه، مع ذلك لا تصح شبهة صاحب الكفاية؛ لأَنَّ ظاهر حال الْمُتِكَلِّم هو كونه بصدد بيان تمام مراده، وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ المقصود من «تمام مراده» هو المراد الْجِدِّيّ لِلْمُتِكَلِّمِ والثَّابِت عَلَىٰ مَوْضُوع مُعَيَّن. فالمقصود النهائي والمراد الْجِدِّيّ للإمام عليه السلام عبارة عن «وُجُوب الإِكْرَامِ» المجعول عَلَىٰ مَوْضُوع محدَّد. وإن حملنا كلام الإمام عليه السلام عَلَىٰ المقيَّد لم يُبَيَّن فيه أَنَّهُ ما هو مَوْضُوع الحكم. نعم، الفقير الهاشمي قدر متيقن، فنقطع بوجوب إكرامه، لكن ما هو موضوع الحكم لِوُجُوبِ الإِكْرَامِ فِي الشريعة؟ هل هو ذات الفقير أو هو الفقير الهاشمي؟ فإذا حملنا كلام الإمام عليه السلام عَلَىٰ المقيَّد لا يكون كلامه عليه السلام وافياً ببيان مَوْضُوع الحكم. وهذا خلاف ظاهر حال كل متكلم؛ فَإِنَّ ظاهر حال كل متكلم أَنَّهُ بصدد بيان تمام مراده الْجِدِّيّ، أي: بصدد بيان تمام مَوْضُوع الحكم.
 فالظهور الْحَالِيّ حتّى عَلَىٰ الصِّيَاغَة الأولى يقتضي حمل كلام الإمام عَلَىٰ الإِطْلاَق، وهذا معناه عدم ورود شبهة صاحب الكفاية، أي: وجود القَدْر المتيَقَّن لا يمنع من التَّمسُّك بالإطلاق.
 للكلام تتمة وشرح يأتي إن شاء اللٰه تعالى. إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo