< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

33/11/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 العنوان: الشهرة/ وسائل اليقين الْمَوْضُوعِيّ الاستقرائي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 الوجه الرابع:
 التمسّك بعموم التَّعْلِيل الوارد في ذيل آية النبأ وهو قوله تعالى{أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}( [1] )، وذلك بتقريب أنَّ الْعِلَّة تُعمِّم وتُخَصِّص. فإذا قال القائل: >لا تأكل الرّمان؛ لأنَّه حامض< يكون التَّعْلِيل دالاًّ على اختصاص المنع بالرمّان الحامض وعلى عموم المنع للحامض غير الرمّان.
 وعليه، فيقال في المقام: إِنَّ تعليلَ وجوبِ التبيّن بإصابة القوم بجهالة (أيْ: بسفاهة) يَدُلُّ على اختصاص الوجوب بمورد الإصابة بجهالة، وعدم لزوم التبيّن في كل موردٍ لا يكون العمل سفاهةً وإصابةً بجهالةٍ؛ فإنَّ الْعِلَّةَ كما تكون معمِّمةً تكون مُخصِّصةً أيضاً. ومن الواضح أنَّ الأخذَ بالشُّهْرَة والعمل بها ليس سفاهةً، فلا يجب التبيّن عند قيام الشُّهْرَة، وهذا هو معنى الْحُجِّيَّة.
 ويرد عليه: انَّ التَّعْلِيل إنمّا يَدُلّ على ثبوت الحكم بتلك الْعِلَّة، وعلى انتفاء شخص ذاك الحكم عند اِنْتِفَاء الْعِلَّة، ولا يَدُلّ على اِنْتِفَاء طبيعي الحكم عند اِنْتِفَاء تلك الْعِلَّة؛ إذ ليس للعلّة مفهوم، فقد يكون للحكم علّةٍ أخرى أيضاً إذا وُجدت ثَبتَ الحكمُ حتى وإن انتفتْ الْعِلَّةُ الأولى؛ فالْعِلَّة وإن كانتْ مخصّصِة كما هي معمّمِة، إِلاَّ أنَّ كونها مخصّصِة إنمّا يعني كونها دالةً على أخذِ شخص ذاك الحكم مقدماتكه ضثعلة قاعدة احترازية القيود، ولا يعني كونها دالة على اختصاص طبيعي الحكم بتلك العلة.
 فمثلاً تعليل حرمة شرب الخمر بكونه مسكراً إنمّا يَدُلّ على أنَّ علّة الحرمة هي الإسكار، فقد يُستفاد منه حينئذٍ ثبوت الحرمة في كل مسكر وإن لم يكن خمراً، وهذا هو معنى كون التَّعْلِيل مُعمّمِاً، كما يُستفاد منه اختصاص شخص هذه الحرمة بمورد الإسكار، ولكنَّ هذا التَّعْلِيل لا يَدُلّ على الحليّة وعدم طبيعي الحرمة عند اِنْتِفَاء الإسكار، فلا يُستفاد من التَّعْلِيل حليّة كل ما ليس مسكراً؛ فقد يكون للحرمة علّة أخرى غير الإسكار (مثل النجاسة) إذا وُجدت ثَبتَتْ الحرمةُ وإن انتفى الإسكارُ.
 وكذلك في مورد الآية الشريفة؛ فإنَّ تعليلَ وجوب التبيّن بإصابة القوم بجهالة إنمّا يَدُلّ على أنَّ علَّة وجوب التبيّن هي الإصابة بجهالة، فقد يُستفاد منه حينئذٍ ثبوت وجوب التبيّن في كلِّ مورد تثبت فيه الإصابة بجهالة، وإن لم يكن المورد مورد خبر الفاسق، ولكن لا يَدُلّ هذا التَّعْلِيل على اِنْتِفَاء طبيعي الحكم وعدم وجوب التبيّن بنحو السالبة الكليّة عند اِنْتِفَاء الإصابة بجهالة، فلا يُستفاد منه حجيّة كل ما ليس الأخذ به جهالةً وسفاهةً كي يَدُلّ على حجيّة الشُّهْرَةِ؛ باعتبار أنَّ الأخذ والعمل بها ليس من الجهالة والسفاهة، كما هو واضح.
 إذن، فهذا الوجه أيضاً غير صحيح، كالوجوه السابقة.
 وبهذا اتضّح أنَّه لا دليل خاصّ على حجيّةِ الشُّهْرَةِ الفتوائية تعبدّاً، وبذلك تمَّ الكلام في >الشُّهْرَةِ<.
 إلى هنا نكون قد انتهينا من الكلام في النحو الأول من نحوي وسائل إثبات صدور الدليل الشرعي من الشارع، والذي كان عبارة عن وسائل الإثبات الوجداني الَّتِي توجب لنا اليقين بالصدور، وكان أبرزها عبارة عن >السيرة< و>التواتر< و>الإجماع< و>الشُّهْرَة<. وقد تكلّمنا عن >السيرة< في البحث السابق وتكلّمنا في هذا البحث عن >التواتر< و>الإجماع< و>الشُّهْرَةِ<.
 بقي علينا الآن في هذا البحث أن نتكلَّم في النحو الثاني من نحوي وسائل إثبات صدور الدليل الشرعي من الشارع، وهو عبارة عن وسائل الإثبات التعبدّي الَّتِي لا توجب لنا اليقين بالصدور، وإنمّا توجب التعبّد بالصدور.
 
 العنوان: خبر الواحد/ وسائل الإثبات التعبدي/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
 
 النحو الثاني
 وهو عبارة عن وسائل الإثبات التعبّدي لصدور الدليل الشرعي من الشارع.
 وأهمّ ما يُذكر في علم الأصول في هذا المجال عبارةً هو >خبر الواحد<. ويقصد به >كل خبر لا يحصل لنا منه العلم واليقين بثبوت مفاده ومؤدّاه، سواء كان خبرَ واحدٍ حقيقةً أم كان خبرَ أكثرَ من واحدٍ.
 إذن، >خبر الواحد< مصطلح أصولي يراد به كل خبر قطعي، في مقابل >الخبر القطعي<، وهو >الخبر المتواتر< أو >الخبر المحفوف بالقرائن القطعية<.
 ولا شك في أنَّ >خبر الواحد< ليس حُجَّة بنحو الموجبة الكليّة، بحيث يكون حُجَّة على الإِطْلاَق وفي كل الحالات، بنحو يشمل حتّى خبر غير الثِّقَة مثلاً والخبر غير الموثوق به.
 وإنمّا الكلام هنا في حجيّته بنحو الموجبة الجزئيّة، في مقابل السلب الكلّي، فنبحث عن حجيّة بعض أقسامه كخبر الثِّقَة مثلاً، في مقابل من أنكر الْحُجِّيَّة مطلقاً بنحو السالبة الكليّة الشاملة لكل أقسامه حتّى خبر الواحد الثِّقَة.
 وهذا البحث من أهمّ المسائل والبحوث الأصولية؛ لأنَّ الخبر القطعي قليلٌ جدّاً، فغالب الأحكام الشرعيّة إنمّا تثبت من خلال >خبر الواحد<، فالبحث عن حجيّته يكون من أهمّ المسائل الأصولية، ومن خلال إثبات الْحُجِّيَّة لخبر الواحد ينفتح باب العلمي وينسدّ باب الانسداد الكلّي، ومن خلال عدم ثبوت الْحُجِّيَّة له تَتّم أقوى مقدّمات الانسداد، وكيف كان فهذا البحث يقع على مرحلتين:
 المرحلة الأولى: في إثبات أصل الْحُجِّيَّة في الجملة وبنحو القضية المهملة في قبال القول بعدم الْحُجِّيَّة مطلقاً وبنحو السلب الكلّي.
 المرحلة الثانية: في تحديد دائرة الْحُجِّيَّة وتعيين شروطها بعد الفراغ عن إثباتها.
 فلتكلَّم في هاتين المرحلتين تباعاً:
 
 المرحلة الأولى: في إثبات أصل الْحُجِّيَّة
 الْمَشْهُور بين العلماء هو القول بحجيّة خبر الواحد، وخالف في ذلك بعضهم، السيّد المرتضى & (على ما هو ظاهر عبارته) والسيّد ابن زُهرة & والشيخ ابن إدريس الحلّي &.
 إذن، في هذه المرحلة من الكلام في مقامين:
 المقام الأول: في الأدلّة الَّتِي أُستُدِلّ بها على عدم الْحُجِّيَّة.
 المقام الثاني: في الأدلة الَّتِي أُستدِلّ بها على الْحُجِّيَّة.
 وذلك كلّه بعد الفراغ عن أنَّ الأصل الأَوَّلِيّ عند الشَّكّ في الْحُجِّيَّة يقتضي عدم الْحُجِّيَّة، كما تقدَّم الكلام عن ذلك مفصَّلاً في المبادئ العامّة للأدلَّة.
 إذن، فلنتكلَّم في هذين المقامين تباعاً:
 
 المقام الأول:
 فيما أُستُدِلَّ به على عدم الْحُجِّيَّة، وهو عبارة عن الأدلَّة الأربعة الكتاب الكريم، والسنّة الشريفة، والإجماع، والعقل.
 فأمَّا الاستدلال بالعقل على عدم الْحُجِّيَّة فقد مضى بيانه وتقريره في بحث الجمع بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري عند الكلام عن إمكان التعبّد بالظَّنّ وجعل الْحُجِّيَّة له وجعل الحكم الظاهري من قبل الشارع، حيث استعرضنا (بتفصيل) جميع الشبهات الَّتِي تستهدف القول بأنَّ جعل الْحُجِّيَّة للظن وجعل الحكم الظاهري من قبل الشارعي يتنافى مع حكم العقل ويتنافى من جعل الحكم الواقعي.
 وقد أجبنا على كل تلك الشبهات وأثبتنا إمكان ذلك عقلاً دون أيّ منافاةٍ ومحذور. إذن، فلا يوجد ما يمكن الاستدلال به عقلاً على عدم حجيّة خبر الواحد.
  وعليه فيبقى علينا أن ندرس الاستدلال على عدم حجيته بـ >الكتاب< و>السنّة< و>الإجماع<.


[1] - سورة الحجرات (49): الآية 6.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo