< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/05/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: القسم3: السِّيرَة المشرِّعة/السِّيرَة/دلالة التقرير/الدَّلِيل الشَّرْعِيّ غير اللفظي/الدليل الشرعي/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 كان الكلام قبل العطلة فِي السِّيرَة، حيث انتهينا إلى الجهة الثَّالثة من الجهات الَّتِي قلنا إِنَّهُ لاَ بُدَّ من البحث عنها فِي باب السِّيرَة.
 الجهة الثَّالثة: هي عبارة عن البحث عَنِ حدود الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ المستفاد من السِّيرَة الْمُتَشَرِّعَة، فلا شغل لنا فِي هذه الجهة بسيرة الْعُقَلاَء، فنقول:
 تارةً نفترض أن سيرة الْمُتَشَرِّعَة قائمة عَلَىٰ عدم الالتزام بشيء مُعَيَّن كما إذا قامت سيرتهم عَلَىٰ المسح بِتَمَامِ الْكَفِّ فِي الوضوء، أو إذا قامت سيرتهم عَلَىٰ عدم الالتزام بترك فعل مُعَيَّن كعدم الالتزام بترك المضمضة فِي الصوم، فتثبت هذه السِّيرَة أن ذاك الْفِعْل الَّذِي قامت السِّيرَةُ عَلَىٰ عدم الالتزام به لم يكن وَاجِباً فِي الشَّرِيعَة، وَإلاَّ فلو كان المسح بتمام الْكَفّ وَاجِباً فِي الوضوء فكيف التزم كُلّ الْمُتَشَرِّعَة بعدمه؛ إذ معنى ذلك أن كلهم أَخْطَئُوا وكلهم غفلوا وهذا منفي بحساب الاحتمالات. ومثاله الآخر أَنْ يَكُونَ كلهم لم يلتزموا بترك المضمضة فِي الصوم، فلو كانت المضمضة فِي الصوم محرمة أو مبطلة للصيام فكيف كلهم لم يلتزموا بترك ذلك، فهذا معناه أن عدم التَّرْك كان جائزاً ولذلك لم يلتزموا بترك المضمضة وَإلاَّ لاَ بُدَّ أن نلتزم بأن كلهم أَخْطَئُوا وكلهم غفلوا وهذا منفي بحسب حساب الاحتمالات.
 هذا هو الفرض الأَوَّل، أن السِّيرَة قائمة عَلَىٰ عدم الالتزام بشيء مُعَيَّن، فَحِينَئِذٍ يثبت بهذه السِّيرَة عدم وجوب ذاك الْفِعْل أو عدم وجوب ذاك التَّرْك.
 وأخرى يُفترض قيام السِّيرَة الْمُتَشَرِّعَة عَلَىٰ الالتزام بشيء مُعَيَّن سَوَاء كان ذاك الشيء عبارة عن فعل مُعَيَّن كما إذا فرضنا أن السِّيرَة الْمُتَشَرِّعَة فِي عصر الأئمة ^ كانت منعقدة عَلَىٰ الالتزام بالجهر فِي صلاة الظهر من يوم الجمعة. أو كان ذاك الشيء الَّذِي قامت السِّيرَة عَلَىٰ الالتزام به عبارة عن ترك فعلٍ مُعَيَّن، كما إذا فرضنا أن السِّيرَة الْمُتَشَرِّعَة فِي عصر الأئمة ^ كانت قائمة ومنعقدة عَلَىٰ الالتزام بترك التكتف فِي الصَّلاَة مثلاً. وما يهمنا الآن أننا نفترض أن السِّيرَة الْمُتَشَرِّعَة قائمة عَلَىٰ الالتزام بفعل أو بتركٍ فِي زمان الأئمة ^. فهنا لا شك فِي أَنَّهُ يثبت بهذه السِّيرَة جواز ذاك الْفِعْل (جواز الجهر) أو التَّرْك (ترك التكتف فِي الصَّلاَة) الَّذِي التزموا به. وثبوته بنفس الملاك الَّذِي تَحَدَّثْنَا عنه قبل العطلة حيث قلنا: إن ملاك ثبوت الحكم الشَّرْعِيّ من خلال السِّيرَة الْمُتَشَرِّعَة عبارة عن حساب الاحتمال الرياضي، حيث قلنا: إِنَّهُ لو قامت السِّيرَة الْمُتَشَرِّعَة عَلَىٰ شيء مُعَيَّن فِي زمان الأئمة ^ فبحساب الاحتمالات لا يوجد لدينا احتمالٌ غير احتمال أنهم تلقّوا ذلك من الشَّارِع ×، وَإلاَّ فلو لم يكونوا قد تلقوا ذلك من الشَّارِع فكيف التزم كُلّ الْمُتَشَرِّعَة التزم بالجهر فِي صلاة الظهر من يوم الجمعة؛ إذ لا يصح أن كلهم أخطئوا أو كلهم غفلوا أو كلهم ما فهموا جواب الإمام ×، فهذا معناه تطابق الأخطاء والغفلات صدفة عَلَىٰ شيء واحد، فهذا ما ينفيه حساب الاحتمالات. فيحصل اليقين لنا (أو عَلَىٰ الأقل الإطمئنان الَّذِي هو أخو اليقين) بأن ما التزموا به متلقى من الشَّارِع بما هم مُتَشَرِّعَة. هذا هو ملاك إِثْبَات الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ من خلال السِّيرَة الْمُتَشَرِّعَة بحسب حساب الاحتمالات وليس بحسب الإمضاء كما هو الشأن فِي سيرة الْعُقَلاَء؛ فإننا أثبتنا أن الحكم الشَّرْعِيّ إِنَّمَا يثبت بسيرة الْعُقَلاَء بشرط إمضاء الشَّارِع، والإمضاء بحاجة إلى الإثبات ولذا بحثنا مفصلاً عن كَيْفِيَّة إثبات الإمضاء.
 سيرة الْمُتَشَرِّعَة بما هم مُتَشَرِّعَة إذا أحرزنا أَنَّهَا قامت عَلَىٰ شيء فقيامها عَلَىٰ شيء دليل عَلَىٰ أن ذاك الشيء متلقى من الشَّارِع. أي: تكشف السِّيرَة عَنِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ كما يكشف المعلول عن علته كشفا إنّيّاً، هذا فرض وهو واضح.
 إذن، بحساب الاحتمال يثبت لنا أصل جواز ذاك الْفِعْل أو أصل جواز هذا التَّرْك الَّذِي التزموا به (وهو ترك التكتف فِي الصَّلاَة)، يبقى أن نرى أَنَّهُ هل يثبت الوجوب أو الاستحباب أو الرجحان (الجامع بين الوجوب والاستحباب) مُضَافاً على الجواز؟
 الجواب عن هذا السؤال بحاجة إلى شيء من التفصيل وذلك لأنه:
 تَارَةً يُفرض أننا نُحرز أصل التزامهم بهذا الشيء وأيضاً نحرز نكتةَ التزامهم به. مثلاً فِي نفس مثال الجهر نحرز أصل التزامهم بالجهر وكذلك نحرز أنهم إِنَّمَا التزموا بالجهر لأنهم كانوا يروون الجهر وَاجِباً، أو لأنهم كانوا يروون أن الجهر مستحب، وكذلك مثال التكتف.
 أَمَّا أصل الالتزام فقد أثبتناه بحساب الاحتمال وَأَمَّا نكتة الالتزام فنثبته بحساب الاحتمال أَيْضاً، فَمَثَلاً فِي مثال الجهر يثبت أن أصل الجهر لَيْسَ محرماً ويثبت بالإضافة إلى ذلك أن ما كان فِي ذهنهم وهو أن الجهر فِي صلاة الظهر من يوم الجمعة واجب أَيْضاً صحيح، أو ما كان فِي ذهنهم من أن الجهر مستحب صحيح. أي: تثبت صِحَّة نكتة السِّيرَة أَيْضاً. أي: يثبت جواز أصل الْعَمَل من خلال السِّيرَة ويثبت وجه الْعَمَل الَّذِي كان مَوْجُوداً فِي أذهان الْمُتَشَرِّعَة بنفس الملاك الَّذِي يثبت أصل جواز الْعَمَل كذلك، أي: بنفس حساب الاحتمال.
 فكما كنّا نقول لإثبات جواز الجهر بأن الجهر لو كان حَرَاماً شَرْعاً ومع ذلك انعقدت سيرة الْمُتَشَرِّعَة عَلَىٰ الالتزام به فمعناه غفلة وخطأ جمع غفير من النَّاس، وتطابق هذه الأخطاء الكثيرة والغفلات الكثيرة عَلَىٰ شيء واحد منفي بحساب الاحتمال، كذلك نثبت صِحَّة تلك النكتة المرتكزة فِي أذهانهم (الَّتِي افترضناها وجوب الجهر مثلاً) شَرْعاً، ونقول: يثبت وجوب الجهر بحسب حساب الاحتمالات، أي: يثبت ذاك العنوان المرتكز فِي أذهان الْمُتَشَرِّعَة.
 وأخرى أن نفترض أننا لا نحرز وجه الالتزام ونكتته بعد أن أحرزنا أصل الْعَمَل وأن سيرتهم قائمة بالالتزام عَلَىٰ هذا الْفِعْل أو هذا التَّرْك. هنا أَيْضاً يوجد فرضان:
 الفرض الأَوَّل: أن نفترض وجود دوافع ودواعي طبيعية كانت موجودة آنذاك بإمكانها أن تُفَسِّر لنا هذا الْعَمَل الَّذِي قامت سيرتهم عليه، كما إذا أحرزنا أن السِّيرَة الْمُتَشَرِّعَة كانت قائمة عَلَىٰ إبقاء اللحية وترك حلقها، لكن ما هو وجه هذه السِّيرَة؟ هل كانوا ملتزمون بإبقاء اللحية من باب وجوب إبقائها وهذا ما لا نعرفه. فإن ثبت ذلك إِنَّمَا يثبت جواز إبقاء اللحية، لا أكثر (أي: لا يثبت الوجوب أو الاستحباب أو الرحجان)؛ ذَلِكَ لأَنَّهُ قد يكون التزامهم بسبب ذاك الدافع الطبيعي ولا ينحصر بالتلقي من الشَّارِع.
 الفرض الثَّانِي: أن لا يكون وجه السِّيرَة واضحاً عندنا ولا يمكن أن نفسر عمل الْمُتَشَرِّعَة بدوافع ودواعي طبيعية، كما إذا فرضنا قيام سيرة الْمُتَشَرِّعَة عَلَىٰ الأكل باليد اليمنى، فأصل هذه السِّيرَة محرز لدينا بأنهم كانوا يأكلون باليد اليمنى، ولكن وجهها غير محرز لدينا بأنهم كانوا يأكلون باليمنى لأجل وجوبه أو استحبابه، وهذا الْعَمَل لَيْسَ مِمَّا قامت عليه دواعي ودوافع طبيعية (كالفرض السابق)، فلا يمكن تفسير عَمَلِهم بهذا التفسير الطبيعي.
 هنا بالإضافة إلى جواز الْعَمَل وعدم حرمته يثبت رحجانه شَرْعاً بنفس حساب الاحتمالات؛ إذ كيف التزم الْمُتَشَرِّعَةُ كلهم بالأكل باليد اليمنى والحال أَنَّهُ لا يوجد أي دافع طبيعي وأي داع خارجي طبيعي عَلَىٰ الأكل باليد اليمنى، واجتماع الصدف عَلَىٰ شيء واحد منفي بحساب الاحتمالات. وكذلك إذا قامت سيرتهم عَلَىٰ ترك عمل مُعَيَّن كترك الْمُتَشَرِّعَة كلهم العبثَ باللحية أثناء الصَّلاَة، بأن لا نعلم وجه الالتزام بهذا التَّرْك، فيأتي فيه هذا الكلام أَيْضاً.
 وللبحث صلة تأتي إن شاء الله غداً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo