< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

33/06/10

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الإجارة \ ملكية المستأجر للمنفعة \ ما يتحقق به التسليم
 الكلام في المسألة الخامسة عشرة وقد عرفت مما سبق أن الغرض العقلائي للمتعاقدين ليس كامنا في لقلقة الإنشاء، وإنما في التقابض والسلطنة تكوينا على ما انتقل إليه بموجب عقد الإجارة، ولما كانت الإجارة من عقود المعاوضة كان مقتضاها مقابلة التسليم بالتسليم، أو انه مقتضى الشرط الضمني ألارتكازي ما لم يكن من شرط يقتضي خلاف ذلك، وعليه ليس لأي من المتعاقدين حق المطالبة بما له عند الطرف الآخر مع حبس ومنع ما للغير عنده بموجب عقد الإجارة والحال انه لم يكن من شرط يقتضي ذلك.
 والحاصل: إن حق المطالبة وما يترتب عليه من وجوب التسليم على احد الطرفين مترتب على فرض تسليم الآخر بحيث لو امتنع الآخر عن التسليم كان للأول الامتناع كذلك.
 وأما ما يتحقق به التسليم فتارة البحث في باب الأعيان وأخرى في باب الأعمال:
 والأول اعني باب الأعيان: فكما عرفت معنا أن ما تم تمليكه في الإجارة إنما المنفعة، وتسليمها يكون بتسليم العين، والأجرة إن كانت من سنخ المنافع فالأمر كذلك، وان كانت نقدا وعينا فبتسليمه، هذا كله ما لم يكن اشتراط لتأجيل التسليم في احدهما وإلا كان هو المتبع عملا ب(المؤمنون عند شروطهم ).
 ثم في فرض الامتناع من الطرفين فلا يخلو إما يكون ذلك منهما تقايلا وفسخا للمعاملة، فلا كلام حيث لهما ذلك، لأن اللزوم في باب الإجارة حقي وليس حكميا، وقد لا يكون تفاسخا وإنما تراضٍ منهما في تأجيل الحق الثابت لهما فكذلك، وثالثة قد يبلغ امتناعهما إلى حد التعاسر فيما بينهما حيث يطالب كل منهما بتسليم ما له عند الآخر مع منع تسليم ما للآخر عنده، وفي هذا الفرض يجبرهما الحاكم على التسليم بوصفه ولي كل ممتنع عن أداء حق الغير إليه.
 وهذا خلاف لما ذكره السيد عبد الأعلى السبزواري في مهذب الأحكام: من أن إجبار الحاكم على أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،حيث قال:( أن هذا من الأمور الحسبية التي له الولاية عليها ، وهذا من إحدى مراتب النهي عن المنكر والأمر بالمعروف بالمرتبة الشديدة ) [1]
 وقد ناقشناه في ذلك سابقا: وقلنا بان إجبار الحاكم من باب انه ولي الممتنع عن أداء حقوق الآخرين ليس إلا، وما ذكره لا يتم وذلك لما يلي:
  أولا: انه لا خصوصية للحاكم في ذلك إذ ليس هذه الفريضة حكرا عليه بل تكون لكل احد رأى صدور المنكر من الغير.
 وثانيا: إن نقطة المائز فيما بين كون الحاكم ولي الممتنع وبين فريضة الأمر بالمعروف والتي هي من الأمور الحسبية أن مصب الأول الحقوق ومصب الثاني الأحكام التكليفية، فالتخلف عن أداء الحقوق يصير المتخلف ممتنعا والحاكم فقط وفقط ولي الممتنع في خصوص الحقوق، وأما الامتناع عن أداء التكاليف يصير الممتنع فاعلا للمنكر تاركا للمعروف، فكل من يخاطب بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب عليه ذلك، لا لخصوص الحاكم أن يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، هذا ما يرتبط بأصل المطلب.
 نعم مر معنا بان المنفعة لما كانت تدريجية الحصول فان تسليم العين لا يكون تسليما لتمام المنفعة المملكة بالإجارة، وإنما تسليم لها إلى الآن الموجودة العين فيها لا أكثر من ذلك، وبالمقابل لا يجب تسليم تمام الأجرة وإنما الأجرة بالمقدار الذي تم فيه تسليم المنفعة بتسليم العين وهو الآن المصاحب لوجود العين لا أزيد .
 وأورد السيد الأستاذ: [2] انه ربما يدعى أن التسليم الذي هو شرط في استحقاق المؤجر الأجرة غير التسليم الذي هو شرط في لزوم الإجارة حيث يكفي فيه مجرد تسليم العين، لأن الأجرة في قبال أن يسلمه العين للانتفاع لا أكثر، وهذا بخلاف ما يرتبط بالخيار لترتبه على عدم تسليم ما يكون متعلقا للإجارة اعني المنفعة لا مجرد العين وبالتلف مثلا- لا يتحقق تسليم المقدار المتخلف منها.
 بقي أن السيد الأستاذ علق على ما ذكره الماتن [3] بما لو كان احدهما باذلا دون الآخر ولم يمكن جبره كان له حبس العين إلى أن يسلم الآخر بأنه مضى معنا أن عدم تسليم احد العوضين في عقود المعاوضة يستوجب ثبوت الخيار حتى مع إمكان إجباره على التسليم فضلا عن صور تعذر التسليم وعدم إمكانه وقد وافق عليه الماتن فيما سبق ثم أضاف: ولعل سكوته عن ذلك من جهة أن نظره إلى أن له حق حبس العين لا أن نظره من جميع الجهات.
 أقول: إن ما بأيدينا من خيارات ترتبط بعدم التسليم احد خيارين:
  إما خيار تعذر التسليم وهذا خارج عن فرضنا،
  أو خيار تأخير التسليم والذي قد ضبط في البيع بثلاثة أيام، وفي غير ذلك فان مجرد عدم التسليم ما لم يكن امتناع للتسليم ولا تأخير فلا خيار وموردنا من هذا القبيل.
  نعم يقع السؤال: انه كيف كان له حق حبس العين طالما لم يثبت له الخيار؟
 والجواب: بان حق الحبس ناشئ من انه ليس للآخر حق المطالبة بتسليم ما له عند الأول طالما انه ممتنع عن تسليم ما للأول عنده من هنا كان له حق حبس ما له والامتناع عن التسليم.
 والحمد لله رب العالمين


[1] مهذب الإحكام ج 19 ص 82
[2] الإجارة للسيد محمود الهاشمي ج 1 ص 322
[3] الإجارة للسيد محمود الهاشمي ج 1 ص 323

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo