< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

34/02/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 {خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول}
 كان الكلام في الاستدلال برواية ابن أبي يعفور عَلَىٰ الاستدلال بعدم حُجِّيَّة خَبَر الْوَاحِدِ فقلنا في الجواب الأول أننا لا نحتمل الفرق بين هذه الرواية وبين غيرها من سائر أَخْبَار الآحَادِ؛ فهي لو كانت حجةً فغيرها أَيْضاً حجة ولو أن غيرها ليس بحجة فهي أَيْضاً ليست حجةً، فيلزم من حجيتها عدم حجيتها، وهذا مستحيل (أي: أن جعل الْحُجِّيَّة لخبر يلزم من حجيته عدم حجيته محال).
 ثم قلنا إن سَيِّدَنَا الأُسْتَاذَ الشَّهِيدَ & أورد اعتراضاً عَلَىٰ هذا الجواب وهو أننا نحتمل وجود الفرق بين هذه الرواية وبين غيرها في أن هذه الرواية تُقَرِّبُ إِلَىٰ الْقُرآن الْكَرِيم؛ لأنها تردع عن الخبر الَّذِي لا يوافق القرآن الكريم (أي: تدافع عن حريم القرآن الكريم وتسلب الْحُجِّيَّةَ عن كل خبر لا يوافق الْقُرآن الْكَرِيم)، بينما هذا الدعم غير موجود في سائر أَخْبَار الآحَادِ؛ فَإِنَّ سائر الأخبار لا تردع عن الخبر الَّذِي لا يوافق الْقُرآنَ الْكَرِيم؛ إِذْ أَنَّهَا تنقل أحكاماً للشريعة ولا تقرب نحوَ الْقُرآن الْكَرِيم بهذا النحو من التقريب نحوه، كما أن سائر الأخبار لا تدل عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة كل خبر لا يوافق الْقُرآن الْكَرِيم.
 إذن، هذه الْخُصُوصِيَّةُ والميزة لعلها هي الَّتِي أوجبت أن تكون هذه الروايةُ حُجَّة وغيرها لا تكون حُجَّة. فالتفكيك في الْحُجِّيَّة بينها وبين غيرها ثُبُوتاً معقول.
 وَحِينَئِذٍ لا يأتي ذاك الإشكال القائل بِأَنَّهُ إذا كانت هي حجة فغيرها أَيْضاً حجة؛ إذ بالإمكان أن تكون هي حجة لهذه الْخُصُوصِيَّة بينما غيرها لا تكون حُجَّة؛ لأَن هذه الميزة غير متوفرة فيها، وَبِالتَّالِي لا تكون رواية ابن أبي يعفور عَلَىٰ تقدير حجيتها كاذبةً (أي: أن ذاك العلم الإِجْمَالِيّ الَّذِي ذكرناه بالأمس وهو العلم إجمالاً بأن هذه الرواية إما كاذبة أو غير حُجَّة، فذاك العلم الإِجْمَالِيّ غير موجود؛ إذ أن رواية ابن أبي يعفور لا هي كاذبة ولا هي غير حُجَّة، فهي صادقة وحجة أَيْضاً لأجل هذه الْخُصُوصِيَّة والميزة).
 
 نقد كلام الشهيد الصدر:
 هذا الكلام الَّذِي أفاده سَيِّدُنَا الأُسْتَاذُ الشَّهِيدُ & بالإمكان أن نلاحظ عليه أن هذا المطلب متوقف عَلَىٰ افتراض أن تكون هذه الرواية دالةً عَلَىٰ عدم حُجِّيَّةِ خصوص الخبر الَّذِي لا شاهدَ له من القرآن الكريم؛ فقد ذكرنا احتمالين بالنسبة إِلَىٰ رواية ابن أبي يعفور:
 الاحتمال الأول: أن تدلّ هذه الروايةُ عَلَىٰ عدم حُجِّيَّةِ خصوص خَبَر الْوَاحِدِ الَّذِي ليس له شاهد من الكتاب والسنة القطعية.
 الاحتمال الثَّانِي: أن تدلَّ هذه الروايةُ عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة مطلق خَبَر الْوَاحِدِ حَتَّىٰ الخبر الَّذِي له شاهد من كتاب الله؛ لأَنَّ العرفَ يفهم من هذه الرواية أن الخبر بما هو خبر لا قيمة له، فإن كان للخبر شاهد من الكتاب ووافق الكتابَ يكسب قيمتَه من القرآن الكريم وَحِينَئِذٍ بالقرآن نستغني عن الخبر، وإذا كان الخبر مُخَالِفاً لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ فيسقط بالأولوية. وَبِالتَّالِي يفهم العرف من رواية ابن أبي يعفور أنها بصدد إسقاط مطلق خَبَر الْوَاحِدِ عن الْحُجِّيَّة.
 وكلام سَيِّدِنَا الأُسْتَاذِ الشَّهِيدِ & متوقف عَلَىٰ قبول الاحتمال الأول (وهو أن لا يكون للخبر شاهد من الْقُرآن الْكَرِيم) وَبِالتَّالِي نحن نحتمل وجود الفارق بين رواية ابن أبي يعفور وبين سائر الروايات الَّتِي ليس لها شاهد من الكتاب، والفارق أن هذه الرواية تقرب نحو الكتاب بينما سائر الروايات لا تقرب. فلأجل هذه الْخُصُوصِيَّة يمكن أن تكون رواية ابن أبي يعفور حجةً ولكن غيرها لا يكون حجةً.
 أَمَّا إذا افترضنا الاحتمال الثَّانِي وهو أن رواية ابن أبي يعفور تدل عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة مطلق خَبَر الْوَاحِدِ؛ وذلك نظراً إِلَىٰ أن حُجِّيَّةَ الخبرِ الموافق لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ لا ثمرة لها ولغو، ويكون الْقُرآن الْكَرِيم حِينَئِذٍ حُجَّةً بلا حاجةٍ إِلَىٰ خبر الواحد حَتَّىٰ الموافق منه لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ، وَبِالتَّالِي سواء كان خَبَرُ الْوَاحِدِ مُوَافِقاً لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ أم لم يكن، لا يكون حُجَّةً.
 إذن، بِنَاءً عَلَىٰ دلالة رواية ابن أبي يعفور عَلَىٰ عدم حُجِّيَّة كل خبر واحد لا نحتمل الفرق أَبَداً بينها وبين سائر الروايات؛ لأَن المفروض حِينَئِذٍ هو أن مفاد رواية ابن أبي يعفور عبارة عن عدم حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ مُطْلَقاً بما هو خبر واحد، ونحن نقطع بعدم وجود ميزة وخصوصية في رواية ابن أبي يعفور بما هي خبر واحد عن غيرها من أَخْبَار الآحَادِ؛ إذ أن من المستحيل ثبوت الْحُجِّيَّةِ للرواية الَّتِي تريد أن تدين غيرها بمطلب مشترك بينها وبين غيرها.
 واللطيف أن سَيِّدَنَا الأُسْتَاذَ الشَّهِيدَ & استظهر الاحتمالَ الثَّانِي سَابِقاً حيث استظهر & أن هذه الرواية تنسفُ الْحُجِّيَّةَ من كل خبر واحد وقال بأن العرف يفهم من هذه الرواية أن الخبر لا قيمة له حَتَّىٰ إذا كان له شاهد من الْقُرآن الْكَرِيم؛ فَإِنَّ الشاهد الْقُرآن الْكَرِيم هو الْحُجَّة حِينَئِذٍ، وجعل الْحُجِّيَّة للخبر الموافق لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ لغوٌ.
 إذن، بِنَاءً عَلَىٰ هذا الاحتمال الثَّانِي تنتفي المقرِّبيّةُ وتكون هذه الرواية كغيرها من أخبار الآحاد، كما أَنَّهَا كسائر الأخبار الآحاد ليس لها شاهد من الْقُرآن الْكَرِيم؛ لأَن هذه الرواية لا تنفي الْحُجِّيَّة عن الأخبار غير الموافقة لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ بل تقول بأن كل خبر واحد ليس بحجة؛ فهي من حيث الْمُقَرِّبِيَّةِ كغيرها لا تكون مقربة نحو الْقُرآن الْكَرِيم، وَبِالتَّالِي تكون دالةً عَلَىٰ أن خَبَر الْوَاحِدِ ليس حُجَّةً.
 وإذا كان منطلق خبر ابن أبي يعفور هو أن خَبَر الْوَاحِدِ ليس بحجةٍ فهي أَيْضاً خبر واحد فلا تكون حُجَّةً. فلا نحتمل الفرق بينها وبين غيرها، فهي عَلَىٰ تقدير حجيتها كاذبة، إذا كانت هي حجة في قولها إن خَبَر الْوَاحِدِ ليس حجة هي أَيْضاً من ضمن أَخْبَار الآحَادِ فيجب أن تكون غير حُجَّة، ولا يمكن أن تختص الْحُجِّيَّةُ بها وتكون حجة في إسقاط غيرها عن الْحُجِّيَّة.
 هذا ما يمكن أن يلاحظ عَلَىٰ كلام سَيِّدِنَا الأُسْتَاذِ الشَّهِيدِ &.
 
 الدعم لكلام الشهيد الصدر:
 اللهم إِلاَّ أن تُناقش هذه الملاحظة بِأَنَّنا حَتَّىٰ بِنَاءً عَلَىٰ الاحتمال الثَّانِي نحتمل وجود الفرق بين رواية ابن أبي يعفور وبين غيرها، والفرق هو أن رواية ابن أبي يعفور تشتمل عَلَىٰ ردع ضمني عن الخبر المخالف لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ؛ باعتبار أن رواية ابن أبي يعفور بِنَاءً عَلَىٰ الاحتمال الثَّانِي تدل عَلَىٰ عدم حُجَّةِ مطلق أَخْبَار الآحَادِ، ومن جملة أَخْبَار الآحَادِ ذاك الخبر المخالف لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ، وَبِالتَّالِي هي تردع ضِمْناً عن الخبر المخالف لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ، والردع عن الخبر المخالف لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ ميزةٌ غير موجودة في سائر الروايات، وَبِالتَّالِي حصَّلنا عَلَىٰ فرقٍ بين هذه الرواية وبين سائر الرواية؛ فإننا كنا بحاجة إِلَىٰ القطع بعدم الفرق، وهذه الميزة بنفسها تقرّب نحو الكتاب.
 
 رد الدعم:
 لكن مع ذلك يمكن الجواب عن هذه الملاحظة بِأَنَّهُ وإن صَحَّ أن الردع عن خَبَر الْوَاحِدِ ردع ضمني عن الخبر المخالف لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ، إِلاَّ أننا مع ذلك لا نحتمل الفرق بين رواية ابن أبي يعفور وبين غيرها من أَخْبَار الآحَادِ في الْحُجِّيَّة؛ وذلك لوجود الخبر الموافق موافقةً مضمونيةً لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ بين أَخْبَار الآحَادِ (وليست الموافقة للمزاج الْعَامّ لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ)؛ فَإِنَّ رواية ابن أبي يعفور تسلب الْحُجَّةَ عن مثل هذا الخبر أَيْضاً.
 وَبِالتَّالِي حصّلنا في ضمن أخبار الآحاد عَلَىٰ الخبر الموافق لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ (أَيْ: عَلَىٰ الخبر الَّذِي يقرب الناس نحو الْقُرآن الْكَرِيم) فتكون ميزة التقريب نحو القرآن الكريم موجودةً في هذا خَبَر الْوَاحِدِ، فينتفي احتمال وجود ميزة لرواية ابن أبي يعفور عَلَىٰ غيرها؛ لأَنَّهُ كما أن رواية ابن أبي يعفور مقربة للكتاب بالردع الضمني عن الخبر المخالف للكتاب، كذلك غير رواية ابن أبي يعفور مقرب نحو الْقُرآن الْكَرِيم أَيْضاً، وَالْمُقَرِّبِيَّة هي الميزة، وَبِالتَّالِي تساوت الْمُقَرِّبِيَّةُ في كلا الجانبين، فرجعنا مرةً أخرى إِلَىٰ أن احتمال التفكيك بينها وبين غيرها من الروايات غير معقول.
 إذن، بِنَاءً عَلَىٰ دلالة هذه الرواية عَلَىٰ عدم حُجِّيَّةِ مطلق خَبَرِ الْوَاحِدِ لا نحتمل الفرق في الْحُجِّيَّة بينها وبين سائر أخبار الآحاد، وهذا بخلاف ما إذا بيننا عَلَىٰ الاحتمال الأول حيث يكون احتمال الفرق بينها وبين سائر الأخبار مَوْجُوداً، فمن المحتمل أن تكون المقربية الَّتِي تمتاز بها رواية ابن أبي يعفور هي الْخُصُوصِيَّة الَّتِي أوجبت جعل الْحُجِّيَّة لها دون غيرها.
 وبما أننا نتبع سَيِّدَنَا الأُسْتَاذَ الشَّهِيدَ & في الاستظهار من رواية ابن أبي يعفور أنها بصدد نسف الْحُجِّيَّةِ عن مطلق خَبَر الْوَاحِدِ، فلا يعقل التفكيكُ ثُبُوتاً في الْحُجِّيَّة بين رواية ابن أبي يعفور وبين غيرها، فيلزم من حجيتها عدم حجيتها وما يلزم من وجوده عدمه محال.
 هذا تمام الكلام في الجواب الأول من الأجوبة عن الاستدلال برواية ابن أبي يعفور عَلَىٰ عدم حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ.
 بعد ذلك ننتقل إِلَىٰ الجواب الثَّانِي وهو أننا لو غضضنا النظر عن الجواب الأول وقلنا بأن هذه الرواية لا تردع عن نفسها وقبلنا بحُجِّيَّةِ رواية ابن أبي يعفور وبأنها تُسقط غيرَها عن الْحُجِّيَّة، لكن يأتي الجواب الثَّانِي وهو أن هذه الرواية حِينَئِذٍ تعارض الْقُرآنَ الْكَرِيم والسنة قطعية الصدور، تعارضهما بنحو العموم والخصوص من وجه (هذه الصغرى)، ومتى ما عارض الخبر الظني الكتابَ والسنة القطعية الصدور بنحور العموم والخصوص من وجه فهو ساقط عن الْحُجِّيَّة، وَبِالتَّالِي تصبح رواية ابن أبي يعفور ساقطة عن الْحُجِّيَّة، ويأتي تفصيل الكلام في هذا الجواب الثَّانِي بتقرير محسن الطهراني عفي عنه غداً إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo