< فهرست دروس

الأستاذ السید حسین الحکیم

بحث الفقه

38/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : حرمة الغناء : الضرورة الفقهية وانكار البعض لها .

وعلى أي حال فإن ما ذهب اليه السبزواري و الفيض الكاشاني رحمهما الله _ مع ما سبقت الاشارة الى ما فيه من ضعف _ خال عن دعوى جواز الغناء في موارده المعروفة من التغني بأشعار الغزل والتشبيب والبكاء على الاطلال وفقد الحبيب اذا كان خاليا من الإثارة الجنسية كما ارتكب ذلك بعض المعاصرين, وأنكر الضرورة وبالغ في محاولة التنظير له بحجج ضعيفة .

فقد ذهب الشيخ صانعي الى حلية الغناء بحد نفسه وفسر ما ورد من روايات الحرمة بأن منشأ الحرمة هو مقارنات الغناء المحرمة أو مضامينه السيئة وله كلام طويل يحسن تلخيصه دفعا لما قد يعلق في بعض الاذهان من الشبهة في مقابل ما تقدم تحقيقه من كون حرمة الغناء من ضروريات الفقه, وملخص كلامه في نقاط :

1ـ الغناء من ابرز مصاديق الجمال ومظاهره واكملها وتاثيره موجود في اي انسان مهما كان موقعه او انتماءه وكما ورد ان الله جميل يحب الجمال .

ونظرا لتاثيره البالغ والاقبال عليه في عالمنا المعاصر صار وسيلة للسلطات لبلوغ اهدافها التي تقف ضد القيم الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية .

2ـ سلاطين بني امية اساءوا استخدام الغناء فصاروا يوظفونه في مجالس اللهو واللعب والفسق .

3ـ اهداف الغناء متعددة بعضها داع للتحلل والفسق وبعضها داع الى محاربة الظالمين وتعزيز روح التضحية والاستشهاد بل الدعوة الى التوحيد و اشاعة الاحكام وهذا التشتت والاختلاف في الانواع تبعا للأغراض ّ يترك المكلَّف في حيرة من أمره. أجل، يعلم الجميع جيّداً ودون أدنى تردّد بأنّ بعض أنواع الغناء والموسيقى هو بالوجدان من مصاديق «الغناء والموسيقى» المحرّمة من الناحية الشرعيّة، والتي تستوجب لذلك سخط الربّ. ولكن في الوقت نفسه هناك أنواع أخرى من الموسيقى والغناء ذات طابع مختلف تمام الاختلاف عن القسم الأوّل، بل إنّها ذات أهداف هي غاية في النبل والرفعة، وعليه لا يمكن أن تدخل في ما يوجب سخط الشارع المقدَّس وغضبه فهي سلاح ذو حدين كالتلفاز والراديو وما شابه .

4ـ وبما ان اعداء الدين يحاولون اظهر الدين الناصع بشكل رجعي يحتم علينا الواجب الاحتياط والبحث والتدقيق للدفاع عن الاسلام بنفس السلاح والنظر في النصوص الدينية لتحديد الموقف تجاه الغناء ومن غير الممكن نبذ النوع البعيد عن الضلال والافساد منه .وفي هذا الإطار فإنّ الأمر الواضح الذي لا يمكن إنكاره هو الحاجة الماسّة في الرجوع إلى مصادر الاستنباط الفقهيّ من القرآن الكريم والسنّة المطهّرة، والنظر فيها نظرة مغايرة عن النظرة السابقة، والحصول على استنباطات عصريّة مستندة إلى آراء السلف الصالح في إطار الحفاظ على الفقه الجعفريّ وصيانته

5ـ لا نتوصّل من خلال الرجوع إلى هذا الكمّ الكبير من الكتابات والرسائل إلى مفهوم واضح للغناء؛ إذ لم يتَّفق جميع علماء اللغة والفقهاء على معنى واحد واضح وملموس لمفهوم الغناء، وبذلك كان «مفهوم الغناء» أحد أبرز مصاديق المفاهيم المجمَلة.

6ـ تناول تعاريف اللغة للغناء فوجد عنصرا مشتركا في التعاريف يتمثل بمفردتين الطرب والترجيع فعرج بالبحث اللغوي عليهما ثم استعرض كلمات الفقهاء في تعريف الغناء .

ومن خلال ملاحظة كلمات الفقهاء استنتج : من خلال التدقيق في التعريفات المطروحة من قبل الفقهاء يمكن القول بأنّهم انقسموا في تعريف مفهوم الغناء إلى قسمين، وهما:

1ـ المجموعة التي تدخل إحدى خصائص الصوت في تعريف الغناء، من قبيل: المدّ، وتدويره في الحلق، مع ذكر قيد الترجيع والإطراب. وهؤلاء هم: المحقِّق الحلّي في الشرائع، والعلاّمة الحلّي في إرشاد الأذهان والتحرير، والشهيد الأوّل في الدروس، والمحقِّق الكركي في جامع المقاصد، و….

2ـ المجموعة التي تركت تحديد مصداق الغناء وتعريفه إلى العرف، وهم: الشهيد الثاني في مسالك الأفهام، وفي شرح اللمعة، والشيخ محمد حسن النجفي في جواهر الكلام، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع، والسيد عليّ الطباطبائي في الرياض، و….

7ـ حكم الغناء بناء على تتبع كلمات الفقهاء : ينقسم الفقهاء في هذا المجال إلى قسمين، وهما:

1ـ الجماعة التي ذهبت إلى تحريم الغناء بقولٍ مطلق، كالشهيد الثاني، والمحقِّق الكركي؛ إذ تعتقد هذه المجموعة أنّ جميع أنواع الغناء حرامٌ، وأنّ الحكم واقع على الغناء في نفسه، سواء اقترن بشيء آخر أو كان على كيفيّة خاصّة أم لا. وهذا هو القول المعروف والمشهور، بل ادُّعي الإجماع عليه

2ـ أما المجموعة الأخرى، كالمحقِّق السبزواري والفيض الكاشاني، فقد ذهبت إلى القول بالتفصيل، عبر تحريم قسمٍ منه، وإباحة قسمٍ آخر. ولم تذهب هذه المجموعة إلى القوم بحرمة الغناء لذاته، وإنّما لأمرٍ عارضٍ عليه، معتقدةً أنّ طريقة أداء الغناء واقترانه بالمحرّمات هي التي تؤدّي إلى حرمته.

ومن هنا إذا اقترن الغناء بما هو في مضمونه محرَّم أو اشتمل على حرامٍ كان حراماً، دون أن تكون حرمته ذاتيّةً.وباعتقادنا فإنّ الصناعة الفقهيّة تقتضي الحرمة المضمونيّة، دون الذاتيّة.

8ـ الاصل العملي في الغناء هو الاباحة وذلك لأنّ القدر المتيقَّن من دلالة أدلّة الحرمة هو أن يقترن بفعلٍ محرَّم، أو أن يكون مضمونه حراماً؛ لأن مقتضى الأدلة العقليّة، بل الإجماع والكتاب والسنّة، هو أصل البراءة في موارد الشبهات الحكميّة. وفي هذا المورد أيضاً ـ كما سنذكر ـ نجد الأدلّة التي تُساق لبيان حرمة أصل الغناء غير تامّة، وعليه يُحكم بالبراءة في الموارد التي لا يقترن فيها الغناء بفعل محرَّم.

9ـ استعراض لادلة القائلين بالحرمة الذاتية من القران الكريم والسنة الشريفة والاجماع والعقل

*الدليل العقلي : الفسق محرم وكل مايوجب الفسق محرم من باب كون مقدمة الحرام حراما ومناقشته : ليس لدينا دليلٌ على حرمة المقدّمة لكونها مقدّمة؛ إذ لو كانت مقدّمة كلّ حرام حراماً لكان مرتكب كلّ فعل حرام مستحقّاً للعقاب بمقدار جميع مقدّمات ذلك الفعل، في حين أنّ الأمر ليس كذلك أبداً.

*الاجماع : ذكر صاحب الجواهر ان الاجماع بقسميه المحصل والمنقول يفيد حرمة الغناء ، ومناقشته : لا يمكن اعتبار الإجماع هنا دليلاً كافياً أيضاً؛ وذلك لكون المسألة مصبّاً للاجتهاد واختلاف الآراء. نعم، قد يكون في الجملة وفي أحسن الحالات ـ أي في القدر المتيقَّن من الغناء ـ قابلاً للاعتماد. وعلاوةً على ذلك فإنّ هذا الإجماع مدركيّ؛ لاحتمال أن يكون مدركُه هو هذه الآيات والروايات مورد البحث

* القرآن الكريم وهنا الاعتماد على الروايات التفسيرية ولا شكّ في وضوح وصراحة دلالة هذه الروايات على حرمة الغناء، ولكنّ المشكلة تكمن في المصداق الذي حُمل عليه هذا الحكم الصريح والواضح. وبعبارة أخرى: إنّ موضوع هذا الحكم غير واضح. فهل المراد منه مطلق الغناء أم هو يُشير إلى موارد خاصّة؟

واللام في الروايات عهدية الى ذلك الغناء المقترن بالمحرمات في زمان بني امية وبني العباس . ونظراً لاشتمال الآية على الوعيد بالعذاب لمَنْ يرتكب لهو الحديث فإنّها تدلّ على حرمة الغناء. غير أنّ هذه الآية فيها دلالةٌ صريحةٌ على ما ندّعيه، وذلك حيث تقول: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ. فهذه الجملة تثبت أنّ العلة والسبب الحقيقيّ لحرمة الغناء هو الإضلال عن سبيل الله، وأنّ حرمة الغناء ليست ذاتيّة. فتكون هذه الرواية المفسِّرة في مقام بيان مصاديق الغناء الذي يُضلّ عن سبيل الله وموارده، وهو الغناء المعروف في زمن المعصومين

*السنة الشريفة : الطائفة الاولى الروايات التي ذكرت بيت اومجلس الغناء : طريقة الاستدلال :إنّ إعراض الله سبحانه وتعالى في مرسلة إبراهيم بن محمد دليلٌ على حرمة الغناء. وهكذا الأمر بالنسبة إلى العبارات النافية في الروايتين الأخيرتين؛ فإنّها تدلّ على حرمة الغناء حرمةً ذاتيّة.

مناقشة الاستدلال: يبدو أنّ كلمة «بيت الغناء» تركيبٌ مشابه لـ «بيت المال»، و«بيت الأحزان»، وأمثالهما، وأنه يستعمل في موضع ومكانٍ للمضاف إليه. وعليه فالمراد هنا هو المكان والموضع الذي خصّص لهذه الغاية، وليس كلّ موضع. وحتى لو كان مراد هذه الرواية كلّ بيتٍ يُغنّى فيه فإنّها لا تدلّ على أكثر من الكراهة، ولا يُستفاد منها الحرمة.

ففي ما يتعلَّق بالرواية الأولى ـ وهي مرسلة إبراهيم بن محمد ـ ليس في إعراض الله أيُّ ظهور في حرمة الغناء، وإنّما هي ظاهرةٌ في مرجوحيّته وكراهته.وفي ما يتعلّق بالرواية الثانية والثالثة، اللتين ورد فيهما حكم المسألة بأجوبة خبريّة نافية، فلا يمكن أن نستفيد أكثر من الكراهة؛ لأنّ ظهور الجملة الخبريّة النافية في مقام الإنشاء في الحرمة موضع بحث وإشكال. والمحقِّق النراقي من بين الكبار الذين ذهبوا إلى القول بأنّ الجُمل الخبريّة لا ظهور لها في الوجوب والحرمة، ولا يمكن لنا أن نستفيد غير الاستحباب من الموجبة منها، والكراهة من السالبة كذلك، ناقلاً التصريح بهذا المعنى عن المقدَّس الأردبيلي، وصاحب المدارك، والعلامة المجلسي في بحار الأنوار

الطائفة الثانية : روايات بيع الجواري : ّ هذه الرواية وإنْ اشتملت على حكمٍ صريحٍ وواضحٍ بحرمة الغناء، إلاّ أنّ الإنصاف يقتضي أنّ موضوع الغناء ومصداقه فيها غيرُ واضح أبداً، وأنّ ما ذكرناه في سائر الروايات يرِدُ هنا أيضاً.

10 ـ الاستثناءات طبقاً لما توصّلنا إليه من الروايات، أي انصراف أدلّة الحرمة إلى نوع خاصّ من أنواع الغناء، أو الغناء المقرون بسائر المحرَّمات، لا يبقى هناك معنى للاستثناء في الغناء؛ لأنّ ما ذكر من مصاديق المستثنيات في هذا الباب، من الحداء، والغناء في الأعراس، وساحات القتال، والعيدين، وتلاوة القرآن وتجويده، أو الرثاء الحسينيّ، إما أن يكون مقروناً بالمحرّمات أو لا، وفي كلتا الصورتين يكون الحكم واضحاً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo