< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

35/03/27

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: آية النبأ/الكتاب/أدلة الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

إذن، فالقيود تختلف في رجوع بعضها إِلَىٰ الموضوع وبعضها إِلَىٰ الحكم، إِلَّا أَن هذا الاختلاف إِنَّمَا هو بحسب مقام الإثبات والتعبير، وأما بحسب مقام الثبوت والواقع فكل القيود لَا بُدَّ من أَن ترجع إِلَىٰ الموضوع، فحتى ما هو قيد للحكم إثباتاً قيد للموضوع ثبوتاً؛ لاستحالة ثبوت الحكم المقيَّد عَلَىٰ الموضوع المطلق، وهذا هو معنى ما يقال من أَن قيود الحكم ترجع إِلَىٰ قيود الموضوع لا محالة، وعليه ففي المقام نلاحظ أَن الشَّرط والقيد (وهو كون المُخبِر فاسقاً) وإن كان قيدا للحكم بحسب مقام الإثبات، حيث أَن المستظهر من سياق اللفظ والتعبير هو أَن الموضوع عبارة عن طبيعي النبأ (أَيْ: الشق الأول) وأن الشَّرط قيد للحكم (أَيْ: لوجوب التَّبَيُّن) لا للموضوع (أَيْ: النبأ)؛ إذ لا هو وصف للموضوع كما هو واضح، ولا هو مِمَّا يتوقف عليه الحكم عقلاً؛ لوضوح أَن وجوب التَّبَيُّن عن النبأ لا يتوقف عقلا عَلَىٰ كون المخبر به فاسقا، إذن فهو قيد للحكم، لكن هذا إِنَّمَا هو بحسب مقام الإثبات، فتخرج القضية إذن عن كونها مسوقة إثباتاً لبيان الموضوع، لكن بحسب مقام الثبوت يكون الشَّرط قيداً للموضوع ايضا، لما قلناه من استحالة ثبوت الحكم المقيّد عَلَىٰ الموضوع المطلق، وعليه فالحكم بوجوب التَّبَيُّن موضوعه ثبوتاً ليس عبارة عن طبيعي النبأ، بل هو نبأ الفاسق. إذن، فحينا يجيء الفاسق بنبأ يجب التَّبَيُّن عن نبأ الفاسق بالخصوص، لا عن كُلّ نبأٍ حَتَّىٰ نبأ العادل، كي يرد الإشكال، ونظير هذا قوله: >إذا كان الماء قدر كّر لم ينجّسه شيء<؛ فَإِنَّهُ لا يقتضي عدم تنجّس كُلّ ماءٍ عندما يتّصف فرد من الماء بالكرية، بل مقتضاه عدم انفعال الكرّ بالخصوص؛ لأَنَّ القيد (أَيْ: الكرّيّة) قيد للموضوع ثبوتاً.
والحاصل أَن المتوهِّم قد خَلَط بين رجوع القيد إِلَىٰ الموضوع إثباتاً ورجوعه إليه ثبوتا، فَتَوَهَّم أَن القيد الَّذِي لا يرجع إِلَىٰ الموضوع إثباتا لا يرجع إليه ثبوتاً أَيْضاً، ولذا قال: إنه يلزم وجوب التَّبَيُّن عن كُلّ نبأ (حَتَّىٰ نبأ العادل) إذا جاء فاسق بنبأ.
وحاصل جوابه & هو أَنَّنَا نختار الشق الأول دون الثَّانِي؛ فالموضوع بحسب مقام الدلالة والإثبات ليس عبارة عن المقيَّد (أَيْ: نبأ الفاسق) كي تكون القضية مسوقة لبيان الموضوع ويكون انتفاء الحكم بانتفاء القيد والشرط سالبة بانتفاء الموضوع وَبِالتَّالِي لا يبقى للقضية مفهوم، بل الموضوع هو المطلق (أَيْ: طبيعي النبأ)، إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه وأما الشَّرط (أَيْ: مجيء الفاسق بالنبأ) فليس دخيلا في الموضوع بحسب مقام الإثبات، بل هو شرط وقيد للحكم، فمتى ما تحقق الشَّرط يثبت الحكم ويجب التَّبَيُّن إِلَّا أَن هذا لا يعني أَنَّهُ يجب التَّبَيُّن حِينَئِذٍ عن ذاك الطَّبِيعِيّ المطلق كي يرد الإشكال ويقول: إذن يلزم وجوب التَّبَيُّن حَتَّىٰ عن أخبار العدول، بل يجب التَّبَيُّن عن خبر الفاسق؛ لأَنَّ الشَّرط وإن لم يكن دخيلا في الموضوع إثباتا كما عرفت، لكنه دخيل فيه ثبوتاً ولبّاً، فكل شرط في القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة هو قيد لموضوع الحكم ببرهان لزوم رجوع القيود إِلَىٰ الموضوع واستحالة كون موضوع الحكم المقيد مطلقاً، وعليه فيستحيل أَن يكون للموضوع (أَيْ: للنبأ الَّذِي يجب التَّبَيُّن عنه عند مجيء الفاسق بالنبأ) إطلاق لنبأ العادل؛ لِأَنَّهُ نبأ مقيّد بقيد الحكم لباً وثبوتاً، وإن كان قد وضع القيد لساناً وإثباتاً للحكم، لا للموضوع.
إِلاَّ أَن هذا الجواب غير صحيح؛ إذ يرد عليه:
أَوَّلاً: أَن ما ذكره & من رجوع كُلّ القيود إِلَىٰ الموضوع لبّاً وثبوتاً صحيح فيما إذا أريد بالموضوع ما يؤخذ مفروض الوجود في مقام الجعل، وهو اصطلاح أسَّسه المحقق النائيني، فكل القيود في الحكم المجعول عَلَىٰ نهج القضية الحقيقية لا بد من أَن تكون مفروضة الوجود في مقام جعل الحكم، فالموضوع بهذا المعنى يَصِحّ فيه ما ذكره & من ضرورة رجوع القيود ثبوتاً إليه بالبرهان، وهو ينطبق عَلَىٰ الشَّرط أيضاً؛ فَإِنَّ الشَّرط في القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة لَا بُدَّ من أَن يكون أَيْضاً مفروض الوجود في المرتبة السَّابِقَة عَلَىٰ الجعل؛ ضرورةَ استحالة أَن يَجعل المولى وجوباً للتبيّن عن النبأ مشروطاً بمجيء الفاسق بالنبأ من دون أَن يكون قد فرض في الرتبة السَّابِقَة مجيء الفاسق بالنبأ كما هو واضح، إِلَّا أَن الموضوع بهذا المعنى غير الموضوع المراد والمبحوث عنه في المقام؛ فَإِنَّ المراد والمبحوث عنه هنا هو الموضوع بالمعنى المقابل للشرط، وهو بهذا المعنى لا برهان عَلَىٰ رجوع كُلّ القيود إليه لبّاً وثبوتاً، فَمَن قال: إنه لَا بُدَّ من أَن يرجع كُلّ قيد إِلَىٰ وصفٍ للموضوع بالمعنى المقابل للشرط؟ بل بالإمكان جعلا لحكم المشروط بشرطٍ عَلَىٰ موضوعٍ مطلق، إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه بحيث يكون حكم ذلك الموضوع نفس القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة كما إذا قال: >إِن زالت الشمس وجبت الصلاة<، بحيث يكون وجوب الصلاة المشروط بزوال الشمس مجعولاً عَلَىٰ مطلق المكلف حَتَّىٰ الَّذِي لم تزل عليه الشمس، فالموضوع بالمعنى المقابل للشرط هنا هو عبارة عن المكلف، ولا برهان عَلَىٰ ضرورة رجوع >زوال الشمس< إِلَىٰ وصفٍ وقيد للمكلَّف، بحيث يكون الحكم مجعولاً عَلَىٰ خصوص المكلف الَّذِي زالت عليه الشمس. نعم، زوال الشمس لَا بُدَّ من رجوعه إِلَىٰ الموضوع بالمعنى الأول (أَيْ: ما فرض وجوده في مقام جعل الحكم، ضرورةَ استحالة أَن يجعل المولى وجوباً للصلاة مشروطاً بالزوال من دون أَن يكون قد فرض وجود الزوال، إِلَّا أَن هذا كما عرفت اصطلاح آخر للموضوع غير الَّذِي نتكلم عنه. وعليه ففي المقام من الممكن أَن يكون المولى إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه قد جعل وجوبا للتبين مشروطاً بمجيء الفاسق بالنبأ عَلَىٰ موضوع مطلق وهو طبيعي النبأ (وهذا هو الشق الأول من الإشكال). وَحِينَئِذٍ يعود الإشكال الَّذِي كان السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & بصدد الإجابة عنه، وهو أَنَّهُ يلزم التَّبَيُّن عن كُلّ نبأ حَتَّىٰ نبأ العادل فيما إذا تحقق في الخارج نبأ الفاسق؛ إذ المفروض أَن وجوب التَّبَيُّن المعلَّق والمشروط ثابت لطبيعي النبأ؛ إذ لا استحالة في أَن يكون لهذا الموضوع المبحوث عنه في المقام إطلاقٌ لنبأ العادل كما هو واضح.
وثانيا: أَنَّهُ حَتَّىٰ لو سلّمنا قيام برهان عَلَىٰ ما أفاده & من أَن كُلّ قيد وحيثية تعليلية للحكم لَا بُدَّ من أَن يكون قيداً وحيثية تقييدية للموضوع بالمعنى المبحوث عنه في المقام (أَيْ: ما يقابل الشَّرط)؛ فَإِنَّهُ مع ذلك لا يَتُمُّ جوابه & عن الإشكال، بل يبقى الإشكال؛ وذلك لأَنَّ البرهان المفتَرض لا يقتضي سوى تقييد الموضوع بمقدار القيد لا أكثر، فلنفرض أَن البرهان قائم عَلَىٰ أَن الشَّرط الَّذِي هو قيد وحيثية تعليلية للحكم لَا بُدَّ من أَن يكون أَيْضاً قيداً وحيثيةً تقييدية للموضوع، فيتقيّد الموضوعُ بمقدار الشَّرط لا أكثر. وصاحب الإشكال في المقام يدّعي أَن الشَّرط الَّذِي هو القيد والحَيْثِيَّة التَّعْلِيلِيَّةُ لوجوب التَّبَيُّن عن النبأ عبارة عن مجيء الفاسق بطبيعي النبأ، وهذا يتحقق بصرف مجيء فاسق بنبأٍ. إذن، يكون هذا المقدار هو الَّذِي يجب أَن يُؤخذ (لُبّاً وثبوتاً) قيداً وحيثيّةً تقييدية للموضوع (أَيْ: النبأ) لا أكثر من هذا المقدار. والنتيجة حِينَئِذٍ تكون عبارة عن أَن الحكم هو وجوب التَّبَيُّن، وموضوعه وإن لم يكن عبارة عن طبيعي النبأ، بل أصبح مقيّداً بمجيء فاسقٍ بنبأٍ في الجملة، لكن هذا معناه كفاية مجيء فاسق بطبيعي النبأ لوجوب التَّبَيُّن عن كُلّ نبأٍ حَتَّىٰ نبأ العادل، فكأنه قال: النبأ إِن جاء به في الجملة فاسق يجب التَّبَيُّن عنه حَتَّىٰ إذا جاء به عادل، نظير ما إذا قال: إذا نزل المطر فأكرم الفقير، وقلنا: إِن الشَّرط وهو نزول المطر الَّذِي إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه هو قيد للحكم (أَيْ: وجوب الإكرام) قيد للموضوع أَيْضاً (أَيْ: الفقير)؛ فَإِنَّ هذا معناه أَن الفقير مقيّد بمجيء طبيعيّ المطر في الجملة، وليس مقيَّداً بأكثر من ذلك (أَيْ: مجيء أمطار بعدد الفقراء)، فحتى إذا لم تنزل أمطار بعدد الفقراء بل نزل طبيعيّ المطر في الجملة؛ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكون الموضوع قد تحقَّق، ويثبت حكمه وهو وجوب إكرام كُلّ فقير؛ ففي ما نحن فيه أَيْضاً ما دام قد جاء فاسق بنبأ في الجملة، إذن فقد تحقق موضوع الحكم وَحِينَئِذٍ يثبت الحكم وهو وجوب التَّبَيُّن عن كُلّ نبأ حَتَّىٰ نبأ العادل، إذن فقد عاد الإشكال ولم ينحلّ.
هذا تمام الكلام في الصيغة الثانية للإشكال الثَّانِي في المقام، وهي الَّتِي ذكرها السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & وأجاب عنها، وقد عرفتَ عدمَ تماميّة جوابِه.
وللحديث صلة تأتي إِن شاء اللـه في اليوم القادم والحمد للـه رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo