< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

35/04/08

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: آية النبأ/الكتاب/أدلة الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

والحاصل أَن عموم التَّعْلِيل في المقام مفاده العرفي هو تعميم وجوب التَّبَيُّن، وإلغاء خصوصية المورد (أَيْ: خبر الفاسق)، وبيان أَن السبب في وجوب التَّبَيُّن هو مخافة إصابة قومٍ بجهالة، ومثل هذا يقتضي عدم حجّيّة خبر العادل غير العلمي، وَحِينَئِذٍ يكون معارضاً للمفهوم الَّذِي يقتضي حجيته، ولا يكون المفهوم مخصِّصاً له.
رابعاً: أَن أَخَصِّيَّة المفهوم ممنوعة؛ فَإِنَّ التعارض بين >المفهوم< و>التَّعْلِيل< إِنَّمَا هو بنحو العموم من وجه، وذلك بناءً عَلَىٰ اشتمال المفهوم عَلَىٰ السالبة بانتفاء الموضوع والسالبة بانتفاء المحمول؛ فَإِنَّنَا إذا بنينا عَلَىٰ ذلك وقلنا: إِن مفهوم الآية عبارة عن أَنَّهُ عند عدم مجيء فاسق بنبأٍ لا يجب التَّبَيُّن، سواء لم يجئ أحد بنبأٍ أو جاء عادل بنبأٍ، فسوف تكون حجّيّة خبر العادل مستفادة من إطلاق المفهوم، وَحِينَئِذٍ يقال بأن التعارض إِنَّمَا هو بين إطلاق التَّعْلِيل وإطلاق المفهوم، لا أصل المفهوم، والنسبة حِينَئِذٍ هي العموم من وجه، فلا أَخَصِّيَّة في البين؛ إذ كما أَن التَّعْلِيل ادال عَلَىٰ وجوب التَّبَيُّن مطلقٌ يشمل خبر العادلِ وخبرَ الفاسقِ، إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه كذلك المفهومُ الدال عَلَىٰ عدم وجوب التَّبَيُّن مطلقٌ يشمل فرضَ مجيء العادل بالنبأِ ويشمل فرض عدم مجيء نبأٍ أصلاً، فيفترق المفهوم عن التَّعْلِيل في فرض عدم مجيء نبأٍ أصلاً، حيث يَدُلُّ المفهوم في هذا الفرض عَلَىٰ عدم وجوب التَّبَيُّن، ويفترق التَّعْلِيل عن المفهوم في فرض مجيء الفاسق بالنبأ، حيث يَدُلُّ التَّعْلِيل في هذا الفرض عَلَىٰ وجوب التَّبَيُّن، ويجتمعان معاً في فرض مجيء العادل بالنبأ، حيث يَدُلُّ المفهوم عَلَىٰ عدم وجوب التَّبَيُّن، ويدل التَّعْلِيل عَلَىٰ وجوب التَّبَيُّن. إذن، دعوى الأَخَصِّيَّة غير تامَّة.
وعليه فالجواب الأول عَلَىٰ المانع الداخلي الْمُتَّصِل بالمفهوم وهو أَن المفهوم أخصّ، جواب غير صحيح.
الجواب الثَّانِي: أَن المفهوم حاكم عَلَىٰ عموم التَّعْلِيل، وهذا هو جواب المحقق النائيني ومدرسته بناءً منهم عَلَىٰ أَن معنى جعل الْحُجِّيَّة هو جعل العلمية؛ فَإِنَّهُ عَلَىٰ هذا المبنى سوف يكون المفهوم الدال عَلَىٰ حجّيّة خبر العادل دالاً عَلَىٰ أَن خبر العادل علمٌ، فيكون حاكماً عَلَىٰ التَّعْلِيل الدَّالّ عَلَىٰ عدم حجّيّة كُلّ خبر غير عِلْمِيّ؛ لِأَنَّهُ ينفي موضوعه تَعَبُّداً أو يُخرج خبر العادل عن الخبر غير الْعِلْمِيّ إخراجاً تَعَبُّدِيّاً ويقول: إِن العمل بخبر العادل ليس عملاً بجهالة بل هو عمل بالعلم. والحاصل أَن المفهوم عَلَىٰ تقدير ثبوته يكون حاكماً عَلَىٰ عموم التَّعْلِيل ورافعاً لموضوعه، فكيف يكون العموم مانعاً عن انعقاد ظهور القضية في المفهوم؟ فإن القضية الحقيقية لا تتكفّل إثباتَ موضوعِها، بل إِنّ إحراز الموضوع لَا بُدَّ من أَن يكون من الخارج، فإذا ورد دليل يُخرج فرداً عن موضوع الْعَامّ، فلا يُعقل أَن يكون الْعَامّ مانعاً عنه؛ لأَنَّ شمول الْعَامّ لفردٍ متوقّفٌ عَلَىٰ عدم ثبوت دليلٍ حاكمٍ يُخرج ذاك الفرد عن موضوع الْعَامّ، والمقام من هذا القبيل؛ إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه فَإِنَّ التَّعْلِيل قضية حقيقية عامّة تَدُلّ عَلَىٰ ثبوت وجوب التَّبَيُّن عَلَىٰ الموضوع المفروض وجوده، وهو >الخبر غير الْعِلْمِيّ<، ولا يتكفّل هو بيانَ أنّ أيّ خبر هو علميّ وأيّ خبر هو غير عِلْمِيّ، في حين أَن المفهوم يقول: إِن خبر العادل علمٌ (بناء عَلَىٰ مبنى جعل العلمية) وَحِينَئِذٍ فسوف لا يكون التَّعْلِيل الْعَامّ مانعاً عن ذلك ومنافياً له.
نعم، لو وقع (في موردٍ) التنافي بين العموم وعموم التَّعْلِيل أمكن القولُ بكون العموم مانعاً عن المفهوم، كما لو قيل: >إِن كان هذا رمّاناً فلا تأكله؛ لِأَنَّهُ حامض<؛ فَإِنَّ عموم التَّعْلِيل فيه يمنع عن أكل كلّ حامضٍ وإن لم يكن رمّاناً في حين أَن مفهوم الشَّرط يقتضي جواز أكله إذا لم يكن رمّاناً، فيقع التنافي بينهما في الحامض غير الرّمان؛ لأَنَّ المفهوم هنا لا يقول: إِن غير الرّمان ليس حامضاً كي لا تكون هناك منافاة بينه وبين عموم التَّعْلِيل، أما في ما نحن فيه فليس الأمرُ كذلك؛ لأَنَّ المفهوم يقول: إِن خبر غير الفاسق علمٌ، فلا يتنافى مع عموم التَّعْلِيل القائل: إِن الخبر غير الْعِلْمِيّ ليس حجةً.
وبهذا البيان اتّضح أَنَّهُ لا يرد عَلَىٰ هذا الجواب ردُّنا الأول عَلَىٰ الجواب السَّابِق، وهو الرد القائل: إِن الجواب إِنَّمَا يَتُمُّ إذا انعقد للكلام ظهور في المفهوم في حين أَنه يوجد هنا في الكلام ما يصلح للقرينية عَلَىٰ عدم المفهوم، وهو التَّعْلِيل، إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه ومع وجوده لا ينعقد الظهور في المفهوم لكي يكون مخصِّصا؛ فَإِنَّ هذا الرد لا يتّجه إِلَىٰ هذا الجواب الثَّانِي (جواب المحقق النائيني ومدرسته)؛ لأَنَّ الميرزا لا يقول: إِن المفهوم أخص من التَّعْلِيل، بل يقول: إنه حاكم، والحكومة عنده ليست من موارد المعارضة والتنافي أصلا؛ لأَنَّ الحكومة عنده نفي الموضوع ونفي الموضوع لا يتنافى مع الدَّلِيل الَّذِي يُثبت حكماً عَلَىٰ ذاك الموضوع، فلا تنافيَ هنا أصلا عنده بين المفهوم وعموم التَّعْلِيل، كي يقال: إِن التَّعْلِيل صالح للقرينية عَلَىٰ عدم المفهوم؛ فَإِنَّ التَّعْلِيل إِنَّمَا يمنع عن انعقاد المفهوم لو كان منافياً له في حين أَن الميرزا يقول: إِن المفهوم حاكم ولا منافاة بين الحاكم والمحكوم عنده، وهذا بخلاف الجواب السَّابِق الَّذِي كان يتمسك بِأَخَصِّيَّة المفهوم من التَّعْلِيل لا بحكومته عليه؛ فَإِنَّ التنافي ثابت حِينَئِذٍ بينهما؛ ضرورةَ تنافي الْعَامّ والخاص، فكان يَصِحّ لنا أَن نقول في رده: إِن المفهوم إِنَّمَا يخصّص التَّعْلِيل فيما إذا انعقد للكلام ظهورٌ فيه في حين أَن هنا لا ينعقد للكلام ظهور فيه؛ لوجود ما يصلح للقرينيّة عَلَىٰ عدمه وهو التَّعْلِيل.
كما أَنَّهُ اتضح بهذا أَيْضاً عدم ورود اعتراض المحقق الأصفهاني & عَلَىٰ جواب الميرزا هذا؛ فَإِنَّهُ & بعد أَن سَلَّم بأصل صلاحيّة المفهوم للحكومة عَلَىٰ التَّعْلِيل ناقَشَ في هذه الحكومة قَائِلاً: إنها تستلزم الدَّوْر؛ لأَنَّ حكومة المفهوم عَلَىٰ التَّعْلِيل متوقّفة عَلَىٰ تمامية المفهوم وانعقاده وهذا بدوره متوقّف عَلَىٰ عدم تمامية عموم التَّعْلِيل وشموله لخبر العادل؛ إذ مع عمومه وشموله له لا ينعقد المفهوم؛ لاتصاله به، وعدم تمامية عموم التَّعْلِيل متوقف عَلَىٰ حكومة المفهوم عَلَىٰ التَّعْلِيل؛ فالحكومة هذه لا تكون إذن إِلَّا عَلَىٰ وجهٍ دائرٍ؛ فإن هذا الاعتراض غير وارد عَلَىٰ المحقق النائيني ومدرسته بناءً عَلَىٰ مبنى هذه المدرسة في الحكومة القائل بِأَنَّهَا لا ترجع في روحها إِلَىٰ >التخصيص بعد التعارض<، وَإِنَّمَا هي أمر في قبال التخصيص؛ حيث أَن الْخَاصّ ينفي الحكم المذكور في الْعَامّ في حين أَن الحاكم ينفي موضوع الحكم المذكور في المحكوم، فلا تعارض أَصلاً بين الحاكم والمحكوم، لا أَن هناك تعارضاً بينهما وقُدِّم أحدُهما عَلَىٰ الآخر بنكتةٍ من النكات، وعليه فنحن إذا سلّمنا (في المرتبة السَّابِقَة عَلَىٰ تلفيق الدَّوْر بِالنَّحْوِ المذكور) بأصل صلاحيّة المفهوم للحكومة عَلَىٰ التَّعْلِيل، وقلنا: إِن عموم التَّعْلِيل ليس فيه هذه الصلاحية المماثلة، وإن أحدهما ليس في رتبة الآخر، إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه كما هو مفروض كلام المحقق الأصفهانيّ & فَحِينَئِذٍ لا تعارض بين المفهوم وعموم التَّعْلِيل كي يفترض أَن تمامية المفهوم متوقّفة عَلَىٰ عدم تمامية العموم في التَّعْلِيل، بل المفهوم بنفسه حِينَئِذٍ يُفني هذا العمومَ، حيث أَن عموم التَّعْلِيل يقول: إِن الخبر غير الْعِلْمِيّ يجب التَّبَيُّن عنه ولا يجوز اتباعه في حين أَن المفهوم يقول: إِن خبر العادل علمٌ، فلا تنافي بين مدلول المفهوم ومدلول التَّعْلِيل كي يَتُمُّ التعارض بين الدلالتين. وإذا لم يكن هناك تعارض بينهما فلا مبرّر لسقوط دلالة المفهوم بسبب دلالة التَّعْلِيل عَلَىٰ العموم؛ فَإِنَّ هذا السقوط فرع التنافي والتعارض الَّذِي يوجب انتفاء الدلالة في فرض الاتصال وانتفاء حجيّتها في فرض الانفصال، أما مع عدم التنافي والتعارض فلا وجه للسقوط.
وللكلام تتمة تأتي إِن شاء اللـه في اليوم القادم والحمد للـه رب العالمين.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo