< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/11/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الشهرة/ وسائل اليقين الْمَوْضُوعِيّ الاستقرائي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 أقول:
 حتّى لو قلنا بكل هذا، لكن مع ذلك لا يتمّ الإِطْلاَق في مثل هذا الحديث الَّذِي يكون الجواب فيه ظاهراً في مطابقته للسؤال وعدم كونه جواباً عمّا هو أعمّ من >المورد<، وحتّى لو أُبدل الموصول في هذا الحديث بغير الموصول، كما لو قال: >خُذ بالمشتهِر بين أصحابك ودع الشَّاذّ<، لم نحسّ فيه بالإِطْلاَق، فلا بدَّ من أن تكون هناك نكتة أخرى لعدم تماميّة الإِطْلاَق غير كون >ما< من الموصولات الَّتِي تتّمتع بالإهمال والمرونة، ولا يبعد القول بأنَّ الإِطْلاَق في >الوارد< ممنوع في المقام حتّى لو لم يكن >الوارد< من الموصولات؛ وذلك لصلاحية >المورد< للقرينة.
 وتوضيح ذلك أنَّ >الوارد<:
 تارة يكون عامّاً، وحينئذٍ فلا إشكال في أنَّ >المورد< لا يخصّصه.
 وأخرى لا يكون فيها ما يدل على الشمول غيرُ >الإِطْلاَق<، وحينئذٍ فإن كانت هناك نكتة عرفية توجب صرف >الوارد< عن اختصاصه بـ >المورد< تمَّ فيه الإِطْلاَق بلا إشكال، وعندئذٍ يصّح القول بأنَّ >المورد< لا يُخصّص >الوارد<.
 ومثاله: ما لو سأَلَ سائل: >هل أُكرِم الشيخ المفيد؟< فقال في الجواب: >أكرم العالم<؛ فإنَّ مقتضى طبيعة الكلام في هذه المحاورة لو لا أنَّ المجيب يريد التعدّي عن >المورد< كان هو الجواب بمثل قوله: >نعم أكرمه<. فالعدول عن ذكر خصوص >المورد< (أي الشيخ المفيد) إلى ذكر عنوان أوسع (وهو العالم) قرينةٌ على عدم الاختصاص بالمورد، فيتم الإِطْلاَق في >الوارد< (أيْ: قوله: >أكرِم العالم<) وتجري مقدمّات الحكمة لإثبات ما قد لا تُثبته تلك القرينة العرفية، من قبيل شموله للعادل والفاسق مثلاً.
 وأمّا إن لم تكن هناك نكتة عرفية من هذا القبيل توجب صرف >الوارد< عن اختصاصه بـ >المورد< ولم يكن في البين شيء غير مقدمات الحكمة، فمن الواضح أنَّ مجرّد وجود ما يصلح للقرينية كافٍ للإجمال وعدم تماميّة الإِطْلاَق. ومن الواضح أيضاً أنَّ >المورد< صالح للقرينية؛ فالمورد إنمّا لا يصلح لتخصيص >الوارد< فيما لو تمَّ عمومٌ أو إِطْلاَقٌ للوارد، بأنَّ لم يخلّ >المورد< بمقتضي الإِطْلاَق، فعندئذٍ نقول: إِنَّ >المورد< لا يصلح مانعاً عن الإِطْلاَق بعد تمامية مقتضى الإطلاق.
 وعليه، ففي المقام نمنع عن تماميّة الإِطْلاَق في قوله: >خُذْ بِمَا اشْتَهَرَ بَيْنَ أَصْحَابِكَ< حتّى لو لم يكن موصولاً؛ وذلك لصلاحية >المورِد< للقرينية لعدم وجود تلك النكتة العرفية الموجبة لصرف >الوارد< عن اختصاصه بـ >المورد< كما هو واضح.
 فالحديث (إذن) لا يصّح القول بشموله لغير الخبرين المتعارضين، وبالتالي فلا يدل على حجيّة الشهرة الفتوائية. وهذا لا ينافي ما يأتي - إن شاء الله تعالى - (في بحث التعارض والترجيح) من استظهار أنَّ المقصود من هذا الحديث هو الشهرة الفتوائية لا الروائية نظراً إلى قرائن عديدة من جملتها: تقدّم الترجيح بالشهرة في هذا الحديث على الترجيح بصفات الراويّ، حيث يفرض السائل بعد هذه الفقرة إنهما معاً مشهوران، وهذا لا يناسب كون المراد بالشهرة عبارة عن الشهرة الروائية؛ لأنَّها توجب الوثوق بالصدور عادةً، ومعه لا مجال للترجيح بالصفات الَّتِي هي مرجحّات سنديّة، فيتعيّن أن يكون المراد هو الشهرة في الفتوى.
 ووجه عدم المنافاة هو أنَّ المقصود بذلك الكلام الَّذِي يأتي - إن شاء الله تعالى - ليس عبارة عن حجيّة كل فتوى مشهورة (وهذا هو الَّذِي نبحث عنه هنا) وإنّما المقصود به كون الشهرة الفتوائية على طبق أحد الخبرين المتعارضين مرّجحة له على الخبر الآخر، فمفاد هذا الحديث هو أنَّه خُذ بالحديث المشتهِر بين أصحابك شهرةً فتوائية، ومن الواضح أنَّ هذا لا يدل على حجيّة الشهرة الفتوائية الَّتِي نبحث عنها هنا.
 هذا تمام الكلام في الوجه الثاني من وجوه الاستدلال على حجيّة الشهرة الفتوائية، وقد تبيّن عدم صحّته أيضاً.
 
 الوجه الثالث:
 التمسّك بدليل حجيّة خبر الواحد، وتقريب الاستدلال به على حجيّة الشهرة هو أنَّ المستظْهَرَ من هذا الدليل هو أنَّ حجيّته ليست لملاك في نفسه، بل للطريقية إلى الواقع والكشف عنه، وبذلك نتعدّى منه إلى الشهرة، لمساواتها (في الكشف والطريقية) له أو أقوائيتها منه؛ فإنَّ الشهرة عند أهل النظر والاجتهاد أيضاً طريقٌ إلى الواقع وتكشف عنه وتفيد ظناً لا يقل عن الظن الَّذِي يُفيده خبر الواحد الثقّة، إن لم يكن أقوى وأكمل خصوصاً إذا كان الخبر مع الواسطة. وحيث أنَّ المستظْهَرَ من دليل حجيّة الخبر أنَّ الحجيّة فيه مجعولة على نحو الطريقية إلى الواقع (إذن)، فتمام الملاك في حجيّته عبارة عن حيثية الكشف والطريقية، فإذا كانت هذه الحيثية محفوظة بعينها في الشهرة، فلا بدَّ من الالتزام بحجيّة الشهرة.
 فهنا ثلاث مقدمات:
 الأولى: أنَّ خبر الواحد حجّة.
 الثانية: أنَّ دليل حجيّته ظاهر في أنَّ ملاك الحجيّة عبارة عن الكشف والطريقية.
 الثالثة: أن هذا الملاك في الشهرة ليس بأقلّ منه في الخبر، وهو فيه ليس بأقوى منه فيها.
 إذن، النتيجة هي حجيّة الشهرة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo