< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

35/04/01

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: آية النبأ/الكتاب/أدلة الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

وأما المقام الثَّانِي:
وهو الكلام حول ثبوت المانع الَّذِي منع عن تأثير المقتضي بعد تسليم أصل وجود المقتضي وتمامية الظهور الاقتضائي للآية في المفهوم ففيه بحثان:
البحث الأول: حول المانع الداخلي الْمُتَّصِل بالآية الَّذِي يمنع عن انعقاد الظهور الفعلي للآية في المفهوم.
البحث الثَّانِي: حول المانع الخارجي المنفصل عن الآية الَّذِي يمنع عن حجّيّة الظهور بعد افتراض فعلية الظهور في المفهوم.
أما البحث الأول: فحاصله هو أَن الشَّيْخ الأنصاري & ذكر أَن هناك مانعاً داخلياً يهدم أصل الظهور للآية في المفهوم ويمنع عن فعليته بعد فرض وجود المقتضي للمفهوم فيها، والمانع عبارة عن عموم التعليل المذكور في ذيل الآية الشريفة المباركة {أَن تصيبواً قوماً بجهالة فتصبحوا عَلَىٰ ما فعلتم نادمين} حيث أَن هذا التعليل بيان لنكتة وجوب التَّبَيُّن وهي عبارة عن الجهل بالواقع وعدم العلم به، فتكون الإصابةُ إصابةً بجهالة، ومن الواضح ان هذه النكتة (أَيْ: خوف الإصابة عن جهلٍ بالواقع وعدم العلم به) عامّة وموجودة في كُلّ خبر غير قطعي وكل أمارة غير علمية وإن كان خبر العادل، ولا تختصّ بخبر الفاسق، وهذا معناه وجوب التَّبَيُّن حَتَّىٰ في خبر العادل وعدم حجيته. إذن، فعموم التعليل مانع عن دلالة الآية بمفهومها عَلَىٰ حجّيّة خبر العادل. وبعبارة أخرى: يكون عموم التعليل الوارد في ذيل الآية قرينة عَلَىٰ إلغاء المفهوم، ولا أقلّ من معارضته له، فيوجب الإجمال، فلا يبقى ظهور فعليّ للآية في المفهوم؛ نظراً إِلَىٰ وجود هذا التعليل المتّصل بالكلام.
وإن شئت قلت: إِن مورد نزول الآية وإن كان هو إخبار الوليد بارتداد بني المصطلق، إِلَّا أَن موضوع القضية المذكورة في الآية هو نبأ الفاسق لا خصوص نبأ الوليد، وعليه فكر >إصابة القوم بجهالة< في مقام التعليل إِنَّمَا هو لمناسبة المورد باعتبار أَن الوليد أَخبَر عن حال قومٍ وارتدادهم، وإلا فإنّ الفاسق لا يُخبر دائماً عن حال قومٍ، بل ربما يخبر عن حال شخصٍ، أو ملكية فردٍ أو جهةٍ، أو كرّيّة ماءٍ أو طهارته ونحو ذلك، فالمراد من >إصابة القوم بجهالة< هو مطلق الوقوع في المفسدة الَّتِي يعقبها الندم، وحي أَن العمل بخبر الفاسق لا يستلزم الوقوع في المفسدة دائماً، فالمراد بالتعليل هو أَن الأخذ بخبر الفاسق والعمل به يكون في معرض الوقوع في المفسدة بسبب الجهل وعدم العلم بمطابقته للواقع، وهذه العلة جارية وسارية في خبر العادل أَيْضاً؛ لِأَنَّهُ وإن كان عادلاً لا يتعمّد الكذب، إِلَّا أَن عدالته لا تمنع عن احتمال غفلته واشتباهه، فالعمل به أَيْضاً يكون في معرض الوقوع في المفسدة لعدم العلم بمطابقة ما أخبر به للواقع. فعموم التعليل قرينة قطعية عَلَىٰ عدم إرادة المفهوم، ولا أقل من كونه صالحاً للقرينيّة، فلا ينعقد للقضية ظهور في المفهوم.
وهناك عدة أجوبة عن هذا المانع نختار منها ما يلي:
الجواب الأول: أَن المفهوم أخص من عموم التعليل؛ لأَنَّ المفهوم يختص بخبر العادل غير القطعي، بينما التعليل عامّ يشمل كُلّ خبر غير قطعي، فيُخصَّص التعليل بالمفهوم. فالتعارض هنا وإن وقع بين >المفهوم< و>عموم التعليل<، حيث أَن الأول يقتضي حجّيّة خبر العادل، بينما الثَّانِي يقتضي عدم حجّيّته، إِلَّا أَن هذا التعارض إِنَّمَا هو بنحو العموم والخصوص المطلق، حيث أَن المفهوم يقتضي حجّيّة خصوص خبر العادل، بينما التعليل يقتضي عدم حجّيّة كُلّ خبر غير قطعي، سواء كان خبر العادل أم كان غيره، فيُقدَّم المفهوم بالأَخَصِّيَّة، وبذلك يثبت المفهوم لهذه الآية.
والحاصل أَن نكتة الأخصيّة توجب انهدام ظهور التعليل في العموم، وبذلك يرتفع المانع الداخلي المذكور.
وقد اعترض السَّيِّدُ الأُسْتَاذُ الْخُوئِيُّ & عَلَىٰ هذا الجواب بأن التعارض هنا في الواقع إِنَّمَا هو بين العموم والإطلاق، حيث أَن دلالة القضية عَلَىٰ المفهوم إِنَّمَا هي بواسطة مقدمات الحكمة (عَلَىٰ ما تقدم في بحث المفاهيم من أَن قوام المفهوم إِنَّمَا هو بالإطلاق) حيث أَن أحد ركنيه عَلَىٰ الأقل (وهو الركن القائل بأن المعلَّق عَلَىٰ الشَّرط أو الوصف أو غيرهما هو طبيعيّ الحكم لا شخصه) إِنَّمَا يَتُمُّ من خلال الإطلاق ومقدمات الحكمة، إذن، إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه فيدخل المورد في موارد المعارضة بين العموم والإطلاق إذا كانا في كلام واحد، وفي مثله يُقدَّم العموم عَلَىٰ الإطلاق؛ لأَنَّ العموم إِنَّمَا هو بالوضع، بينما الإطلاق إِنَّمَا هو بمقدمات الحكمة. إذن، في المقام يثبت تقديم عموم التعليل عَلَىٰ المفهوم، فلا يكون للآية مفهوم.
أقول: إِن هذا الاعتراض غير صحيح؛ لأَنَّ المورد ليس من موارد التعارض بين العموم والإطلاق؛ فَإِنَّ دلالة القضية عَلَىٰ المفهوم وإن كانت بالإطلاق، إِلَّا أَن دلالة التعليل ليست بالوضع، بل هي أَيْضاً بالإطلاق؛ إذ ليس في الآية الشريفة أيّ أداةٍ من أدوات العموم، وكأنّ منشأ هذا الالتباس والاشتباه الغريب الصادر من السَّيِّدِ الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ & هو تعبير الشَّيْخ الأعظم الأنصاري & بعموم التعليل؛ فَإِنَّ استعمال لفظة >العموم< من قِبَلِ الشَّيْخ & أوجبت لدى السَّيِّدِ الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ & تصوّر أَن التعليل له عموم (بالمعنى المصطلح للعموم المقابل للإطلاق)، ولذا دخل & في بحث احتياج العامّ إِلَىٰ مقدمات الحكمة، وقال: إِنَّنَا قد بيَّنا في محلّه أَن شمول مدخول أداة العموم ليس مستنداً إِلَىٰ مقدمات الحكمة؛ لأَنَّ نفس الأداة مصرّحة بالشمول، فلذا يُقدَّم عموم التعليل هنا عَلَىٰ المفهوم؛ لِأَنَّهُ بالوضع بخلاف المفهوم الَّذِي هو بالإطلاق. بينما الواقع هو أَن هذا البحث لا ربط له بالمقام؛ إذ ليس للتعليل هنا عموم وضعي، وَإِنَّمَا يَدُلُّ التعليل عَلَىٰ الشمول بالإطلاق. وأما تعبير الشَّيْخ & بعموم التعليل فيراد به شمول التعليل لخبر العادل وعدم اقتصاره عَلَىٰ مورد الحكم المعَلَّل وهو خبر الفاسق، ومن الواضح أَن هذا الشمول أَيْضاً إِنَّمَا هو بالإطلاق حيث أَن قوله تعالى: {أَن تصيبوا قوماً بجهالة...} يَدُلُّ بالإطلاق عَلَىٰ عدم الفرق بين خبر غير قطعي وخبر آخر غير قطعيّ؛ لنكتة واحدة. إذن، فليس التعليل عامّاً وضعياً كي يُقدَّم عَلَىٰ الإطلاق في جانب المفهوم.
وعليه، فاعتراض السَّيِّدِ الأُسْتَاذِ الْخُوئِيِّ & عَلَىٰ الجواب الأول غير تامّ.
والصحيح في ردّ هذا الجواب ما يلي:
أَوَّلاً: أَن هذا الجواب إِنَّمَا يَتُمُّ فيما إذا انعقد للكلام ظهور في المفهوم يَدُلُّ عَلَىٰ حجّيّة خبر العادل غير القطعي، وعارضه عموم يَدُلُّ عَلَىٰ عدم حجّيَّة كُلّ خبر غير قطعي؛ فَإِنَّ المفهوم حِينَئِذٍ يخصِّص ذاك العموم، وأما في المقام فلا ينعقد للكلام ظهور في المفهوم بسبب كون المفهوم متصلاً بالتعليل الصالح للقرينية عَلَىٰ عدم انحصار علة وجوب التَّبَيُّن بالشرط أو الوصف وهو كون الخبر خبر فاسق، وَحِينَئِذٍ فلا ينعقد الظهور في المفهوم لكي يكون مخصِّصاً.
ثانياً: أَنَّنَا لو تنزّلنا عن ذلك وَسَلَّمْنَا بانعقاد الظهور في المفهوم، وسلّمنا أَيْضاً بِأَخَصِّيَّة المفهوم، مع ذلك نقول: إِن هذه الأخصية إِنَّمَا تكون موجبةً لتقديم المفهوم عَلَىٰ عموم التعليل باعتبار قرينيّتها العرفية فيما إذا لم يكن في التعليل ملاك آخر للقرينية العرفيّة أقوى من قرينيّة الأخصية؛ فَإِنَّ نكتة تقديم الْخَاصّ عَلَىٰ العام إذا كانت عبارة عن نفس الأَخَصِّيَّة فَإِنَّهَا إِنَّمَا تكون نكتةً للتقديم بلحاظ قرينيّتها في نظر العرف، وهذه القرينية العرفية إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه إِنَّمَا توجب التَّقْدِيم عرفاً إذا لم تكن في قبالها قرينية أخرى أقوى منها، وفي المقام يوجد في عموم التعليل ملاك أقوى للقرينية عند العرف، وهو كون التعليل ناظراً إِلَىٰ الحكم المعلَّل، فيكون حاكماً عَلَىٰ مفاد القَضِيَّة الشَّرْطِيَّة أو الوصفية، وَإِنَّمَا نقول: إِن قَرِينِيَّةَ النَّظَرِ مرجعها إِلَىٰ جعل القرينة من قِبَل شخص المُتَكَلِّم في حين أَن قَرِينِيَّة الأَخَصِّيَّة مرجعها إِلَىٰ جعل القرينة مِن قِبَل العرف، ولا شك في تقديم الأول عند العرف؛ لأَنَّ العرف إِنَّمَا يجعل شيئا قرينةً في كلام المُتَكَلِّم عَلَىٰ مرامه ما لم يجعل شخص المُتَكَلِّم في كلامه قرينةً تبيّن مقصوده، وإلا فإن العرف يرى أَن ما جعله المُتَكَلِّم قرينة يكون هو القرينة دون غيره.
وللكلام تتمة تأتي إِن شاء اللـه في اليوم القادم والحمد للـه رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo