< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

35/04/15

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: آية النبأ/الكتاب/أدلة الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول

ولا يخفى أَن هذا الكلام يرجع بروحه إِلَىٰ إنكار حجّيّة مثبتات الأمارة ولوازمها بناءً عَلَىٰ مبنى جعل الْعِلْمِيَّة وَالطَّرِيقِيَّةِ. اللهم إِلَّا أَن يقال بناء عَلَىٰ هذا المبنى: إِنَّنَا إذا فهمنا من دليل حجّيّة الأمارة أَنَّها إِنَّمَا جُعلت علماً وطريقاً بما لها من كاشفية تكوينية، وكانت كاشفيتها عن الشَّيْء وعن ملازمه عَلَىٰ حد سواء. إذن، فجعل الْعِلْمِيَّة وَالطَّرِيقِيَّة يَتُمُّ بلحاظ كلا الأمرين المتلازمين؛ فخبر العادل كما هو كاشف عما أخبرَ به كذلك هو كاشف عن أَنَّهُ سوف لن يحصل الندم، فنكون عالِمين تَعَبُّداً بالمخبَر به وبعدم الندم، وَحِينَئِذٍ تتمّ حكومة المفهوم عَلَىٰ عموم التَّعْلِيل كما ادعاها المحقق النائيني.
وأما إِن كان المقصود بالندم هو الثَّانِي (أَيْ: أَن علة وجوب التَّبَيُّن هو خوف الندم) الحاصل بعد تبين مخالفة خبر الفاسق للواقع عَلَىٰ مخالفة الحكم الواقعي المولويّ المتنجِّز الموجبة لاستحقاق العقاب (وبعبارة أخرى: خوف الندم لأجل العقاب) فأيضا لا تتم الحكومة الَّتِي ادعاها المحقق النائيني (أَيْ: حكومة المفهوم عَلَىٰ التَّعْلِيل)؛ إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه وذلك لأنه حِينَئِذٍ سوف يكون المفهوم وارداً عَلَىٰ عموم التَّعْلِيل لا حاكماً عليه؛ إذ أَنَّهُ بجعل الْحُجِّيَّة لخبر العادل ينتفي تكويناً موضوع التَّعْلِيل وهو احتمال الندم لأجل العقاب؛ ضرورةَ أَنَّهُ إذا كانت علة وجوب التَّبَيُّن في خبر الفاسق عبارة عن احتمال الوقوع في الندم بعد ذلك لأجل العقاب عَلَىٰ مخالفة الحكم المولويّ الواقعي بلا عذر شرعي فسوف ينتفي هذا الاحتمال تكويناً بجعل الْحُجِّيَّة لخبر العادل؛ لأَنَّ خبر العادل وإن خالف الحكم الواقعي المولويّ، إِلَّا أَن المكلف كان معذوراً شرعاً في مخالفته هذه؛ وذلك لحجية خبر العادل شَرْعاً، فلا يحتمل العقاب أَصلاً عَلَىٰ العمل بخبر العادل.
إذن، ففي هذا الفرض أَيْضاً لا يَتُمُّ جواب المحقق النائيني القائل بالحكومة كما عرفتَ.
كما أَنَّهُ بناءً عَلَىٰ هذا الفرض (وهو أَن تكون علة وجوب التَّبَيُّن خوفُ الندم عَلَىٰ مخالفة الواقع بلا عذر الموجبة للعقاب) لا يَتُمُّ أصل الإشكال الَّذِي كان المحقق النائيني بصدد الإجابة عنه (وهو الإشكال القائل بأن عموم التَّعْلِيل مانعٌ عن دلالة الآية بمفهومها عَلَىٰ حجّيّة خبر العادل)؛ إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه وذلك لأَنَّ التَّعْلِيل بناء عَلَىٰ هذا ليس تعليلاً لعدم جعل الْحُجِّيَّة لخبر الفاسق؛ لأَنَّ الوقوع في الندم من ناحية العقاب إِنَّمَا هو في طول عدم جعل الْحُجِّيَّة ومعلول له، فلا معنى لتعليل عدم جعل الْحُجِّيَّة بذلك. وبعبارة أخرى: إِن مخافة العقاب عَلَىٰ العمل بالخبر إِنَّمَا تنشأ من عدم حجّيّة الخبر، فكيف تكون هي المنشأ وَالْعِلَّة لعدم حجيته؟ إذن، فلا دلالة في التَّعْلِيل عندئذٍ عَلَىٰ تعميم عدم الْحُجِّيَّة لكل خبر غير عِلْمِيّ؛ لأَنَّ التَّعْلِيل ليس تعليلاً لعدم الْحُجِّيَّة ولا يصلح لذلك، بل هو تعليل حِينَئِذٍ للأمر الإرشادي بالتبين (أَيْ: أَن الأمر بالتبين حِينَئِذٍ يكون إرشاداً إِلَىٰ ما يستقلّ به العقل من لزوم التَّمسُّك بعروة اليقين) وضرورةَ أَن يكون رأس الخيط في العمل هو العلم.
رابعاً: أَنَّهُ حَتَّىٰ لو سلّمنا بأن مفاد المفهوم في المقام سنخ مفادٍ حاكمٍ عَلَىٰ التَّعْلِيل كما يقول المحقق النائيني إِلَّا أَن الحكومة عندنا روحها روح التخصيص كما ذكرنا ذلك مراراً؛ فهي نفي للحكم المذكور في الدَّلِيل المحكوم لكن لا بلسان نفي الحكم كما هو الحال في التخصيص، بل بلسان الحكومة ونفي الموضوع. وعليه، فيكون حال الحكومة حال التخصيص الَّذِي زعمه صاحب الجواب السَّابِق (أَيْ: الجواب الأول الَّذِي كان يجب عن إشكال كون عموم التَّعْلِيل مانعاً عن المفهوم بدعوى أَخَصِّيَّة المفهوم من التَّعْلِيل)؛ فكما قلنا في ردّنا الثَّانِي عَلَىٰ ذاك الجواب: إنه كما يوجد في المفهوم ملاك القرينية في النَّظَر العرفي وَبِالتَّالِي يوجد فيه ملاك للتقديم عَلَىٰ التَّعْلِيل الْعَامّ وهو ملاك >الأَخَصِّيَّة<، كذلك يوجد في التَّعْلِيل ملاك للقرينية في النَّظَر العرفي وَبِالتَّالِي يوجد فيه ملاك للتقديم عَلَىٰ المفهوم وهو ملاك >النَّظَر إِلَىٰ الحكم المعلَّل)، إعداد الشَّيْخ محسن الطهراني عفي عنه كذلك نقول هنا في الرّدّ عَلَىٰ هذا الجواب الَّذِي أفاده المحقق النائيني: إنه كما أَن المفهوم ناظر إِلَىٰ التَّعْلِيل حسب دعوى المحقق النائيني؛ ففيه ملاك للحكومة، كذلك التَّعْلِيل ناظر إِلَىٰ المفهوم؛ وذلك لما ذكرناه هناك من أَن التَّعْلِيل ناظر إِلَىٰ الحكم المعلَّل؛ ففيه ملاك للحكومة عَلَىٰ مفاد القضية المذكورة في الآية؛ فَإِنَّ نكتة التَّعْلِيل بنفسها توجب في نظر العرف الحكومة عَلَىٰ الجملة المعلَّلة وتوسّع دائرة وجوب التَّبَيُّن وحدوده ليشمل كُلّ خبر غير عِلْمِيّ ولو كان خبر عادل.
وللكلام صلة تأتي إِن شاء اللـه في اليوم القادم والحمد للـه رب العالمين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo