< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/06/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: حُجِّيَّة الإجماع تَعَبُّداً بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيّ/ وسائل اليقين الْمَوْضُوعِيّ الاستقرائي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 الثَّانِي: أن الأخطاء والاشتباهات العديدة إذا فُرض انصبابها عَلَىٰ مصبّ ومحور واحد، فَسَوْفَ يكون احتمال اجتماعها أضعف مِمَّا إذا فُرض انصبابها عَلَىٰ أمور متفرقة ومحاور عديدة، وقد تَقَدَّمَ شرح هذا فِي بحث >التَّوَاتُر< عند الْكَلاَم عن الْمُضَعِّف الْكَيْفِيّ، فلو أخبرَ ثلاثةُ أشخاص عن لون قبّة واحدة معيّنة وقالوا عنها أَنَّهَا حمراء مثلاً، فَسَوْفَ يكون اِحْتِمَال خطئهم جَمِيعاً أضعف وأبعد وجداناً من اِحْتِمَال خطأ ثلاثة أشخاصٍ أخبر كُلّ واحد منهم عن لون قبّةٍ غير القبة الَّتِي أخبر عن لونها الآخران.
 ولو قرأ عشرة أشخاص سورةً مَعَيَّنَةً من القرآن، فاحتمال خطئهم جميعاً فِي آية مَعَيَّنَةٍ من تلك السورة أضعف من اِحْتِمَال خطأ هذا فِي آية، وذاك فِي آية أخرى، والثالث فِي آية ثالثة من تلك السورة، وهكذا.
 ولو أخبر عشرةُ أشخاص عن موت زيد بالخصوص فاحتمال خطئهم واشتباههم جميعاً أبعد وأغرب من احتمال خطأ جميع العشرة إذا أخبر كُلّ واحد منهم عن موت شخص غير الَّذِي أخبر عن موته الآخرون.
 وهذه النكتة تسبّب فَارِقاً بين باب الحدس وباب الْحِسّ، ففي باب التَّوَاتُرِ والإخبار عن الْحِسّ يكون للأخطاء والاشتباهات (عَلَىٰ فرض خطأ جميع الْمُخْبِرِينَ واشتباههم) عادةً محور ومصب واحد؛ لأَنَّ هناك قَضِيَّة حسية واحدة (وهي عبارة عن لون القبة المعينة فِي المثال الأَوَّل، والآية المعينة من السورة فِي المثال الثَّانِي، وموت زيد بالخصوص فِي المثال الثَّالِث، بينما فِي باب الإجماع والإخبار عن الحدس قد لا يكون للأخطاء والاشتباهات عَلَىٰ فرض خطأ جميع الْمُجْمِعِينَ واشتباههم) محور ومصب واحد فلو اتفق جمع كثير من الفقهاء عَلَىٰ وُجُوبِ قراءة السورة فِي الصَّلاَة مثلاً، فعلى فرض خطئهم واشتباههم جَمِيعاً لَيْسَ من الضروري أَنْ تَكُونَ كُلّ الأخطاء منصبة عَلَىٰ مصب واحد، بل قد تكون للأخطاء محاور عديدة، صحيح أنهم جميعاً أفتوا بالوجوب، إِلاَّ أَن هذه الفتاوى إخبارات حدسية بالوجوب وليست هناك قَضِيَّة حسية واحدة، وكل واحد من هذه الإخبارات الحدسية بالوجوب إِنَّمَا جاء نتيجة مقدمات عديدة دخيلة فِي الاجتهاد واستنباط الوجوب، فقد يخطأ هذا الفقيه فِي مُقَدَِّمَة من هذه المقدمات ويخطأ الثَّانِي فِي مُقَدَِّمَة أخرى منها، ويخطأ الثَّالِث فِي مُقَدَِّمَة ثالثة منها، فهذا يتخيل مثلاً حديث ما صحيحاً سَنَداً، بينما الحديث ضعيف السند، وذلك يتخيّل حديثاً آخر تَامّ الدِّلاَلَة عَلَىٰ الوجوب، بينما الحديث ضعيف الدِّلاَلَة عليه، والثالث يتخيل كون المرجع فِي باب الأقل والأكثر الاِرْتِبَاطِيَّيْنِ عند فقدان الدَّلِيل عبارة عن أصالة الاحتياط، بينما المرجع عبارة عن أصالة البراءة وهكذا..
 وعليه، فمن الواضح أن اجتماع أخطاء عديدة عَلَىٰ مصب واحد أبعد من اجتماع أخطاء عديدة فِي محاور عديدة، ولذا يكون اِحْتِمَال خطأ الجميع فِي باب الإِجْمَالِيّ أقوى منه فِي باب التَّوَاتُر، وَبِالتَّالِي يكون أبطأ تضاؤلاً وضعفاً بالتدريج منه فِي باب التَّوَاتُر.
 ولهذا السَّبَب نفسه أَيْضاً كلما تكون مناشئ الفتوى المجمع عليها وجهاتها أقرب إلى الْمَصَبّ والمحور الواحد يكون الإجماع أقوى كشفاً، كما إذا فرضنا أن محل جهات المسألة الاجتماعية واضحة؛ لوجود روايةٍ معتبرة لا إشكال فِي سندها، وَإِنَّمَا الْكَلاَم فِي دلالتها، وأجمعوا عَلَىٰ دلالتها مثلاً عَلَىٰ الحكم المجمع عليه، فمثل هذا الإِجْمَاع أقوى كشفاً من الإجماع فِي مسألةٍ لم تكن مناشئ الفتوى المجمع عليها فيها كذلك كما هو واضح.
 الثَّالِث: أَنَّهُ فِي باب الإخبار وَالتَّوَاتُر لا يُحتمل عادةً كون إخبار البعض دَخِيلاً فِي حس الآخرين، بينما فِي باب الاجتهاد والإجماع كثيراً مّا يؤثّر اجتهاد السابق فِي اجتهاد اللاحق بحسن ظنّه، فيدخل احتمال خطأ الاجتهاد الثَّانِي فِي باب الاِحْتِمَالاَت المشروطة الَّتِي شرحها سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ & فِي كتابه >الأُسَس المنطقية للاستقراء<.
 وإذا اتفق جماعة من المجتهدين فِي عصر عَلَىٰ شيء، فقد يتبعهم المتأخرون باعتقاد أنَّ هذا المطلب أصبح إجماعياً وأن الإجماع حُجِّيَّة، بلا أن يكلّفوا أنفسهم تصحيح دليل هذه الفتوى، وإذا احتُمل بشأن المتأخر كون إفتائه قَائِماً عَلَىٰ أساس إجماع السابقين؛ فَإِنَّ موافقته لهم سوف لا توجب ضعفاً فِي احتمال خطئهم ولا تؤثر شَيْئاً إلا بمقدار قليل لا يذكر، أَمَّا إذا عُلم بكون موافقته لهم عَلَىٰ هذا الأساس (كما لو صرَّح به) لم يبق لموافقته لهم أيّ أثر فِي تضعيف احتمال خطئهم جَمِيعاً أصلاً، فإذا كان كُلّ الموافقين المتأخرين من هذا القبيل لم يؤثّر ذلك فِي تضعيف احتمال خطأ السابقين.
 وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي باب التَّوَاتُر لا يحتمل عادةً أَنْ يَكُونَ بعض الْمُخْبِرِينَ قد وضع تحت تأثير وهم المخبر الآخر، بمعنى أن لم يَرَ الْقَضِيَّة المخبَر بها ولكن سمع من غيره؛ لأَنَّ ذلك خلف المفروض فِي باب التَّوَاتُر؛ إذا المفروض أنهم يخبرون عن الرؤية، وهذا بخلاف باب الإجماع؛ فَإِنَّ تأثر اللاحق بالسابق فِي الفتوى حين إصدارها أمر محتمل، بل هو أمر واقع كثير مِنْ دُونِ التفات تفصيلي لذلك؛ إذ قد يكون التأثر إجمالياً وارتكازياً، وهذه نقطة ضعف وسوف تنقص كثيراً من قيمة اِحْتِمَال مطابقة الفتوى اللاحقة للواقع بصورة مستقلة عن الفتوى السابقة واحتمال ذلك فِي الفتوى اللاحقة يوجب أَنْ يَكُونَ احتمال الخطأ منها أكبر؛ لأَنَّ خطأ الفتوى السابقة يكون من أسباب خطأ الفتوى اللاحقة ولا أقل من كون الفتوى السابقة سبباً محتملاً، وَحِينَئِذٍ كلما ازدادت الأسباب ازداد اِحْتِمَال المسبَّب.
 وَبِالتَّالِي تَتَغَيَّر نتائج حِسَاب الاِحْتِمَالاَتِ، ومن هنا كلما كانت الفتاوى أكثر عَرضيَّةً وأبعد عن الطولية كانت أقوى فِي الْكَاشِفِيَّة عَمَّا إذا كانت طولية ومترتّبة زماناً أو مدرسياً.
 إذن، فالعَرْضية من عوامل القوة، والطولية والترتب الزمني أو المَدرسي من عوامل الضعف فِي الإِجْمَاع.
 الرَّابِع: أَنَّهُ فِي باب الْحِسّ يكون الْمُقْتَضِي للإصابة (وهو عبارة عن الحواس الظَّاهِرِيَّة مع المدرَكات الأولية للعقل كاستحالة اجتماع النقيضين مثلاً مُحرَزاً غالباً، ويبقى فقط اِحْتِمَال وجود المانع من قبيل رمد العين أو وجع الرأس أو اشتغال البال ونحو ذلك، بينما فِي باب الحدس والاجتهاد قد يقع الشَّكّ فِي أصل وجود الْمُقْتَضِي للإصابة، كما إذا احتملنا نشوء الخطأ من عدم خلق قدرة فهم النكتة الدقيقة الدخيلة فِي الاستنباط الصَّحِيح فِي نفس هذا المجتهد المستنبِط، فهذا أَيْضاً مِمَّا يوجب كون تضاؤل اِحْتِمَال الخطأ وعدم إصابة الواقع فِي باب الإجماع أبطأ منه فِي باب التَّوَاتُر، نَظَراً إلى أن وجود الْمُقْتَضِي للإصابة مشكوك وغير محرَز.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo