< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/06/14

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: أقسام التَّوَاتُر/الخبر المتواتر/ وسائل اليقين الْمَوْضُوعِيّ الاستقرائي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 وَأَمَّا وجه كون احتمال خطأ الجميع هنا أضعف، فهو أن الجميع إذا كانوا ينقلون واقعةً وقضية واحدة جُزْئِيَّة، فاحتمال الخطأ فيهم جَمِيعاً أبعد مِمَّا إذا كانوا ينقلون وقائع وقضايا عديدة تشترك فِي جانب من الجوانب؛ ففي الحالة السابقة لو فرضنا خطأ الناقلين واشتباههم جَمِيعاً، فَسَوْفَ لا يكون مركز الأخطاء العديدة المحتملة واحداً؛ لأَنَّ المفروض هناك تَعَدّد القصص والقضايا المنقولة، بينما فِي هذه الحالة لو فرضنا خطئهم واشتباههم جَمِيعاً فَسَوْفَ يكون مركز الأخطاء العديدة المحتملة واحداً؛ لأنهم جَمِيعاً نقلوا قَضِيَّة واحدة.
 وَبِهَذَا اتَّضَحَ السِّرُّ فِي أَقْوَائِيَّة التَّوَاتُر المعنوي من التَّوَاتُر الإجمالي؛ لأَنَّ الْمُضَعِّف الْكَيْفِيّ فِي التَّوَاتُر المعنوي أشدّ قوة منه فِي التَّوَاتُر الإِجْمَالِيّ.
 وينبغي أن نشير فِي هذه الحالة إلى مطلب آخر وَهُوَ أَنَّ الْمَصَبَّ والمدلول الواحد الْمُشْتَرَك بين الإخبارات هنا وهو الْمَدْلُول الْمُطَابَقِيُّ كلما كان توحّده أوضح وكلما اشتمل عَلَىٰ تفاصيل أكثر وكان تطابق إخبارات الْمُخْبِرِينَ فِي هذه التفاصيل والخصوصيات أكمل كان احتمال الصِّدْق أكبر وكان الْمُضَعِّف الْكَيْفِيّ أقوى أثراً.
 ومن هنا كان اشتمال كُلّ خبر عَلَىٰ نفس التفاصيل الَّتِي يشتمل عليها الخبر الآخر مؤدّياً إلى تزايد اِحْتِمَال الصِّدْق بصورة كبيرة.
 ومن أهم أمثلة ذلك ومصاديق ما يُسَمَّىٰ فِي كلماتهم بـ>التَّوَاتُر اللَّفْظِيّ< وهو التطابق بين النُّقُول فِي صيغة الْكَلاَم المنقول؛ فَإِنَّ هذا من مصاديق التَّطَابُق وَالاِتِّحَاد بين النُّقُول فِي تَفَاصِيل الْقَضِيَّة المنقولة، كما إذا نقل الجميع كَلاَماً لشخصٍ بلفظ واحد (كما إذا نقلوا بأجمعهم لفظاً واحداً عن النَّبِيّ يوم الغدير بشأن علي عليه السلام وهو >مَن كنتُ مولاه فهذا علي مولاه<؛ فَإِنَّ هذا من مصاديق اتحاد نقول الناقلين وتطابقها فِي تفاصيل الْقَضِيَّة المنقولة، فتقوى شِدَّة ضيق الْمَصَبّ الواحد الْمُشْتَرَك؛ لأَنَّنَا نتساءل حِينَئِذٍ: إذا لم تكن الْقَضِيَّةُ المنقولة واقعية فكيف نقل الجميع نفس الألفاظ؟ هل اتفق صدفة أن كانت للجميع مصلحة فِي إبراز نفس الألفاظ بعينها بالرغم من إمكان أداء المعنى نفسه ونقله بألفاظ أخرى؟
 إذن، فقد اقترنت مصالحهم فِي أصل الكذب صدفةً، واقترنت مصالحهم صدفةً فِي أَنْ يَكُونَ الكذب عبارة عن نقل خصوص هذا المطلب والمعنى دون سائر المعاني والمطالب، واقترنت مصالحهم صدفةً فِي أَنْ يَكُونَ نقل هذا المطلب والمعنى بهذه الألفاظ بالخصوص دون سائر الألفاظ، أم كان هذا التطابق فِي الألفاظ عفوياً وصدفة؟
 إذن، لم تكن لهذا المخبِر مصلحة معينة فِي نقل خصوص هذه الألفاظ، وَإِنَّمَا جاءت هذه الألفاظ عَلَىٰ لسانه صدفةً وبصورة عفوية من باب سبق اللسان ومن دون قصد، واقترن ذلك صدفةً بسبق لسان المخِبر الثَّانِي أَيْضاً كذلك، واقترنا صدفةً بسبق لسان المخبِر الثَّالِث أيضاً، وهكذا...
 من الواضح أن كُلّ ذلك بعيد بِحِسَابِ الاِحْتِمَالاَتِ، ومن هنا نستكشف أن هذا التطابق ناتج عن واقعية الْقَضِيَّة المنقولة وتقيد الجميع بنقل ما وقع بالضبط.
 وعلى ضوء ما ذكرناه يتضح الوجه فِي أَقْوَائِيَّة >التَّوَاتُر اللَّفْظِيّ< من >التَّوَاتُر المعنوي<؛ لأَنَّ الْمُضَعِّف الْكَيْفِيّ فِي >التَّوَاتُر اللَّفْظِيّ< أقوى أثره منه فِي >التَّوَاتُر المعنوي< كما أَنَّهُ فِي >التَّوَاتُر المعنوي< أشدّ قُوَّة منه فِي >التَّوَاتُر الإِجْمَالِيّ< كما مَرَّ.
 هذا تمام الْكَلاَم فِي الجهة الرَّابِعَة، وبذلك تَمَّ الْكَلاَم فِي >الخبر المتواتر<.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo