< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

35/03/10

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: آية النبأ/الكتاب/أدلة الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

ذكرنا قبل العطلة أَن الكلام في الخبر الواحد يقع في مرحلتين:
المرحلة الأولى: أصل الْحُجِّيَّة.
المرحلة الثانية: دائرة الْحُجِّيَّة وحدودها.
أما المرحلة الأولى فهناك من يقول بالحجية كما أَن هناك من ينفي الْحُجِّيَّة، ولكل منهما دليله، وقد ذكرنا فيما سبق أدلة القائلين بعدم الْحُجِّيَّة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل. وناقشنا هذه الأدلة بالتفصيل وانتهينا إِلَىٰ أَنَّهُ لا يوجد لدينا ما يَدُلُّ عَلَىٰ عدم الْحُجِّيَّة.
أما القول الآخر وهو القول بالحجية فأيضاً اسْتَدَلَّ عليه بالأدلة الأربعة المذكورة. أما الكتاب فقد اسْتَدَلَّ بآيات منها آية النبأ {يا أيها الَّذِينَ آمنوا إِن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أَن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا عَلَىٰ ما فعلتم نادمين}، حيث اسْتَدَلَّ بهذه الآية الشريفة عَلَىٰ حجّيّة خبر العادل؛ لأَنَّ هذه الآية تَدُلّ بمفهومها عَلَىٰ عدم وجوب التبين عن خبر العادل وهذا يعني الْحُجِّيَّة.
وطرحنا فيما سبق سؤالين بهذا الصدد:
السُّؤَال الأول: كيف تَدُلّ آية النبأ بمفهومها عَلَىٰ عدم وجوب التبين عن خبر العادل؟
السُّؤَال الثَّانِي: كيف يَدُلُّ عدم وجوب التبيّن عَلَىٰ الْحُجِّيَّة؟
وقد أجبنا فيما سبق عن السُّؤَال الثَّانِي بصورة مفصلّة، وبقي علينا أَن نجيب عن السُّؤَال الأول وقد قلنا في مقام الجواب عنه بأن هناك تقريبين لدلالة الآية الشريفة بمفهومها عَلَىٰ عدم وجوب التَّبَيُّن عن خبر العادل.
التقريب الأول: هو التَّمسُّك بمفهوم الوصف في الآية الشريفة، وهذا ما درسناه قبل العطلة بالتفصيل وتبيّن عدم صحّته.
التقريب الثَّانِي: هو التَّمسُّك بمفهوم الشرط، وقد قلنا إِن هناك إشكالين عَلَىٰ التَّمسُّك بمفهوم الشرط في الآية لإثبات عدم وجوب التَّبَيُّن عن خبر العادل.
الإشكال الأول: ما ذكره الشَّيْخ الأنصاري & وهو أَن القضية الشرطية في الآية الشريفة قضية شرطية مصوغة لبيان الموضوع، وكل قضية شرطية مصوغة لبيان الموضوع لا مفهوم لها.
الجواب: وناقشه المحقق الخراساني قَائِلاً: إِن القضية الشرطية المذكورة في الآية ليست مصوغة لبيان الموضوع وَبِالتَّالِي لو آمنا كبرويّاً بمفهوم الشرط (فهو لا يؤمن به) فالآية لها مفهوم أَيْضاً.
إذن، يجب أَن يدور كلامنا الآن حول أَن القضية الشرطية المذكورة في الآية الشريفة هل هي مصوغة لبيان الموضوع كما قال الشَّيْخ & كي لا يكون لها مفهوم أم ليست كذلك كي يثبت لها المفهوم بعد الفراغ عن كبرى ثبوت مفهوم الشرط. ولكي نعرف الجواب الصحيح عن هذا السُّؤَال نقول: إِن القضية الشرطية لها ثلاثة أركان:
الركن الأول: الحكم المذكور في الكتاب.
الركن الثاني: موضوع هذا الحكم.
الركن الثالث: شرطُ ثبوت هذا الحكم لهذا الموضوع.
أما الحكم المذكور في الكتاب فواضح، وأما الركنان الثَّانِي والثالث فبحاجة إِلَىٰ الإيضاح؛ وذلك لأَنَّ بالإمكان تصنيف الشرط إِلَىٰ ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أَن يكون الشرط عبارة عن محقِّق الموضوع بحيث لا يُتصور للموضوع وجودٌ إِلَّا بالشرط، فيكون قوام الموضوع بالشرط (أَيْ: ليس للموضوع وجود آخر غير الشرط)، كما إذا كانت القضية الشرطية عبارة عن مثل >إِن رُزقتَ ولداً فاختنه< فيكون الحكمُ وجوب الختان وموضوعه ختان الولد، وشرط ثبوت هذا الحكم لهذا الموضوع هو رزق الولد، فرزق الولد هو عين تحقق الولد، فالشرط هنا عين تحقق الموضوع. فالفرق بين الشرط والموضوع هنا فرق اعتباري.
القسم الثَّانِي: أَن يكون الشرط أجنبياً عن تحقق الموضوع، ومثاله: >إِن جاء زيد فأكرمه<؛ فَإِنَّ الحكم هنا هو وجوبُ إكرام زيد وموضوعه زيد وشرطُ ثبوتِ هذا الحكم لهذا الموضوع هو المجيء. ومن الواضح أَن مجيء زيد ليس عين تحقق زيد، بل أمر طارئ عَلَىٰ زيد. فهذا القسم من الشرط ليس مصوغاً لتحقيق الموضوع أصلاً.
القسم الثالث: أَن يكون الشرطُ نحواً من أنحاء وجوب الموضوع، فلا يكون أجنبياً بالمرة عن الموضوع كما في القسم الثَّانِي (بل هو نحو من وجوب الموضوع)، ولا كالقسم الأول فليس الشرط هنا هو النحو الوحيد المنحصر لوجود الموضوع خلافاً للقسم الأول. فالموضوع له نحوان من الوجود: تارة يوجَد من خلال الشرط وأخرى يوجَد عن طريق آخر غير الشرط. ومثاله الآية الشريفة، فلو قلنا بأن هذه الآية بمثابة أَن اللـه تعالى قال: >إِن جاء الفاسق بالنبأ وجب التَّبَيُّن منه< فيكون الحكم عبارة عن وجوب التَّبَيُّن وموضوع الحكمِ النبأُ، والشرط هو مجيء الفاسق بالنبأ. ومن الواضح أَن تقرير وإعداد الشَّيْخ محسن الطهراني مجيء الفاسق بالنبأ عبارة عن إنبائه (أَيْ: إيجاده للنبأ) فهذا نحو وجودٍ للموضوع (وهو النبأ)، فليس أجنبياً عن النبأ لكنه ليس النحو المنحصر الوحيد لتحقق الموضوع؛ فَإِنَّ النبأ قد يتحقق من خلال الشرط (أَيْ: إنباء الفاسق) وقد يتحقق عن طريق آخر (وهو إنباء العادل). والواقع أَن الشرط هنا حصة خاصَّة من وجود الموضوع، فكأنه قال: >إذا أوجد الفاسقُ النبأَ يجب تبيُّنه<.
أما القسم الأول فلا إشكال في عدم ثبوت المفهوم له وقد تقدم ذلك في التنبيه الأول من تنبيهات مفهوم الشَّرط.
وأما القسم الثَّانِي فلا إشكال في ثبوت المفهوم له بناء عَلَىٰ كبرى ثبوت مفهوم الشرط كما هو الصحيح وقد تقدم دليله بالتفصيل في بحث مفهوم الشرط.
أما القسم الثالث: فَلَا بُدَّ من معرفة وجه عدم ثبوت المفهوم في القسم الأول لكي يتضح لنا حال هذا القسم الثالث، وهناك تقريبان لإثبات عدم المفهوم في القسم الأول:
التقريب الأول: أَن يقال بأن المفهوم في المصطلح الأصولي عبارة عن انتفاء الحكم المذكور في الجزاء عن الموضوع عند انتفاء الشَّرط. وَحِينَئِذٍ إِن أريد بالمفهوم في القسم الأول مفاد الجزاء (أَيْ: نفي وجوب ختان الولد عند انتفاء الشَّرط) فهذا تحصيل للحاصل؛ فَإِنَّ وجوب ختان الولد ينتفي قهراً عند انتفاء الشَّرط (الَّذِي هو عبارة عن وجود الولد) من باب انتفاء موضوعه، وانتفاء الحكم بانتفاء موضوعه أمر ثابت عقلاً ولا شك فيه ولا ربط له بالمفهوم المصطلح، وهو ما يعّبر عنه المناطقة بالقضية السالبة بانتفاء الموضوع (سواء في القضية الشرطية أم في القضية الحمليّة كما إذا قيل: >اختن ولدَك< أو >ختان الولد واجب<؛ فَإِنَّ ختان الولد ينتفي عند انتفاء الولد)؛ لِأَنَّهُ لا يوجد هنا تقييد آخر للحكم غير تقييده بموضوعه.
التقريب الثَّانِي: أَن يقال بأن المفهوم في القضية الشرطية إِنَّمَا يُستفاد بملاك كون الشَّرط قيداً للحكم، وبهذا يتميّز الشَّرط من الوصف. فإذا كان القيد قيداً للموضوع (أَيْ: تقيَّد الموضوع به قبل طروّ الحكم عليه) فلا مفهوم له؛ وذلك لأننا فرضنا أَن الشَّرط في هذه القضية يساوق الموضوع، فلم يُعمل المتكلم تقييداً حقيقياً في المقام غير تقيّد الحكم بموضوعه (وإن كان هذا الحكم عند النحاة وحسب صياغته الظاهرية مقيّداً بموضوعه).
ويبقى الحديث عن القسم الثالث نذكره غدا إِن شاء اللـه تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo