< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/02/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: مقدّمات الحكمة/المطلق/دلالة الدليل/الدليل الشرعي اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأصول
 
 كانَ الكلامُ في المقدّمة الثَّانية من مُقَدَِّمَات الْحِكْمَةِ وَالَّتِي هي عبارة عن عدم نصب الْمُتِكَلِّم قرينةً عَلَىٰ التَّقْيِيد، وَقُلْنَا: إِنَّ هذه المقدّمة توجد لها صياغتان:
 الصِّيَاغَة الآخوندية: القائلة بأن المقدّمة عبارة عن عدم نصب الْمُتِكَلِّم قرينةً متصلة عَلَىٰ التَّقْيِيد.
 الصِّيَاغَة الميرزائية: القائلة بأن المقدّمة الثَّانية عبارة عن عدم نصب الْمُتِكَلِّم قرينةً عَلَىٰ التَّقْيِيد مطلقاً، سواء المتَّصلة أم المنفصلة.
 وَقُلْنَا: إن هَاتَيْنِ الصياغتين مشتركتان فِي اشتراط عدم نصب قرينة متصلة عَلَىٰ التَّقْيِيد وتمتاز الصِّيَاغَة الثَّانية باشتراط عدم نصب قرينة منفصلة أيضاً عَلَىٰ التَّقْيِيد.
 فلنتكلم أوَّلاً فِي ما به اشتراك الصياغتين، وثانياً فيما به امتياز الصِّيَاغَة الثَّانية:
 أَمَّا ما به اشتراكهما، أعني: اشتراك عدم نصب قرينة متصلة عَلَىٰ التَّقْيِيد، ففي تفسيره توجد ثلاثة احتمالات وتفاسير( [1]
 ):
 الاحتمال أو التَّفْسِير الأوّل: أَنْ يَكُونَ المقصود من «القرينة المتَّصلة» الَّتي يكون عدمها من مُقَدَِّمَات الْحِكْمَةِ وَشَرْطاً لانعقاد الإِطْلاَق، خصوص ما يصلح للقرينيّة عَلَىٰ القيد حتّى فِي فرض كون الاستيعاب وَضْعِيّاً بحيث حتّى لو كان المطلق عامّاً أيضاً لكان هذا صالحاً لتقييده؛ لأَنَّهُ قرينة عَلَىٰ القيد، وذلك إما بالتصريح بالقيد عَلَىٰ نحو التوصيف، كقوله: «أَكْرِمِ الْعَالِمَ العادل»، وإما بكون المقيِّد فِي جملة أخرى متصلة وصالحة للقرينيّة إما بالأخصية، كقوله: «أَكْرِمِ الْعَالِمَ ولا تكرم العالم الفاسق»، وإما بِالنَّظَرِ والحكومة كقوله: «أَكْرِمِ الْعَالِمَ ولْيَكُنْ العالم عادلاً»؛ فَإِنَّ القرينة فِي مثل هذه الموارد صالحة لِلْقَرِينِيَّةِ عَلَىٰ ما هو الصَّحِيح، حتّى لو أبدلنا المطلق بالعامّ الوضعيّ، بأن نقول فِي المثال الأوّل: «أَكْرِمْ كُلَّ عَالِمٍ عادل»، ونقول فِي المثال الثَّانِي: «أَكْرِمْ كُلَّ عَالِمٍ ولا تكرم العالم الفاسق»، ونقول فِي المثال الثَّالث: «أَكْرِمْ كُلَّ عَالِمٍ وليكن عادلاً».
 إذن، فمقتضى هذا الاحتمال هو أن ما ينافي الإِطْلاَق إِنَّمَا هو مثل هذه القرينة المتَّصلة، وأمّا إذا جيء مع المطلق ببيانٍ يَدُلّ عَلَىٰ عدم ثبوت الحكم لغير المقيَّد ضمن مطلق آخر، كما إذا قال: «أَكْرِمِ الْعَالِمَ ولا تكرم الفاسق»، أو ضمن عامّ كما إذا قال: «أَكْرِمِ الْعَالِمَ ولا تكرم كل فاسق» فَسَوْفَ لا يكون هذا منافيا للإطلاق؛ لأَنَّ هذا المطلق الآخر أو العامّ لا يصلح لِلْقَرِينِيَّةِ حتّى فِي فرض تبديل المطلق بالعامّ الوضعيّ، بأن نقول: «أَكْرِمْ كُلَّ عَالِمٍ ولا تكرم الفاسق» أو نقول: «أَكْرِمْ كُلَّ عَالِمٍ ولا تكرم كل فاسق»؛ ضرورةَ أن النِّسْبَة حينئذٍ بين العامّ والمطلق (فِي المثال الأوّل) أو بين العامين (فِي المثال الثَّانِي) هي العموم من وجهٍ.
 وحاصل التَّفْسِير الأوّل هو أن يكون المراد من عدم نصب قرينة متصلة هو عدم نصب قرينة عَلَىٰ القيد، لا عدم الإتيان ببيان يَدُلّ عَلَىٰ عدم ثبوت الحكم لغير المقيَّد.
 وعليه، فتَتُِمّ مُقَدَِّمَات الْحِكْمَةِ وينعقد الإِطْلاَق فِي المطلق الَّذي جيء معه ببيان دالّ عَلَىٰ عدم ثبوت الحكم لغير المقيَّد ضمن مطلق آخر (كقوله: «أَكْرِمِ الْعَالِمَ ولا تكرم الفاسق») أو ضمن عامّ (كقوله: «أَكْرِمِ الْعَالِمَ ولا تكرم كل فاسق»)، غاية الأمر يقع التعارض بين الظهورين الإطلاقيين فِي المثال الأوّل، كما أَنَّهُ يقع التعارض بين الظُّهُور الإطلاقي والظهور الوضعيّ فِي المثال الثَّانِي كما هو واضح.
 الاحتمال أو التَّفْسِير الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ المقصود بـ«القرينة المتَّصلة» الَّتي يكون عدمها من مقدّمات الحِكْمَة وَشَرْطاً لانعقاد الإِطْلاَق ما يشمل البيان الدَّالّ فعلاً عَلَىٰ نفي الحكم عن غير المقيَّد ضمن عامّ وَضْعِيّ نسبته إلى هذا المطلق نسبةُ العموم من وجهٍ، كما فِي قوله: «أَكْرِمِ الْعَالِمَ ولا تكرم كل فاسق»، فليس المراد من عدم نصب قرينة متصلة فِي هذا الاحتمال خصوص عدم نصب ما يصلح لِلْقَرِينِيَّةِ عَلَىٰ القيد كما كان (بناءًا عَلَىٰ الاحتمال الأوّل)، بل يشمل أيضاً عدم الإتيان بكلام دالّ بالفعل عَلَىٰ عدم ثبوت الحكم لغير المقيَّد، ولو لم يكن هذا الكلام صالحاً لِلْقَرِينِيَّةِ، كالعام الوضعيّ فِي المثال المتقدّم آنِفاً؛ فإِنَّهُ بِالرَّغْمِ من عدم صلاحيته لِلْقَرِينِيَّةِ (حيث لا قرينيّةَ للعامّ عَلَىٰ الإِطْلاَق) بيان دالّ فعلاً عَلَىٰ عدم ثبوت الحكم لغير العادل، فلا ينعقد الإِطْلاَق فِي «أَكْرِمِ الْعَالِمَ» حينئذٍ؛ لانهدام المقدّمة الثَّانية من مقدّمات الحِكْمَة وهي أن لا يَأْتِي الْمُتِكَلِّم ببيان يكون دالاًّ بالفعل عَلَىٰ عدم وجوب إكرام الفاسق من العلماء، والمفروض أن العامّ الوضعيّ هنا (أي: قوله «لا تكرم كل فاسق») دالّ بالفعل عَلَىٰ عدم وجوب إكرام الفاسق من العلماء؛ لأَنَّ دلالته وضعيَّة تنجيزيّة (وليست مُعَلّقَة عَلَىٰ عدم القرينة)، فَيَكُونُ العامّ الوضعيّ رَافِعاً لمقدمات الحِكْمَة فِي المطلق، فلا ينعقد الإِطْلاَق من أساسه. وهذا هو معنى ما يقولونه من «حكومة العامّ عَلَىٰ المطلق»؛ لأَنَّ ظهور العامّ تنجيزيّ، وظهور المطلق تعليقي، فبينما لم يكن مثل هذا العالم الوضعيّ منافياً للإطلاق بناءًا عَلَىٰ الاحتمال الأوّل (كما رأينا) نجده منافياً للإطلاق بناءًا عَلَىٰ هذا الاحتمال الثَّانِي، فما ينافي الإِطْلاَق بناءًا عَلَىٰ هذا الاحتمال لا يختصّ بما كان ينافيه بناءًا عَلَىٰ الاحتمال الأوّل، بل يشمل البيان الدَّالّ فعلاً عَلَىٰ عدم ثبوت الحكم لغير المقيَّد ولو لم يكن صالحاً لِلْقَرِينِيَّةِ، كالعام الوضعيّ فِي المثال المتقدّم.
 وعليه، فإذا لم يأت عقيب المطلق بكلام دالّ بالفعل عَلَىٰ عدم ثبوت الحكم لغير المقيَّد، وإنَّما أتى بكلام لا يَدُلّ فعلاً عَلَىٰ عدم ثبوت الحكم لغير المقيَّد (كما إذا قال: «أَكْرِمِ الْعَالِمَ ولا تكرم الفاسق») فَسَوْفَ تكون المقدّمة الثَّانية من مُقَدَِّمَات الْحِكْمَةِ محفوظة ويتم الإِطْلاَق بناءًا عَلَىٰ هذا الاحتمال؛ لأَنَّ كلا من المطلقين (أي: قوله «أَكْرِمِ الْعَالِمَ» وقوله «لا تكرم الفاسق») لا يَدُلّ بالفعل عَلَىٰ نفي الحكم المذكور فِي الآخر عن غير المقيَّد؛ إذ لا الأوّل دالّ فعلاً عَلَىٰ نفي الْحُرْمَة عن إكرام الفاسق العالم، ولا الثَّانِي دالّ فعلاً عَلَىٰ نفي الوجوب عن إكرام العالم الفاسق.
 وعليه، ما يقتضي الإِطْلاَق فِي كُلّ منهما (أعني مُقَدَِّمَات الْحِكْمَةِ) موجود وتام بناءًا عَلَىٰ هذا الاحتمال، وحينئِذٍ يكون التعارض بين الإطلاقين من باب تزاحم المقتضيين، ومصيرهما مصير ظهورين عموميّين وضعيين إذا تعارضا، كما إذا قال: «أَكْرِمْ كُلَّ عَالِمٍ ولا تكرم كل فاسق». إعداد وتقرير: الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه.


[1] - يرجى الالتفات إلى الأمثلة الخمسة أدناه، لكي يَتَّضِح البحث أكثر فأكثر من خلالها، وهي كالتالي:المثال الأوّل: أن يقول: «أَكْرِمِ الْعَالِمَ العادل».المثال الثَّانِي: أن يقول: «أَكْرِمِ الْعَالِمَ ولا تكرم العالم الفاسق».المثال الثَّالث: أن يقول: «أَكْرِمِ الْعَالِمَ وليكن العالمُ عادلاً».المثال الرَّابع: أن يقول: «أَكْرِمِ الْعَالِمَ ولا تكرم الفاسق».المثال الخامس: أن يقول: «أَكْرِمِ الْعَالِمَ ولا تكرم كل فاسق».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo