< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/06/17

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الإجماع/ وسائل اليقين الْمَوْضُوعِيّ الاستقرائي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 أقول: أَمَّا ما ذكر من تطوير الفكرة وتطبيقها عَلَىٰ إمام العصر # فالواقع أَنَّهُ لا دليل عَلَىٰ وُجُوبِ مثل هذا الإيصال عَلَىٰ الإمام ×؛ فَإِنَّ الأَدِلَّة الخاصة الواردة بشكل فردي فِي وجوب مثل هذا الإيصال بِالنِّسْبَةِ إلى الأئمة السابقين ^ لا تشمل صاحب العصر #؛ فإن كُلّ واحد من الأئمة السابقين ^ كان يتكلم عن نفسه.
 وَأَمَّا الأَدِلَّة الْعَامَّة فهي إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَىٰ وُجُوبِ بيان الحكم عَلَىٰ الإمام بعنوان كونه إماماً لا بعنوان كونه شخصاً مجهولاً مثلاً، بِمَعْنَى أَنَّهُ يجب عَلَىٰ الإمام × إبلاغ الحكم بعنوان كونه إماماً عَلَىٰ النَّاس ويؤخذ منه الحلال والحرام ويُستدل عَلَىٰ إمامته بالمُعجِز ويَبثّ الأحكام بين النَّاس عن هذا الطريق، والمفروض عدم وجوب ذلك عَلَىٰ الإمام صاحب العصر #، لمنافاته للتستّر والغيبة، كما لا يجب عليه الانكشافُ أمام شخصٍ خاصّ بعنوان الإمام وبيانُ الحكم له؛ لأَنَّهُ ينافي التستر المطلق.
 والقائل بِحُجِّيَّة الإجماع معترف بعدم وجوب الإيصال عليه بالشكل المنافي للتّستّر، وَإِنَّمَا يقول بوجوب الإيصال عليه بمثل إيقاع الخلاف؛ وذلك بالبروز كإنسان مجهول مثلاً، أو بإيقاع ورق مكتوب فِي الطريق كي يأخذه البعض مثلاً، وينتهي ذلك إلى الخلاف، بينما لا دليل عَلَىٰ وُجُوبِ مثل ذلك.
 إذن، فما هو واجب بالأدلة الْعَامَّة ساقط عن إمام العصر # فِي زمان الغيبة؛ وذلك لمنافاته للتستّر، وما ينافي التستّر لم يَدُلّ دليل عَلَىٰ وجوبه عليه.
 وَأَمَّا إثبات حُجِّيَّة الإجماع بـ>قاعدة وجوب اللُّطْفِ عَلَىٰ الله تعالى< فالبحث حول أصل >قاعدة اللُّطْفِ< وأنه هل يحكم العقل حَقّاً بثبوت حقٍ للعبد عَلَىٰ المولى؟ فَسَوْفَ لا نتعرض له هنا، ونحيله إلى مَحَلّه فِي علم الْكَلاَم. ولكننا نناقش بعد فرض تسليم صِحَّة القاعدة فِي تطبيقها عَلَىٰ ما نحن فيه بدعوى أَنَّهُ يجب عَلَىٰ الله تعالى من باب اللُّطْف إيصال المصالح الحقيقية الكامنة فِي الأحكام الواقعيّة إلى النَّاس لكي لا يُحرموا جميعاً عنها بسبب الإجماع الخاطئ عَلَىٰ خلاف الحق. والمناقشة هي:
 أَوَّلاً: أن هذه المصالح الحقيقية الَّتِي يُدَّعَىٰ فِي المقام أن من اللُّطْف الواجب عَلَىٰ الله تعالى تفويتها عَلَىٰ العباد وأنه لاَ بُدَّ من أن يوصلها إليهم لكي لا يُحرموا جَمِيعاً منها بسبب الإجماع الخاطئ ماذا يُقصد بها؟ هل المقصود بها المصالح الأوّلية القبلية أم المقصود بها المصالح الثَّانَوِيَّة البَعدية؟
 ونقصد بالأولى الملاكاتِ التكوينيةَ الَّتِي هي ثابتة وكامنة فِي ذوات الأفعال ومتعلقات الأحكام بعناوينها الأولية وبقطع النَّظَر عن أحكام الشَّارِع وتشريعاته، وَالَّتِي هي الدّاعية إلى أن يحكم الشَّارِع عَلَىٰ طبقها؛ فالمضمضة مثلاً بعنوانها الأَوَّلِيّ فيها مصلحة وملاك تكويني ثابت قبل حكم الشَّارِع وطلبه وأمره بها بحيث لو التزم بها كافر مثلاً لحصَّل أَيْضاً عَلَىٰ نفس تلك المصلحة والفائدة الموجودة فيها. وهذه المصلحة هي الَّتِي دعت الشَّارِع إلى الحكم وطلب المضمضة والأمر بها.
 ونقصد بالثانية الملاكاتِ الَّتِي هي ثابتة فِي الأفعال والمتعلقات بعناوينها الثَّانَوِيَّة وبعد حكم الشَّارِع وفي طوله، أي: المصالح الكامنة فِي الأفعال بما هي متعنونة بعنوان الطاعة والعبودية لله تعالى والتديّن بدينه والتقرّب إليه كالمصلحة المترتبة عَلَىٰ التدين بالمضمضة والإتيان بها تقرّباً إلى الله تعالى، وَالَّتِي لا يحصل عليها الكافر ولا تَتَحَقَّقُ قبل حكم الشَّارِع وأمره بالمضمضة.
 فإن كان المقصود المصالح الأولية القَبليّة فلا جزم لنا بلزوم اللُّطْف عَلَىٰ الله تعالى بإيصال جميع المصالح التشريعية إلى العباد بأكثر مِمَّا تقتضيه العوامل الطبيعية وجهود الإنسان نفسه، فلعل هناك مصلحة فِي عدم إيصال بعضها بالشكل المطلوب هنا، وإيكال الأمر إلى مَا تَقْتَضِيهِ العوامل الطبيعي وسعي النَّاس أنفسهم وما إلى ذلك مِمَّا يوجب وصول الحكم إليهم ولو بعد مئات السنين.
 وقد رأينا نظيره فِي المصالح الطبيعية، فكم مضى من آلاف السنين عَلَىٰ عمر الإنسان وهو لا يعرف دواء السّلّ، كما أَنَّهُ لم يتوصّل حتَّى الآن إلى معرفة دواء السرطان، وقد اقتضت المصلحة الإلهية إيكال انكشاف أسرار الطَّبِيعَة ومصالحها ودفع مفاسدها إلى العوامل الطبيعية وسعي الإنسان، فَلِمَ لا تكون المصالح التشريعية أَيْضاً من هذا القبيل؟
 ولا يقاس المقام بمسألة إرسال الرسل وإنزال الكتب؛ فَإِنَّ ذلك مشتمل عَلَىٰ القسم الثَّانِي من المصالح؛ أي: المصالح الثَّانَوِيَّة البَعدية الَّتِي فِي طول الحكم الشَّرْعِيّ وَالَّتِي كانت تفوت لولا إرسال الرسل وإنزال الكتب.
 أَمَّا القسم الأَوَّل الَّذِي نحن بصدده فليس كذلك؛ فَإِنَّ مثل هذه الملاكات والمصالح يكاد يكون من الواضح عدم لزوم حفظها مِنْ قِبَلِ الله تعالى للبشرية، كما لا ينبغي الإشكال فِي أَنَّهُ لم تجر عَادَةً الله تعالى أَيْضاً عَلَىٰ ضمانها للبشرية وحفظها بتدخل مباشر منه تعالى، ولذا نرى فِي تأريخ البشرية أن كثيراً من مصالح الإنسان الَّتِي يتوقف عليها دفع الأخطار المُهلكة عنه لم يشكفها الله تعالى للإنسان بطريق الوحي والدين، وَإِنَّمَا أوكِل ذلك إلى خبرة البشرية وجهدها وبصيرتها المتنامية المتطورة من خلال التجارب والممارسات لكي يتوصّل عبر آلاف السنين إلى اكتشافها وحتى الآن لا تزال جملة منها غير مكشوفة، والإنسان سائر فِي طريق اكتشافها.
 ولعلّ الحكمة فِي ذلك هي أن نفس ترك الإنسان وخبرته وإيكال اكتشافها إلى جهده وسعيه مشتمل عَلَىٰ مصلحة تربوية للنوع البشري تكون أهم من تلك المصالح، حيث يتكامل الإنسان ويكدّ ويُجدّ وتتفتّح قدراتُه وإمكاناتُه تدريجيا.
 إذن، فـ>قاعدة اللُّطْفِ< لا يصح تطبيقها عَلَىٰ مثل هذه المصالح والملاكات التشريعية الأولية التكوينية إما لعدم الْمُقْتَضِي لمثل هذا التطبيق، باعتبار عدم إدراكنا بعقولنا لزومَ اللُّطْف عَلَىٰ الله تعالى بإيصال جميعها إلى العباد بأكثر مِمَّا تقتضيه العوامل الطبيعية وجهود البشرية نفسها، أو لوجود المانع وهو الملاك التربوي الَّذِي ذكرناه والَّذِي يزاحم ذاك الْمُقْتَضِي ويمنعه، ولذا لم يلزم عَلَىٰ الله تعالى أن يَبعث أطبّاء ومهندسين كما بعث أنبياء ورسلاً، ولا جرت عادته عَلَىٰ ذلك كما جرت عادته عَلَىٰ بعث الأنبياء والرسل.
 نعم، أوجد الأطباء وخلقهم كما أوجد الأنبياء وخلقهم، لكن هذا غير البعث والإرسال كما هو واضح.
 وَالْحَاصِلُ أَنَّنَا حتَّى لو آمنّا بوجوب اللُّطْف بالإيصال، فإنما نؤمن بذلك بمعنى فتح الطرق الطبيعية للوصول وإن تأخرت فِعْلِيَّة الوصول مئات السنين؛ إذ من المحتمل وجود مصلحة فِي الاكتفاء بهذا المقدار.
 وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ تحقيق هذا المقدار (أي: فتح الطريق الطبيعي للوصول) بِالنِّسْبَةِ إلى القسم الثَّانِي من المصالح (أي: المصالح الثَّانَوِيَّة البعدية الواقعة فِي طول الأحكام) إِنَّمَا يكون من خلال تشريع الشرائع وإرسال الرسل والأنبياء وإنزال الكتب.
 وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلى المصالح الطبيعية فإنما يكون ذلك من خلال تزويد البشرية بقابلية تحصيل الخبرات والتجارب.
 وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلى الأَوَّل من المصالح وهو الَّذِي نحن بصدده فأيضاً يكون من خلال تبليغ الأحكام عَلَىٰ لسان المبلِّغ الأَعْظَم وإن كان قد يَمنع ظلمُ الظالمين مثلاً عن الوصول فِعْلاً.
 هذا كله فيما إذا كان المقصود عبارة عن المصالح الأولية القَبلية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo