< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

33/07/08

بسم الله الرحمن الرحیم

 الفقه \ كتاب الإجارة \ ملكية المستأجر للمنفعة \ إذا بطلت الإجارة يرجع كل من الأجرة والمنفعة إلى وضعهما الأول
 قلنا بأنه في فرضية ما لو كانت الأجرة غير متمولة شرعا وعرفا، فقد حكم الميرزا بالبطلان وعدم الضمان وذهب السيد الخوئي إلى الصحة والضمان باجرة المثل.
 وقد ناقش السيد الأستاذ في الحكم بالضمان [1] :
 تارة: أن إثبات الضمان بقاعدة (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) غير صحيح، لأن هذا العقد لو كان صحيحا لم يكن فيه ضمان لأن المراد بالضمان ليس مجرد العوض بل ما يكون مقابلا له من الأموال لأن الضمان بلحاظ المالية لا مجرد مملوكة العوض.
 وبعبارة أخرى:فلو جعل العوض ما لا يتمول كالخنفساء فسوف يدخل الفرض في عكس القاعدة
 وأخرى: ما تقدم منه من أنها ليست قاعدة شرعية، وإنما المهم ملاكها وهو عدم الإقدام على المجانية، والمجانية إنما تحصل برفع اليد عن مالية ماله، وبالتالي عدم شرط مال في قباله، وهذا حاصل في الفرض، نعم قد شرط تمليك ما ليس مالا، وهذا لا ينافي الإقدام على المجانية، ورفع اليد عن مالية ماله، لأن ما جعله عوضا ليس مالا بحسب الفرض.
 نعم قد ذكر السيد الخوئي أن المناط هو الرغبة الشخصية لا النوعية وهي كافية في تصحيح المعاملة، فقد يكون له غرض شخصي في جعل الخنفساء عوضا.
 أقول: إن الصحيح هو ما ذكره السيد الأستاذ من عدم الضمان، وما أفاده السيد الخوئي لا يمكن المساعدة عليه لا بالنسبة لصحة العقد بعنوان الإجارة ولا بالنسبة لضمان أجرة مثل المنفعة على فرض بطلان الإجارة رغم أنها على تقدير الصحة كانت مضمونة بعوض غير متمول بنظر العرف وذلك:
 أما الأول: فمربوط بما هو مذكور في محله من شرطية مالية العوضين في صحة الإجارة على حد صحة البيع، نعم ربما يكفي في ثبوت المالية حصول الرغبة الشخصية لبذل المال بإزاء الخنفساء مثلا غير المتمولة عرفا من قبيل فرض السباق بينها وبين خنفساء جاره.
 وأما الثاني: فانه لا إشكال في انه على تقدير صحة الإجارة لا يكون ملزما بازيد من العوض، وهو الخنفساء وإنما على فرض فسادها، فقد حكم السيد الخوئي بأنه يضمن أجرة مثل المنفعة الفائتة على المؤجر بغير استيفاء، وقد ناقش في ذلك السيد الأستاذ وهو على حق في مناقشته، ونضيف إلى ما ذكره مطلبين:
 الأول: النقض على السيد الخوئي بما لو كانت الأجرة المسماة زهيدة جدا، كسكنى دار، أجرتها المسماة خمسون ليرة، في حين أن أجرة المثل كانت ألف درهم، فان السيد الخوئي نفسه قد حكم في فرض البطلان بضمان أجرة المثل بمقدار لا يزيد على الأجرة المسماة، وقد ذكر في وجه ذلك حيث قال:( فلو آجر داره كل شهر بعشرة دنانير بإجارة فاسدة سواء علم بالفساد أم لا ، وأجرة مثلها كل شهر بخمسين لم تكن له المطالبة بالتفاوت ، إذ هو بنفسه ألغى احترام ماله وسلط المستأجر على داره إزاء تلك الأجرة الضئيلة فلأجل أنه هو المقدم لإسقاط الاحترام بالنسبة إلى هذه الزيادة لم يكن له حق المطالبة) .
 وقد أيد ذلك بقوله: (ومن المظنون بل المطمأن به أن الأمر كذلك حتى في عرف العقلاء بحسب القوانين الدارجة بينهم فإنهم أيضا لا يلتزمون بالضمان في أمثال هذه الموارد زائدا على ما أقدم عليه المالك فلا يطالبون المستأجر بأزيد مما عين له)
 ثم أفاد (ولا فرق فيما ذكرناه بين صورة علم المالك أو العامل بكون المسمى أقل من أجرة المثل وجهله لاشتراكهما في صدق الإقدام على إلغاء الاحترام ) [2]
 فان ما ذكره(قده) في صورة ما لو كانت الأجرة المسماة زهيدة جدا بالنسبة لأجرة المثل ينسحب على ما لو كان العوض غير متمول بنظر العرف، فانه لا إشكال في صدق الملاك الذي ذكره السيد الخوئي في المقام حيث لا يكون له على تقدير بطلان الإجارة المطالبة بالتفاوت ما بين العوض وأجرة المثل، لأنه قد أقدم على هدر حرمة ماله، وإسقاط الاحترام بالنسبة لهذه الزيادة، أي انه ألغى احترام ماله بالنسبة لهذه الزيادة وبالتالي قد سلط المستأجر على ماله على وجه المجانية.
 وعليه فلا يصغى لما ذكره السيد الخوئي والذي حاصله: انه في مسألتنا يصدق عدم الإقدام على المجانية، بعد فرض جعل العوض، حيث تكون المعاملة مبنية على التضمين إذ لو كانت هذه الإجارة صحيحة لانتقل العوض غير المتمول إلى المستأجر، فإذا كان الإقدام مبنيا على الضمان ففاسدها أيضا كذلك، فيجب على المستأجر الخروج عن عهدته بدفع أجرة المثل.
 والحل: بما ذكره السيد الأستاذ من أن الإقدام على المجانية وعدم التضمين إنما تكون برفع اليد عن مالية المال وعدم شرط مال في قباله، وهو حاصل رغم شرط تمليك ما ليس مالا، وهذا لا ينافي المجانية ورفع اليد عن مالية ماله، لأن ما جعله عوضا غير متمول بنظر العرف، وهذا بقوة ما لو هدر حرمة ماله، فلا يكون له حق المطالبة بالتفاوت.
 الثاني:إن التضمين للمنافع الفائتة من غير استيفاء إنما يكون على أساس قاعدة اليد، وقاعدة اليد ولئن شملت أملاك الغير غير المتمولة، وذلك لمكان الإطلاق في قاعدة (على اليد ما أخذت) الشامل لصورتي ما لو كان المأخوذ متمولا أو غير متمول، ولذا تشمل مثل الخنفساء التي حازها وأخذها الغير، ومثل حبة الرمل إلا أنها تشمل غير المتمول على تقدير وجوده، أي ما لو كان مضمونا بضمان العهدة، وأما ضمان الذمة والفرض انه ليس مثليا وإنما قيمي فلا يكون مضمونا بالذمة، لأن شرط ضمانه في الذمة بالقيمة أن يكون المضمون متمولا فمع عدم ماليته بنظر العرف فلا يضمن بقيمته في الذمة.
 وبعبارة أخرى: قاعدة على اليد لا تشمل تضمين ما لا يكون متمولا إلا في صورة وجود العين، وأما في صورة التلف فانه لا يمكن استفادة الضمان من أمثال قاعدة على اليد وقاعدة الإتلاف، لأنه في صورة التلف يضمن بقيمته وهذا فرع أن يكون للعين التالفة قيمة.
 نعم منظور السيد الخوئي هو ضمان قيمة التالف من المنافع الفائتة بغير استيفاء وليست قيمة العوض، فان العوض إنما يكون مستحقا على تقدير صحة الإجارة وعلى فرض فسادها فان المستحق أجرة مثل ما فات من منافع لا قيمة العوض.
 ثم انه قد يناقش: في تفصيل الماتن بين صورتي العلم والجهل بأنه خلاف إطلاق روايات أن ثمن الخمر سحت الشامل لموارد العلم بالبطلان جزما، مع انه يلزم بناءا على ما ذكره الماتن أن لا يكون سحتا ولا حراما عليه.
 وفيه: إن مفاد روايات (ثمن الخمر سحت) إن كان مجرد الإرشاد إلى الفساد كان مفادها أن ثمن الخمر بما هو ثمن خمر سحت، وهذا لا ينافي أن يكون بما هو ملك الغير ليس سحتا، وإنما حلال لمكان الإذن منه، كما لو أذن له بالتصرف في الثمن على كل حال، حتى مع العلم بالفساد وعدم انتقال المال إليه، بل بقاؤه على ملك مالكه الأول وان استفيد منها علاوة على الحرمة الوضعية الذاتية، كما يأذن بذلك التعبير بلفظة السحت، فهي ثابتة على كل تقدير، أي حتى لو أذن المالك فان إذنه لا يخلصه من السحت، لعدم ربط ذلك بإذنه حتى يرتفع السحت إذا ما أذن!
 والحمد لله رب العالمين.


[1] كتاب الإجارة للسيد محمود الهاشمي ج 1 ص 334
[2] كتاب الإجارة للسيد الخوئي ج 1 ص 88

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo