< فهرست دروس

الأستاذ السید حسین الحکیم

بحث الفقه

38/06/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : حرمة الغناء : الضرورة الفقهية ومناقشة المنكرين لها.

وتناقش النقاط التي ذكرها في استدلاله:

أما الأولى: فإن رواية (الله جميل يحب الجمال) قد ورد مضمونها في عدة روايات، منها:

    1. ما ورد في الكافي: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عمن رواه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أنعم الله على عبده بنعمة أحب أن يراها عليه لأنه جميل يحب الجمال.[1]

والسند ضعيف بالإرسال وسهل.

    2. ما في الكافي أيضاً: عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن صفوان ، عن يوسف ابن إبراهيم قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وعلي جبة خز وطيلسان خز فنظر إلي فقلت : جعلت فداك علي جبة خز وطيلسان خز فما تقول فيه ؟ فقال : وما بأس بالخز قلت : وسداه إبريسم، قال: وما بأس بأبريسم فقد أصيب الحسين عليه السلام وعليه جبة خز ثم قال : إن عبد الله بن عباس لما بعثه أمير المؤمنين عليه السلام إلى الخوارج فواقفهم لبس أفضل ثيابه و تطيب بأفضل طيبه وركب أفضل مراكبه فخرج فواقفهم فقالوا : يا ابن عباس بينا أنت أفضل الناس إذا أتيتنا في لباس الجبابرة ومراكبهم فتلا عليهم هذه الآية " قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق " . فالبس وتجمل فإن الله جميل يحب الجمال وليكن من حلال[2] .

والعبارة الأخيرة للإمام (عليه السلام) حسب الظاهر، وسندها معتبر.

    1. ما أورده الصدوق في الخصال بإسناده عن علي (عليه السلام) _ في حديث الأربعمائة _ قال: (...البسوا الثياب القطن فإنها لباس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يكن يلبس الشعر والصوف إلا من علة، وقال: إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده)[3] .

 

    2. وأيضاً ما رواه العياشي بإسناده عن الحسن بن علي (عليهما السلام) أنه كان إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه، فقيل له: يا بن رسول الله، لم تلبس أجود ثيابك؟ فقال: إن الله جميل يحب الجمال، فأتجمل لربّي، وهو يقول: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) فأحب أن ألبس أجمل ثيابي[4] .

فهذه الرواية المروية بطرق عديدة _ وإن كان بعضها ضعيفاً _ تعضد بعضها بعضاً وتحصل الوثوق بالصدور حجة على مبنانا.

ولكن الكلام يقع في دلالتها وكيفية الاستفادة منها في المقام:

فنقول نقضاً: العجب ممن يحمل الألف في اللام في روايات الغناء _ والتي ظاهرها الجلي أنها جنسية _ على أنها ألف لام عهدية تشير إلى الواقع الموجود آنذاك مع عدم وجود قرينة في تلك الروايات على هذا الحمل، كيف يعامل الألف واللام في (الجمال) على أنها جنسية رغم وجود قرائن محيطة بالرواية _ على تعدد مصادرها _ أنها في مقام الملبس، وكيف لا يفسر الألف واللام بأنها عهدية، فهذا المورد المحفوف بالقرائن أولى بالحمل على العهدية من ذاك المورد الخالي منها.

وأما حلاً: ففهمنا لهذه الروايات أنها تدل على أن الجمال محبوب عند الله (تبارك وتعالى)، وهذا موافق للطبع، ولكن الكلام في مصاديق الجمال وتشخيصها، فإن دلت الأدلة المعتبرة على أنّ أمراً معيناً حرامٌ، فهذا يكشف إنّاً أنه ليس بجميل وأن الله لا يحبه، فيكون أمر الجمال كأمر الطيبات، فإن دل دليل على حرمة لحم الخنزير أو الزنا _ والعياذ بالله _ فهذا يكشف عن كونها ليست من الطيبات وأنها من الخبائث، وإن كانت تروق لبعض الأمزجة والطبائع.

والنقوضات على محبوبية مطلق الجمال كثيرة، منها إبداء المرأة زينتها للأجنبي فإنه من الجمال فهل يكون محبوباً عند الله؟!

وعليه فحب الجمال يكون حكماً طبعياً لا يصلح أن يقف أمام أي شيء آخر، ولا يمكن التعويل عليه إلا بعد إحراز مصداقه، وفي مثل الغناء التي وردت النصوص العديدة في النهي عنه وتقبيحه وبيان آثاره الوخيمة لا يمكن لمثل هذه الروايات أن تكون معارضاً وأن تثبت حلية الغناء.

وأما النقطة الثانية: فكلامه بأن بني أمية أساءوا استخدام الغناء، يفهم منه أن في الغناء حصتين: حصة قبيحة يساءُ استخدامها وحصة حسنة لا بأس بها، وهذه مصادرة لا يصح جعلها من المقدمات إلا بعد إثباتها.

وأما النقطة الثالثة: فإن الأفعال لا تقيم بحسب الغايات منها، وإنما تقيم بحسب طبيعتها، فمن يسرق المال من الأغنياء ويتصدق به على الفقراء بنية إنسانية، لا يقيم فعله أنه حسن تبعاً لغايته الحسنة، بل يبقى فعله _ وهو السرقة _ قبيحاً بطبيعته، وكما يقال (إن الغاية لا تبرر الوسيلة)

وأما النقطة الرابعة: فكلامه فيها متهافت؛ حيث تجد فيه من جهة أنّه يقول لابد من التغيير في الاستنباط، ولابد أن نحصل على استنباطات عصرية، ولابد أن ندفع اشكال الرجعية عن الدين، ومن جهة أخرى يقول أنه لابد أن نرجع إلى آراء السلف الصالح في إطار الحفاظ على الفقه الجعفري وصيانته. وهذا التهافت يدل على اضطراب الرؤية عند صاحبه، فكيف تجتمع الدعوة إلى التجديد دفعاً للشبهات وصيانة للفقه الجعفري مع الدعوة إلى الرجوع إلى آراء السلف الصالح حفاظاً وصيانة للفقه الجعفري، فالحفاظ على الفقه وصيانته بماذا تكون؟! بالتجديد؟! أم بالتمسك بآراء السلف الصالح؟! وهذان أمران لا يجتمعان كما لا يخفى.

ثم إن هذا المنهج الحداثوي الذي يحاول أن يحدث نقلات في الفقه لأجل مواكبة العصر، والذي يأخذ على بعض علمائنا أنّهم ليسوا ثوريين، فتجد أنّهم يؤمنون بأصالة الثورة والمواجهة من جهة، ومن جهة أخرى فإنّهم عندما يأتون إلى الواقع المعاصر فإنهم لا يثورون عليه بل ينبطحون أمامهم ويلوون عنق الدين ويغيرون فيه لكي يتماشى معه، فأين ذهبت الثورة وأين المواجهة؟!!

فإننا نقول: إن بغية الفقيه _ بل طالب العلم بل كل مؤمن بالله وبدينه _ الوصول إلى حقائق الدين ومعالمه بغض النظر عن ما إذا كانت النتائج جديدة أو قديمة، أي لا بشرط التجديد، وإنَّ أخذَ التجديد شرطاً في الفقه ضربٌ من الجهل والانحراف عن الدين وأسسه.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo