< فهرست دروس

الأستاذ السيد علي‌رضا الحائري

بحث الأصول

35/04/24

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: آية النفر/الكتاب/أدلة الحجية/خبر الواحد/وسائل الإثبات التَّعَبُّدِيّ/إثبات الصدور/الأدلة المحرزة/علم الأُصُول
قلنا إِن هناك وجوهاً ثلاثة ذكرت لإثبات أَن آية النفر تدل عَلَىٰ وجوب الحذر عند إنذار المنذر، وقد تقدم الوجه الأول منها بالأمس وحاصله هو أَن كلمة >لعل< الموجودة في آخر الآية تدل عَلَىٰ وجوب الحذر؛ لِأَنَّهَا تدل عَلَىٰ مطلوبية الحذر ومطلوبية الحذر ملازمة لوجوبه.
الوجه الثَّانِي: جعل الحذر في الآية الشريفة غاية للواجب، فيقال بأن غاية الواجب واجبةٌ، فالحذر واجب.
وتوضيح ذلك أَن الآية الشريفة تدل عَلَىٰ وجوب النفر {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كُلّ فرقة منهم طائفة}، ثُمَّ تدل الآية عَلَىٰ وجوب التفقّه، فالتفقه واجب أَيْضاً، ثُمَّ تدل الآية عَلَىٰ وجوب الإنذار، فالآية تدل عَلَىٰ وجوب هذه الثلاثة: 1- النفر. 2- التفقه. 3- الإنذار. فالحذر أصبح علة غائية للإنذار. وقد قلنا إِن الإنذار واجب، فإذا كان الإنذار واجباً وكان غايته الحذر، فالحذر واجبٌ؛ لِأَنَّ غاية الواجب واجبة أَيْضاً كالواجب نفسه؛ لِأَنَّ اهتمام المولى بالغاية ليس أقل من اهتمامه بذي الغاية، إِن لم يكن اهتمامه بالغاية أكثر من ذي الغاية.
لكن تارة تكون الغاية من الأمور الخارجة عن اختيار الإِنْسَان كما إذا قال الطبيب للمريض: >اشرب الدواء لعلك تشفى<، فشرب الدواء أصبح واجباً، ومن الواضح أَن اهتمام الطبيب بالمريض ليس أقل من اهتمامه بشرب المريض الدواءَ، لكن هذا الاهتمام بالغاية لا يمكن أَن يصل إِلَىٰ حد الوجوب؛ لِأَنَّ الشفاء فعل غير اختياري، والوجوب لا يمكن أَن يتعلق بأمر غير اختياري. ومثاله في الشرع أَن يأمر الشارع المكلفَ بالوضوء، فطالما أمر بمقدمة الصلاة فلا يكون اهتمامه بالصلاة أقل من اهتمامه بالوضوء إِن لم تكن الصلاة عنده أهم من الوضوء. فالآية تدل عَلَىٰ وجوب الحذر؛ لِأَنَّهُ جُعل غاية للواجب (وهو الإنذار). فتدل الآية عَلَىٰ وجوب الحذر، وَحِينَئِذٍ نتمسك بإطلاق الآية لإثبات هذا الوجوب حَتَّىٰ في حالة عدم حصول العلم للسامع بصدق الإنذار؛ لِأَنَّهَا مطلقة ولم تقل: >لعلهم يحذرون إذا حصل لهم العلم بصدق المنذرين<، فالحذر واجب عَلَىٰ السامع حَتَّىٰ إذا لم يحصل له العلم، وإلا لم يكن للإنذار غاية وهذا خلف.
وبهذا يثبت بالآية الشريفة وجوب الحذر مُطْلَقاً وهذا هو المطلوب.
الوجه الثالث: أَن يُستفاد وجوب الحذر من وجوب الإنذار والأمر به؛ وذلك بنكتة دلالة الاقتضاء (وصون كلام المولى عن اللَّغوية) وذلك بتقريب أَن الآية تدل عَلَىٰ وجوب الإنذار قطعاً، ووجوب التفقه ووجوب الإنذار، ومقتضى إطلاق الآية أَن الوجوب مطلق سواء أوجب الإنذارُ العلمَ للسامعِ أم لا، وَحِينَئِذٍ يقال بأن وجوب الإنذار مطلقاً يلازمُ وجوب الحذر والقبول مُطْلَقاً، وإلا لو كان الإنذار واجباً مطلقاً ولا يجب الحذر والقبول عَلَىٰ السامع فَحِينَئِذٍ يكون الأمر بالإنذار لغواً.
والفرق بينه وبين الوجه الثَّانِي واضح؛ إذ المقصود في هذا الوجه الثالث هو إثبات دلالة الآية عَلَىٰ وجوب الحذر بقطع النظر عن جملة {لعلهم يحذرون} وهذا ما نستفيده من وجوب الإنذار؛ لِأَنَّ الإنذار إذا كان واجباً يجب أَن يكون الحذر واجباً وإلا كان لغواً، في حين أَن المقصود في الوجه الثَّانِي هو إثبات دلالة الآية من جملة {لعلهم يحذرون}، أي: نستفيد الوجوب من الغاية، أي: بما أَن الحذر جُعل غاية للإنذار، فجعلُه غاية للإنذار يَدُلُّ عَلَىٰ وجوبه.
هذا ما قالوه في مقام تقريب الاستدلال بالآية عَلَىٰ وجوب الحذر.
وهناك اعتراضات عديدة عَلَىٰ الاستدلال بهذه الآية عَلَىٰ حجية خبر الواحد في كلماتهم، فكان ما ذكرناه عرضاً مجملاً لما هو موجود في الكتب.
وينبغي الآن أَن نبحث في أمور ثلاثة:
الأول: دراسة الركن الثَّانِي الَّذِي تسالموا عليه واتفقوا عَلَىٰ قبوله وهو عبارة عن الملازمة وجوب الحذر وبين الحجية، ولٰكِنَّ الكلام كان في وجوب الحذر. ولٰكِن يجب أَن ندرس هذه الملازمة. (الكبرى).
الثَّانِي: التكلم حول الركن الأول، وهو دلالة الآية عَلَىٰ وجوب الحذر . (الصغرى).
الثالث: عمدة ما ذُكر في كلماتهم من الاعتراض عَلَىٰ الاستدلال بهذه الآية عَلَىٰ الحجية.
وَحِينَئِذٍ نكون قد استوفينا البحث حول هذه الآية.
أما الأمر الأول (وهو الملازمة المتسالم عليها من قِبَل الكلّ) فلا نؤمن بهذه الملازمة؛ فالآية حَتَّىٰ لو دلت عَلَىٰ وجوب الحذر (وهي لا تدل عَلَىٰ ذلك كما سيأتي في الأمر الثَّانِي، في الصغرى)؛ لِأَنَّهُ أَوَّلاً وجوب الحذر في الآية الشريفة لم يُرتَّب عَلَىٰ إخبار المخبِر حَتَّىٰ يكون هذا الوجوب ملازماً لحجية الإخبار بأن كانت الآية تقول: >وليخبروا قومهم إذا رجعوا إليهم< لكنَّا (إعداد وتقرير الشَّيْخ محسن الطهراني) نقول بأَنَّ وجوب الإخبار يلازم وجوب الحذر والقبول (أَيْ: الحجية)، وعنوان الإنذار غير عنوان الإخبار؛ فَإِنَّ الإنذار عبارة عن إخبار خَاصّ، إخبار بشيء مخوف، الإخبار الَّذِي يستبطن الكشف عن الخطر الَّذِي يُهدّدك ويخوّفك.
وبعبارة أخرى: لا يصدق عنوان الإنذار ما لم يكن هناك ملاك وموجبٌ للخوف في المرتبة السَّابِقَة عَلَىٰ الإنذار، فيأتي المنذر يكشف لك عن هذا الملاك الَّذِي كنتَ تخاف منه. والملاك للخوف والحذر فيه احتمالان بدويان ندرسهما غدا إِن شاء اللـه تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo