< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/11/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الشهرة/ وسائل اليقين الْمَوْضُوعِيّ الاستقرائي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 وأورد عليه السيد الأستاذ الخوئي & بأنَّ هذا مبنيّ على أن يكون ملاك حجيّة الخبر عبارة عن إفادته الظن، فيُتعدّى منه إلى الشهرة بدعوى إفادتها الظن أيضاً، بل إلى كل ظنٍ مساوٍ للظنِّ الحاصل من الخبر أو أقوى منه وإن لم يحصل من الشهرةِ، كالظنِّ الحاصل من فتوى الفقيه أو من غيرها، إِلاَّ أنَّ هذا المبنى غير تامٍّ؛ إذ يحتمل أن يكون ملاك حجيّة الخبر عبارة عن أغلبيّة مطابقته للواقع، والشهرة في الفتوى لم يحرز كونها كذلك؛ فإنَّ الفتوى إِخْبَار عن الحدس، فلا يقاس بالخبر الَّذِي هو إِخْبَار عن الحسّ.
 هذا مضافاً إلى أنَّنا نحتمل دخل خصوصيةٍ أخرى في ملاك حجيّة الخبر زائدةٍ على أغلبية المطابقة( [1] ).
 وأورد على كلامه & سيّدُنا الأستاذُ الشهيدُ & بأنَّ إفادة الشُّهْرَةِ لِلظَّنِّ الْعُقَلاَئِيِّ المتعارف لا تنفك خارجاً عن غلبة مطابقتها للواقع وهذا أمر، مضافاً إلى كونه وجدانياً مبرهن عليه في بحث حساب الاِحْتِمَالات. فما أفاده السيد الأستاذ الخوئي غير صحيح؛ لأنَّه & اعترف بإفادة الشُّهْرَة لِلظَّنِّ النوعي الْعُقَلاَئِيّ المتعارف، وبأنَّ هذا الظَّنّ يساوي في درجة كشفه المتعارف لدرجة كشف الخبر، فحينئذٍ لا محالة تكون درجة مطابقة الشُّهْرَةِ للواقع بمقدار درجة مطابقةِ الخبر للواقعِ، فالتفكيك بين درجة الكشف النوعي وبين غلبة المطابقة للواقع غير فنّي.
 نعم، يمكن لشخص أن يقول: إِنَّ الملاك في الحجيّة عبارة عن درجة عالية من المطابقة للواقع لا يقتضيها حسابُ الاِحْتِمَالاتِ وإنمّا الله تعالى اطلَّع بعلمه الغيبي على أنَّ ما يتطابق مع الواقع من أخبار الثقات 90%، مع أنَّه بحسب الاِحْتِمَالات يكون المتطابق منها مع الواقع أقل من ذلك، ولذا جعل الحجيّةَ للخبر دون الشُّهْرَة؛ إذ ليست فيها (بحسب علمه الغيبي) تلك الدرجة العالية من غلبة المطابقة للواقع، فإنَّه حينئذٍ يكون هذا الكلام معقولاً.
 وأمّا إذا فرض أنَّ الملاك هو مطلق غلبة المطابقة للواقع ولو بأدنى مراتبها، فحال الشُّهْرَة وأيّ أمارةٍ ظَنِّية أخرى حال الخبر؛ لأنَّ هذه الغلبة محفوظة في كلِ أمارة ظَنِّية. فجواب السيّد الأستاذ الخوئي & على هذا الوجه غير صحيح.
 إذن، فالجواب الصَّحِيح على هذا الوجه (كما أفاده سيّدنا الأستاذ الشهيد &) أحد هذه الأمور:
 الأول: أن يُقال بأَنَّ ملاكَ حجيّة خبر الواحد عبارة عن درجة عالية من غلبة المطابقة للواقع، وهذه الدرجة ليست مستَنبَطة بحساب الاِحْتِمَالاتِ بل من علم الله تعالى؛ فهو الَّذِي أحرَزَ وجودَ هذه الدرجة في الخبر وعدم وجودها في الشُّهْرَة. وهذا هو الَّذِي مَيّزَ خبر الواحد الثقّة عن غيره من الأمارات الظَّنّيّة، فجعله حجَّة دونها.
 وهذا إنمّا يتّجه فيما إذا كانت حجيّة خبر الثقّة تأسيسية شرعية، لا إمضائية عقلائية؛ إذ لا يوجد هناك علم الغيب عند العقلاء كي يتمّ هذا الكلام.
 الثاني: أن ننكر المقدمّة الثالثة القائلة بأنَّ ملاك الكشف والطريقية وإفادة الظَّنّ بالواقع في >الشُّهْرَة< ليس بأقل منه في >الخبر<، ونقول: إِنَّ الشُّهْرَة الحدسية لا توجب ظناً مساوياً لِلظَّنِّ الَّذِي يوجبه الخبرُ الحسّي، وإنّ الكشف الموجودَ في >الخبر< بما هو خبر حسّي للثقّة أقوى من الكشف الموجود في >الشُّهْرَة< بما هي إِخْبَارات حدسيّة للثقات.
 الثالث: أن نقول: إِنَّ ملاك جعل الحكم الظاهري الطريقي (على ما تقدّم منّا مفصّلاً في بحث الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي من أنَّ جعل الحكم الظاهري قائم على أساس التزاحم بين ملاكات الأحكام الواقعية لدى المولى في مقام حفظها تشريعاً) ليس عبارة عن الكشف فقط، بل هو عبارة عن الكشف مع عدم كون الملاك الواقعي الَّذِي يُراد التحفّظ عليه من خلال جعل هذا الحكم الظاهري مزاحَماً بملاك أقوى منه يكسر قيمة الكشف، ونحن نحتمل في الشُّهْرَاتِ (باستثناء الشهرات الَّتِي وردت أخبار الثِّقَات على طبقها) عدم تحقّق ملاكٍ ومقتضٍ للحجيّة غير مزاحَم بملاكٍ أقوى منه لا يُبقي لدى المولى داعيّاً لحفظ ذاك من خلال جعل الحجبّة للشهرة؛ فلعلّ المولى كان يعلم مثلاً أنَّ أكثر الملاكات الإلزامية الواقعية الثابتة في موارد الشهرات هي واصلة إلى المكلفين من خلال أخبار الثقات أيضاً الَّتِي جعلها المولى حجّةً، فلم يرَ مقتضياً وملاكاً لجعل الحجيّة للشهرة. ففي مقالة التزاحم الحفظي الَّذِي هو الملاك الأساسي لجعل الحجيّة والحكم الظاهري كان يكفي في نظر الشرع جعل الحجيّة لخبر الثقّة، أمّا في غيره من الأمارات الظَّنّيّة كالشُّهْرَة وغيرها فقد رأى الشارعُ الرجوعَ إلى القواعد الأخرى؛ لأنَّ الملاكات الواقعية المتزاحمة يُستوفى الأهمُّ منها بمقدار جعل الحجيّة للخبر بلا حاجة إلى جعل الحجيّة للشهرة أيضاً؛ فإنَّ المولى إنمّا يجعل الحجيّة والأمارية والحكم الظاهري من أجل التزاحم الحفظي (فلعلَّ المولى قَدّرَ أنَّ المقدار الَّذِي أصابه وحصّل عليه من الأغراض والملكات الواقعية من خلال جعل الحجيّة لأخبار الثِّقَات يكفي في مقام التزاحم، فَرَفَعَ الْيَدَ في غير موارد الثِّقَاتِ عن سائر الأمارات كالشُّهْرَة ونحوها وأبقى الأصولَ والقواعدَ على حالها.
 وبهذا الكلام يُبْطَلُ حينئذٍ القولُ السيّال في علم الأصول القائل بإثبات الحجيّة لكل أمارة كانت مساوية في الكشف لأمارةٍ أخرى معتبرة أو كانت أقوى في الكشف منها؛ فإنَّ هذا القول مغالطة كليّة يُدَّعى فيها استفادةُ حجيّة شيء من دليل حجيّة مماثله.


[1] - دراسات في علم الأصول: ج3، ص148 و149.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo