< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

35/03/26

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: آية النبأ/الكتاب/أدلة الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

وبهذا ظهر عدمُ صحّة ما أفاده السيد الهاشمي حفظه اللـه من أَن الإشكال المذكور (أَعني: إشكال المحقق الأصفهاني &) لو تَمَّ أوجب سقوط المفهوم مطلقاً حَتَّىٰ فيما إذا كان الموضوع جزئياً كقولنا: >إِن جاء زيد فأكرمه<، أو كان موضوع الجزاء غير راجع إِلَىٰ موضوع الشَّرط كقولنا: >إِنْ رُزقتَ ولداً فتصدَّقْ عَلَىٰ الفقراء<؛ إذ يقال هنا أَيْضاً: إِن كان الشَّرط قيداً في موضوع الجزاء (بأن فرضنا في المثال الأول مَثَلاً أَن المجيء قيد في موضوع وجوب الإكرام) فيكون وجوب الإكرام موضوعه عبارة عن زيد الجائي، فبانتفاء الشَّرط ينتفي الموضوع، فيكون انتفاء الحكم حِينَئِذٍ من باب انتفاء موضوعه، فلا يكون للكلام مفهوم. وإن لم يكن الشَّرط قيداً في موضوع الجزاء لزم إطلاق وجوب إكرام زيد للإكرام الواقع قبل مجيئه؛ لأَنَّ المفروض كون المنطوق في طرف الجزاء عبارة عن مطلق وجوب إكرام زيد الصادق عَلَىٰ إكرامه قبل مجيئه، مع أَن هذا الإطلاق غير ثابت في طرف الجزاء قطعاً.
أقول: هذا الكلام غير صحيح؛ فَإِنَّنَا نختار الشق الثَّانِي، وهو أَن الشَّرط ليس قيدا في موضوع الجزاء، لكنه قيد في نفس الجزاء والحكم، فليس المنطوق في طرف الجزاء هو مطلق وجوب إكرام زيد الصادق عَلَىٰ إكرامه قبل مجيئه، وعليه فلا يلزم من ذلك إطلاقُ وجوب إكرام زيد للإكرام الواقع قبل مجيئه؛ وذلك لما قلناه في مناقشة الجواب الَّذِي ذكره المحقق الأصفهاني & عَلَىٰ الإشكال من أَن مصبّ التقييد بالشرط والتعليق عليه ليس هو الموضوع، بل هو الحكم؛ فَإِنَّهُ المقيَّد والمشروط بالشرط والمعلَّق عليه، فبانتفائه لا وجوب للإكرام؛ فالإكرام الواقع قبل مجيئه لم يقع عَلَىٰ صفة الوجوب كي يرد الإشكال الَّذِي ذكره السيد الهاشمي حفظه اللـه كما هو واضح.
والحاصل أَنَّهُ لو لا الانحلال الَّذِي ذكرناه لكان الإشكال المذكور سارياً إِلَىٰ كُلّ الموارد الأخرى الَّتِي هي مشابهة لموردنا. وَحَلُّ الإشكال في جميع هذه الموارد إِنَّمَا هو بما قلناه من انحلال كُلّ القضية؛ فنحن في المقام نختار الشق الأول من الشقين المذكورين في الإشكال، وهو أَن المراد بموضوع القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة في الآية طبيعي النبأ، إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه إِلَّا أَن كون الموضوع طبيعي النبأ في الشَّرط والجزاء لا يعني وجوب التَّبَيُّن عن كُلّ نبأ لمجرد تحقق مجيء الفاسق بطبيعي النبأ، وَإِنَّمَا يعني أَن موضوع الحكم المذكور هو طبيعي النبأ، وهذا الطَّبِيعِيّ كلّيّ انحلاليّ ينحلّ لا محالة إِلَىٰ أفراده، ومعنى كلّيته وانحلاله عبارة عن انحال حكمه بتبع انحلاله، وحكمه هو وجوب التَّبَيُّن المعلَّق والمشروط في هذا النبأ وفي ذاك النبأ، وهكذا..
إذن، فهنا قضية كلية لها موضوع شرطي ومحمول جزائي، والمحمول الجزائي ينحلّ، فكل حصة من طبيعي النبأ لها حصة من وجوب التبيّن المعلَّق.
وبعبارة أخرى: كُلّ نبأٍ له حكم مشروط وهو وجوب التَّبَيُّن إذا جاء به فاسق، فمتى جاء فاسق بحصةٍ أصبح الوجوبُ فعلياً بالنسبة إِلَىٰ تلك الحصة، لا أَنَّهُ أصبح فعلياً بالنسبة إِلَىٰ سائر الحصص، فلا يثبت بمجيء فاسق بنبأ وجوب التَّبَيُّن بالنسبة إِلَىٰ الحصص الأخرى لطبيعي النبأ الَّتِي لم يتحقق فيها الشَّرط، بل وجوب التبيّن بالنسبة إِلَىٰ خصوص ذاك الَّذِي تحقق فيه الشَّرط كما هو واضح، وليس ذلك إِلَّا باعتبار نكتة انحلال الموضوع والمحمول (أَيْ: الشَّرط والجزاء) وتطابق هذين الانحلالين وكون انحلال الحكم بتبع انحلال الموضوع انحلالاً له بما هو معلَّق ومشروط لا بما هو هو وبذاته.
هذا تمام الكلام في الصيغة الأولى للإشكال الثَّانِي في المقام، وهي الَّتِي ذكرها المحقق الأصفهاني & وأجاب عنها، وقد عرفتَ أَنَّهُ لا الجوابُ صحيحٌ ولا أصل الإشكال.
وأما الصيغة الثانية للإشكال فهي الَّتِي ذكرها السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & وأجاب عنها، وهي ترجع بروحها إِلَىٰ نفس ما قاله المحقق الأصفهاني & لكن مع تطويره إِلَىٰ صيغة أفضل، حيث قال &: إِن موضوع القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة في الآية إما هو طبيعي النبأ، وإما هو نبأ الفاسق بالخصوص، وكلا الشِّقَّين فيه محذور:
فإن كان الأول لزم منه الإشكال الَّذِي ذكره المحقق الأصفهاني &، وهو أَنَّهُ متى ما جاء فاسقٌ بنبأٍ وجب التَّبَيُّن عن طبيعي النبأ الشامل حَتَّىٰ لخبر العادل، وهو باطل كما عرفت.
وإن كان الثَّانِي فبانتفاء الشَّرط ينتفي الموضوع أيضاً فيكون من باب السالبة بانتفاء الموضوع؛ إذ يكون مفاد الآية بناءً عَلَىٰ هذا: >نبأ الفاسق إِن جاءكم به الفاسق فتبيّنوا< وهذه قضية شرطية مسوقة لتحقيق الموضوع، فلا مفهوم لها؛ لأَنَّ مجيء الفاسق بالنبأ يكون محقّقاً للموضوع وهو نبأ الفاسق.
قال & في مقام بيان الإشكال بكلا شِقَّيْهِ بعنوان التوهّم:
>إنه لو كان الموضوع طبيعي النبأ وكان مجيء الفاسق به شرطا للحكم (وهذا هو الشق الأول) لزم التَّبَيُّن عن كُلّ نبأ حَتَّىٰ نبأ العادل فيما إذا تحقق في الخارج نبأ الفاسق؛ إذ المفروض أَن وجوب التَّبَيُّن ثابت لطبيعي النبأ عَلَىٰ تقدير تحقق نبأ الفاسق، إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه وبما أَن ذلك باطل قطعا، يتعين أَن يكون الموضوع في الآية نبأ الفاسق عَلَىٰ نحو التقييد وهذا هو الشق الثَّانِي، فلا يبقى للقضية مفهومٌ<.
ثُمَّ أصبح & بصدد الإجابة والرد عَلَىٰ هذا التوهم فقال:
إِن القيود تختلف من حيث رجوعها إِلَىٰ الموضوع أو الحكم، حيث أَن القيد:
تارةً رجع (بحسب ظاهر القضية) إِلَىٰ الموضوع، كما في موارد التوصيف (كقولنا: أكرم العالم العادل).
وأخرى يرجع (بحسب حكم العقل) إِلَىٰ الموضوع، كما في موارد توقف الحكم عقلا عَلَىٰ القيد (كقولنا: إِن رزقت ولدا فاختنه).
وثالثة لا يكون شيء من الأمرين، فيرجع القيد إِلَىٰ الحكم، ويثبت المفهوم، أي: أَنَّهُ بانتفائه ينتفي الحكم من دون أَن ينتفي الموضوع.
إذن، فالقيود تختلف في رجوع بعضها إِلَىٰ الموضوع وبعضها إِلَىٰ الحكم، إِلَّا أَن هذا الاختلاف إِنَّمَا هو بحسب مقام الإثبات والتعبير، وأما بحسب مقام الثبوت والواقع فكل القيود لَا بُدَّ من أَن ترجع إِلَىٰ الموضوع، فحتى ما هو قيد للحكم إثباتاً قيد للموضوع ثبوتاً؛ لاستحالة ثبوت الحكم المقيَّد عَلَىٰ الموضوع المطلق، وهذا هو معنى ما يقال من أَن قيود الحكم ترجع إِلَىٰ قيود الموضوع لا محالة، وعليه ففي المقام نلاحظ أَن الشَّرط والقيد (وهو كون المُخبِر فاسقاً) وإن كان قيدا للحكم بحسب مقام الإثبات، حيث أَن المستظهر من سياق اللفظ والتعبير هو أَن الموضوع عبارة عن طبيعي النبأ (أَيْ: الشق الأول) وأن الشَّرط قيد للحكم (أَيْ: لوجوب التَّبَيُّن) لا للموضوع (أَيْ: النبأ)؛ إذ لا هو وصف للموضوع كما هو واضح، ولا هو مِمَّا يتوقف عليه الحكم عقلاً؛ لوضوح أَن وجوب التَّبَيُّن عن النبأ لا يتوقف عقلا عَلَىٰ كون المخبر به فاسقا، إذن فهو قيد للحكم، إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه لكن هذا إِنَّمَا هو بحسب مقام الإثبات، فتخرج القضية إذن عن كونها مسوقة إثباتاً لبيان الموضوع، لكن بحسب مقام الثبوت يكون الشَّرط قيداً للموضوع ايضا، لما قلناه من استحالة ثبوت الحكم المقيّد عَلَىٰ الموضوع المطلق، وعليه فالحكم بوجوب التَّبَيُّن موضوعه ثبوتاً ليس عبارة عن طبيعي النبأ، بل هو نبأ الفاسق. إذن، فحينا يجيء الفاسق بنبأ يجب التَّبَيُّن عن نبأ الفاسق بالخصوص، لا عن كُلّ نبأٍ حَتَّىٰ نبأ العادل، كي يرد الإشكال، ونظير هذا قوله: >إذا كان الماء قدر كّر لم ينجّسه شيء<؛ فَإِنَّهُ لا يقتضي عدم تنجّس كُلّ ماءٍ عندما يتّصف فرد من الماء بالكرية، بل مقتضاه عدم انفعال الكرّ بالخصوص؛ لأَنَّ القيد (أَيْ: الكرّيّة) قيد للموضوع ثبوتاً.
وتأتي تتمة الحديث في اليوم الدراسي القادم إِن شاء اللـه تعالى والحمد للـه رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo