< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

34/02/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 {خبر الواحد/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول}
 الشاهد السادس:
 كما يمكن أن يقال أَيْضاً بأن هذه الرواية مشتملة عَلَىٰ شاهد آخر يمكن جعله شاهداً سادساً وهو تفصيل ما ورد في هذه الرواية بين صورتين:
 انظروا أمرنا وما.. فإن وجدتموه لِلْقُرْآنِ موافقاً فخذوه به وإن لم تجدوه مُوَافِقاً فردوه وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده حَتَّىٰ نشرح لكم ما شُرح لنا
 الأولىٰ: صورة العلم بهذا الحديث ليس مُوَافِقاً للكتاب.
 الثَّانِيَة: صورة الشك واشتباه الأمر علينا (وإن اشتبه الأمر عليكم).
 حيث أمر برد الحديث في الصورة الأولىٰ ولكن لم يأمر برد الحديث في الصورة الثَّانِيَة وَإِنَّمَا أمر بالتوقف.
 هذا التفصيل بين هاتين الصورتين شاهد وقرينة عَلَىٰ الاحتمال الَّذِي ذكرناه، وهو أَنَّ المقصود من الموافقة هو الموافقة لمزاج القرآن الكريم؛ ذلك لأَنَّهُ لو كان المقصود بموافقة القرآن الكريم الموافقة المضمونية، أي: أن يكون الحديث مضمونه بعينه مَوْجُوداً في القرآن الكريم فلماذا فصّل الإمام × بين صورتين؟ فحكم كلتا الصورتين واحد ولا نكتة حِينَئِذٍ للتفصيل بينهما؛ لأَنَّنَا حَتَّىٰ لو علمنا في الصورة الأولىٰ بأن الحديث لا يوافق القرآن الكريم موافقة مضمونية فهذا لا يعني أننا نعلم بكذب ذاك الحديث حَتَّىٰ نكون ملزمين بردّه، فقد يكون الحديث صادقا ومضمونه غير موجود في القرآن الكريم.
 فكان المفروض أن يحكم الإمام بالتوقف في كلتا الصورتين.
 أقول: الصورة الأولىٰ لا شغل لنا بها.
 أَمَّا في الصورة الثَّانِيَة والثالثة فصل الإمام ×، في الصورة الثَّانِيَة أمر بالأخذ وفي الثَّالِثَة أخذ بالتوقف.. إذ لو كان المقصود الموافقة المضمونية لماذا أمر.. بينما أمر برد الحديث في الصورة الثَّانِيَة وهذا لا ينسجم مع الموافقة المضمونية.. هذا التفصيل شاهد وقرينة عَلَىٰ أن المقصود من الموافقة هو الموافقة للمزاج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَحِينَئِذٍ يكون حكم الإمام في الصور الثلاث طبيعياً؛ فَإِنَّ الصورة الأولىٰ واضحة والصورة الثَّانِيَة تعني إذا كان مُخَالِفاً للمسلمات فردوه وهذا الأمر بالرد يكون مُوَافِقاً .. و
 إذن، هذه الرواية (رواية جابر) مشتملة عَلَىٰ شاهدين عَلَىٰ الاحتمال الَّذِي ذكرناه:
 شاهد وهو الأمر بالأخذ.
 وشاهد آخر هو التفصيل بين لاصورة الثَّانِيَة والصورة الثَّالِثَة.
 إذن، بقيت لدينا رواية ابن أبي يعفور فقط الَّتِي علمنا أنها لا تشتمل عَلَىٰ شيء من الشواهد ونصها: >إِذَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ حَدِيثٌ فَوَجَدْتُمْ لَهُ شَاهِداً مِّنْ كِتَابِ اللَهِ أَوْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَهِ صلى الله عليه وآله، وَإِلاَّ فَالَّذِي جَاءَكُمْ بِهِ أَوْلَى بِهِ<( [1] ).
 
 الجواب:
 إِلاَّ أن بالإمكان أن نصرف رواية ابن أبي يعفور عَلَىٰ الموافقة للمزاج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ أَيْضاً؛ مع أن الشواهد المتقدمة غير موجودة في روايته؛ وذلك بالقول بأن كلمة >الشاهد< تفيد معنى أعم من المعنى الَّذِي تفيده كلمة >الموافق< فإن لقائل أن يقول: إن كلمة >الموافق< مختصة بالموافقة المضمونية ولا يفهم منه الموافقة للمزاج الْعَامّ، ولكن كلمة >شاهد< لا تختص بما إذا كان المضمون موجوداً في القرآن الكريم، بل تشمل ما إذا كان الحديث مُوَافِقاً للمزاج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وملائما لمسلمات الشريعة الثابتة في القرآن الكريم أو في قول رسول الله .
 بل قد يقال بأن هناك قرينة عامة في جميع تلك الروايات عَلَىٰ صرف الموافقة إِلَىٰ الموافقة للمزاج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وذلك لما نعرفه من وظيفة الأئمة ^ ومسؤوليتهم ومن شأنهم هو شرح وبيان وتبيان أحكام الشريعة الَّتِي هي غير موجودة في القرآن الكريم. فكون عملهم ذلك بنفسه قرينة عَلَىٰ أن المقصود من الأمر بالأخذ بالحديث الموافق لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ هو الأخذ بما يوافق المزاج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وليس المقصود الأخذ بخصوص الخبر الَّذِي مضمونه موجود بعينه في القرآن الكريم؛ إذ ما أكثر الأحاديث الواردة عن الأئمة ^ الَّتِي مضامينها بعينها غير موجودة في القرآن الكريم، بل إن القسم الغالب والأكثر من الأحاديث الواردة عنهم ^ من هذا القبيل. فنجعل عملهم ودأبهم قرينةً عَلَىٰ أن المقصود بالأخذ بما وافق القرآن الكريم هو الأمر بالأخذ بما يوافق المزاج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، لا خصوص ما يوافق المضمون القرآني بعينه.
 إِلاَّ أن لقائل أن يقول في مقابل هذه القرينة العامة بِأَنَّهَا إِنَّمَا تصلح قرينة عَلَىٰ الاحتمال الَّذِي ذكرتموه في قسم من هذه الروايات وليس في جميع هذه الروايات وهو القسم الَّذِي تصلح هذه القرينة فيها عبارة عن ما ورد بلسان نفي الصدور؛ فإننا قلنا فيما سبق أن لسان بعض هذه الروايات هو نفي صدور ما لا يوافق القرآن الكريم من الأئمة ^.
 هذا الاستنكار والنفي إِنَّمَا ينسجم مع المعنى الَّذِي ذكرناه للموافقة من المزاج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، ولا ينسجم، بل يتنافى مع المعنى الأول للموافقة وهو الموافقة المضمونية.
 إذن في هذا القسم من الأخبار الَّتِي تستنكر الصدور تَصِحُّ هذه القرينة، ولكن في القسم الآخر من روايات الباب وهو ما ورد بلسان نفي الْحُجِّيَّة لا نفي الصدور، لا تنطبق هذه القرينة العامة عَلَىٰ صرف كلمة الموافقة في هذا القسم من الروايات إِلَىٰ المعنى الَّذِي ذكرناه، أي: المزاج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ لوضوح أَنَّهُ لا تنافي أَبَداً بين عدم حُجِّيَّة ما لا يوافق القرآن الكريم موافقة مضمونيةً وبين ما نعهده من أن دأبهم هو بيان أحكام وتفاصيل للشريعة غير مذكورة في القرآن الكريم. نعم دأبهم أن يبيّنوا ما ليس موجوداً في القرآن الكريم، ولكن في الوقت نفسه لا يكون هذا الخبر حجةً، ولا تنافي بين الأمرين، إِنَّمَا المنافاة بين عدم صدور ما لا يوافق الكتاب من المعصومين ^ وبين ما نعرفه عنهم من دأبهم وعملهم. أي: ما نعرفه من دأب الأئمة^ ينافي ماذا؟ ينافي أن لا يصدر منهم خبرٌ ليس مضمونه موجوداً في القرآن الكريم، أو ينافي الْحُجِّيَّة؟ من الواضح أَنَّهُ ينافي الصدور وليس الْحُجِّيَّة.
 هذا كله غاية ما يمكن أن يقال بشأن هذا الاحتمال الَّذِي طرحه سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ & بالنسبة لهذه الروايات وهو احتمال أن يكون المقصود من جعل موافقة القرآن الكريم مِعْيَاراً لقبول الحديث وعدم جعل م.. هو الموافقة والملائمة أو عدم الملائمة للمزاج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
 والآن في ضوء ما قلنا نقول: إما أن تقبلوا هذا الاحتمال الَّذِي ذكرناه وذكرنا شواهده إِلَىٰ حد الاطمئنان بأن المقصود بموافقة القرآن الكريم وعدم موافقته هو هذا، أو إِلَىٰ حد الظهور بالنسبة لجميع الروايات، فالنتيجة أن هذه الروايات أجنبية عن بحثنا ولا دلالة لها عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة خبر الواحد، وَإِنَّمَا تدل عَلَىٰ مطلب آخر أجنبي عن محل الكلام وهو أن الخبر الَّذِي لا يوافق المزاج الْعَامّ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ غير صادر من المعصومين ^ وغير حجة وهذا مطلب صحيح يؤمن به الجميع، حَتَّىٰ القائلين بحجية خبر الواحد.
 أَمَّا إن لم تقبلوا هذا الاحتمال إِلَىٰ هذا الحد فَحِينَئِذٍ نستأنف البحث ونقول بأن أكثر الروايات الَّتِي جاءت فيها عنوان موافقة القرآن الكريم بعد فرض أن المقصود بالموافقة ليس ذاك المعنى الَّذِي ذكرناه وَإِنَّمَا المقصود منه الموافقة المضمونية، هذه الروايات لا تدل في الحقيقة عَلَىٰ أكثر من عدم حُجِّيَّة ما يخالف القرآن الكريم. فلا يمكن التمسك بها لنفي حُجِّيَّة الخبر الَّذِي لا هو موافق لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ولا هو مخالف لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ. أي: الخبر الَّذِي مضمونه ليس مَوْجُوداً في القرآن الكريم ولا أن خلاف مضمونه موجود في القرآن الكريم.
 هذه الروايات الَّتِي جاء فيها عنوان الموافقة بعد حمل هذا العنوان عَلَىٰ الموافقة المضمونية لا تحمل عَلَىٰ أكثر من أن الخبر الَّذِي يخالف القرآن الكريم مخالفة مضمونية ساقط عن الْحُجِّيَّة. وهذا الأخير هو المهم؛ لأَن الأكثر الغالب في الأخبار هو من هذا النوع.. فلا تشمل أكثر أخبارنا الَّتِي لا هي موافقة لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ ولا هي مخالفة والدليل يأتي إن شاء الله غدا.


[1] - العاملي، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: ج27، ص111، ط آل البيت ^.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo