< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

34/02/11

بسم الله الرحمن الرحیم

 {خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول}
 الجواب الثَّانِي:
 الجواب الثَّانِي عن الاستدلال برواية ابن أبي يعفور عَلَىٰ عدم حُجِّيَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ هو أننا حَتَّىٰ لو غضضنا النظر عن الجواب الأول وفرضنا إمكان التفكيك في الْحُجِّيَّة بينها وبين غيرها بأن تكون هي حُجَّةً وتردع عن حُجِّيَّة غيرها، وفرضنا قيام الدليل إِثْبَاتاً عَلَىٰ حجيتها كالسيرة مَثَلاً، مع ذلك لا يَتُِمّ الاستدلال بها؛ ذَلِكَ لأَنَّهَا تُعارضُ حِينَئِذٍ الْقُرآنَ الْكَرِيم والسنةَ القطعية الصدور بنحو العموم والخصوص من وجه وَحِينَئِذٍ تكون هذه الروايةُ ساقطة عن الْحُجِّيَّة بموجب الدليل الدال عَلَىٰ أن الخبر المخالف لِلْقُرآنِ الْكَرِيمِ والسنةِ القطعية الصدور ساقطٌ عن الْحُجِّيَّة. إذن، يوجد هنا مطلبان لاَ بُدَّ من توضيحهما وإثباتهما:
 المطلب الأول (وهو بمثابة الصغرى) وهو عبارة عن أن رواية ابن أبي يعفور تعارض الكتابَ والسنة القطعية الصدور بنحو العموم والخصوص من وجه.
 المطلب الثَّانِي (وهو بمثابة الكبرى) وهو أن كل خبرٍ عارضَ الكتابَ والسنة القطعية الصدور فهو ساقط عن الْحُجِّيَّة.
 أَمَّا المطلب الأول فَلأَنَّ رواية ابن أبي يعفور تعارض آية النفر (بِنَاءً عَلَىٰ تمامية دلالة آية النفر عَلَىٰ حُجِّيَّة خَبَر الْوَاحِدِ) وهي عبارة عن قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفُرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}( [1] ).
 وهذه الآية لو تمت دلالتها عَلَىٰ حُجِّيَّة خَبَر الْوَاحِدِ إِنَّمَا تدل عليها من خلال الإطلاق؛ إِذْ أَنَّهَا مطلقة تدل وجوب قبول القوم إنذارَ المنذِر مُطْلَقاً، سواء كان إنذار المنذر مُوجِباً لحصول العلم لهم أم لم يكن. وهذا معناه أن إنذار المنذر حُجَّةٌ، وَبِالتَّالِي معناه حُجِّيَّة خَبَر الْوَاحِدِ.
 وَحِينَئِذٍ تكون الآيةُ أعم من رواية ابن أبي يعفور من هذه الجهة؛ لأَنَّهَا تشمل الإنذار الموجب للعلم واليقين وتشمل الإنذار الَّذِي لا يشمل العلم واليقين، بينما رواية ابن أبي يعفور القائلة: >إِذَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ حَدِيثٌ فَوَجَدْتُمْ لَهُ شَاهِداً مِّنْ كِتَابِ اللَهِ أَوْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَهِ صلى الله عليه وآله، وَإِلاَّ فَالَّذِي جَاءَكُمْ بِهِ أَوْلَى بِهِ<( [2] ) مختصة بالخبر الَّذِي لا يفيد العلم واليقين، وإلا لو حصل لنا العلم واليقين من رواية فلا تردع رواية ابن أبي يعفور عن الخبر المفيد للعلم واليقين، فمن هذه الجهة تكون الآيةُ أعم من رواية ابن أبي يعفور.
 ومن جهة أخرى نرى أن رواية ابن أبي يعفور أعم من الآية؛ وذلك لأَن رواية ابن أبي يعفور عامةٌ تشمل كلَّ خبرٍ وليست مختصة بباب الأحكام، بينما آية النفر مختصة بباب الأحكام وفروع الدين؛ لأَنَّهُ توجد في الآية كلمةُ الإنذار والحذر وهما قرينتان نفهم منهما أن الآية تتحدث عن الأخبار الواردة بشأن الأحكام الشرعية؛ فَإِنَّ الإنذار يعني الْحُجِّيَّة والمنجزية، أَمَّا الخبر الَّذِي يتحدث عن تفاصيل الجنة والنار فلا إنذار فيه. وَبِالتَّالِي أصبحت رواية ابن أبي يعفور أعم من آية النفر من جهة أخرى.
 إذن، حصلت المعارضة بين آية النفر وبين رواية ابن أبي يعفور بنحو العموم والخصوص من وجه.
 ومادة اجتماع الآية مع الرواية هي الخبر الوارد في أحكام الدين وفروع الدين وَالَّذِي لا يفيد العلم واليقين وهو محل بحثنا.
 ومادة الافتراق للآية عن الرواية عبارة عن الخبر الوارد في فروع الدين لكنه يفيد العلم واليقين فتشمل آيةُ النفر الخبرَ، والرواية لا تدل عَلَىٰ عدم حجيته.
 ومادة الافتراق للرواية عن الآية عبارة عن الخبر الوارد في غير الأحكام كالأخبار الواردة في أصول الدين وفي سائر المعارف الإسلامية وليس الخبر خَاصّاً بباب الأحكام؛ فَإِنَّ جواب الشَّرْط في قوله ×: >إِذَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ حَدِيثٌ فَوَجَدْتُمْ لَهُ شَاهِداً مِّنْ كِتَابِ اللَهِ أَوْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَهِ صلى الله عليه وآله<( [3] ) محذوفٌ ولا توجد قرينة تدل عَلَىٰ أن المحذوف هو >فاعملوا به< مَثَلاً في صلاتكم وصومكم وحجكم، وَحِينَئِذٍ نأخذ بالقدر المتيقن من الجزاء وهو قبول الحديث (أي: يمكنكم أن تنسبوا مفاد هذا الخبر إِلَىٰ الدين).
 فالرواية تشمل الخبر الوارد حَتَّىٰ في غير الأحكام الشرعية كالأخبار الواردة في تفاصيل يوم القيامة والخبر الوارد بين تفاصيل خلق السماوات والأرض.
 فهذا هو توضيح معارضة رواية ابن أبي يعفور مع الْقُرآن الْكَرِيم بنحو العموم والخصوص من وجه.
 وَإِنَّمَا خصصنا آيةَ النفر بالخصوص بالذكر ولم نذكر آية النبأ مَثَلاً؛ لأَن آيةَ النفر لا تختص بباب الأحكام وإلا فمن الواضح أن النسبة بين الرواية وبين آية النبأ هي نسبة العموم والخصوص المطلق، عَلَىٰ أن تكون الرواية أخص مُطْلَقاً من آية النبأ؛ فَإِنَّ آية النبأ ليست مختصة بباب الأحكام، بل هي تقول بأَنَّهُ لو جَاءَكُم فاسق بنبأٍ، ويدل مفهوم الآية عَلَىٰ أَنَّهُ لا يجب التبين فيما إن جَاءَكُم عادل بأي نوع من أنواع النبأ كالأخبار الواردة في الأحكام أو في غير الأحكام، بينما رواية ابن أبي يعفور مختصة بالخبر الَّذِي لا يفيد العلم، بينما مفهوم آية النبأ يشمل الخبر الَّذِي يفيد العلم، ويشمل الخبر غير مفيد للعلم.
 إذن، لأجل أن النسبة بين آية النبأ ورواية ابن أبي يعفور هي العموم والخصوص من وجه، ذكرنا آية النفر ولم نذكر آية النبأ.
 وَحِينَئِذٍ تبقى معارضة رواية ابن أبي يعفور للسنة القطعية الصدور وهذا ما تردفه لكم إن شاء الله تعالى اليدان الداثرتان للعبد محسن الطهراني عفى الله عنه في الأيام المقبلة بعد العودة من زيارة العتبات المقدسة في العراق.


[1] - سورة التوبة (9): الآية 122.
[2] - العاملي، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: ج27، ص111، ط آل البيت ^.
[3] - العاملي، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: ج27، ص111، ط آل البيت ^.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo