< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

34/05/15

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الإجارة \ كفاية ملكية المنفعة في صحة الإجارة
 الكلام فيما أفاده الماتن من أنه لا بد من إذن المالك ولا يجوز تسليم العين للأجير الثاني، ولو سلَّمها ضَمِنَ لو تلفت في يد المستأجر الثاني.
 وقد ذكرنا نقضين وحلاً على ما أفاده
 وللحل تقريب آخر حاصله: أن المستأجر الأول حيث إنه بمقتضى الإجارة يكون مالكاً للمنفعة يتصرف فيها كما يشاء ولم يشترط عليه المالك أن يستوفيها بنفسه، فله أن يأذن للمستأجر الثاني -وإن لم يكن مالكاً للعين- سواء أذن المالك أم لم يأذن، وهذا المقدار كافٍ في تصحيح الإجارة الثانية.
 وفيه: ما تقدم عن السيد الخوئي من النقض بمثل الوارث حيث إن له استيفاء المنفعة والاستيلاء على العين كما كان للمورث ذلك، وهكذا في الإجارة حيث ينتقل إلى المستأجر الثاني نفس ما كان للأول من حقٍّ؛ أعني استيفاء المنفعة المتوقِّف على وضع اليد على العين.
 لذا فالصحيح هو التقريب الأول من أن الإذن صادر من المالك باعتبار أن الإذن بالشئ أذن بلوازمه.
  الوجه الرابع: إن أبيت عن كل ذلك من الجوابين السابقين أعني النقض والحل، فأمامك رواياتٌ عديدةٌ:
 منها: ما عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن العمركي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن عليه السلام قال :سألته عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت ما عليه ؟ قال : (إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها ، وإن لم يسم فليس عليه شئ .) [1]
 وهي واضحة الدلالة على صحة الإجارة الثانية، وعدم اشتراط ذلك في إذن المالك للمستأجر الثاني بوضع اليد على العين لكفاية الإذن المستبطَن في الإستيمان المطلق على العين لكل من ملك منفعتها، وكان استيفاؤها متوقِّفاً على ذلك سواءً كان المباشر للاستيفاء المستأجر الأول أو الثاني.
 ومنها: ما عن محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (إني لأكره أن أستأجر الرحى وحدها ثم أواجرها بأكثر مما استأجرتها إلا أن أحدث فيها حدثا أو أغرم فيها غرما .) [2] ومثلها غيرها في إجارة الأرض المستأجرة للزراعة كرواية أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الرجل يتقبل الأرض من الدهاقين ثم يواجرها بأكثر مما تقبلها به ويقوم فيها بحظ السلطان ، فقال : (لا بأس به إن الأرض ليست مثل الأجير ، ولا مثل البيت إن فضل الأجير والبيت حرام) [3] ورواية أبي المغرا عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يواجر الأرض ثم يواجرها بأكثر مما استأجرها قال : (لا بأس ان هذا ليس كالحانوت ولا الأجير ، إن فضل الحانوت والأجير حرام) [4] وروايته الأخرى عن إبراهيم بن ميمون إن إبراهيم بن المثنى سأل أبا عبد الله عليه السلام وهو يسمع عن الأرض يستأجرها الرجل ثم يواجرها بأكثر من ذلك ، قال : (ليس به بأس إن الأرض ليست بمنزلة الأجير والبيت إن فضل البيت حرام ، وفضل الأجير حرام .) [5]
 ووجه الاستدلال: صراحة تلك الروايات في صحة الإجارة الثانية وأنه لا إشكال في جواز تسليم العين للمستأجر الثاني كل ذلك عملاً بمقتضى الإجارة الأولى من استيمان كل من يستوفي المنفعة على العين إذا توقف استيفاء المنفعة على ذلك.
 وقد أورد عليها في الجواهر: بأن الدفع إلى الغير كان على نحوٍ تكون الدابة أمانةً بيد الدافع، أي أنها في يده رغم استيفاء الغير منفعتها، فرغم ركوب الغير عليها، هي بيد المستأجر، وجوابه ظاهرٌ، حيث ورد التعبير فأعطاها غيره،
 مضافاً إلى: أنه مخالفٌ لإطلاق نفي الضمان وظاهر الرواية حيث نفت الضمان فيما لو لم يشترط عليه عدم ركوب الغير لها، عدم توقُّف تمليك المنفعة للثاني بأجرةٍ أو مجاناً، ولا توقُّف دفع العين إلى الثاني لأجل استيفاء المنفعة على الاستئذان من المالك.
 إن قلت: لعل نظر الروايات إلى صورة عدم توقف استيفاء المنفعة على تسليم العين إلى المستأجر الثاني.
 قلت: مدفوعٌ بإباء كل تلك الأمثلة عن ذلك لوضوح توقُّف الاستيفاء فيها على الاستيلاء على العين وأن تكون تحت يد المستأجر الثاني أمانةً. كما أن حملها على صورة إذن المالك خلاف الظاهر جداً.
 نعم قد ذكر السيد الأستاذ دام ظلُّه: أن لا دلالة لفظيةً في تلك الروايات على ذلك لأن جهات السؤال والجواب عن الإسترباح واستحقاق الفاضل ما بين الإجارتين.
  ثم لم يستبعد دام ظلُّه تمامية الإطلاق المقامي المقتضي لجواز ذلك وإلا كان على الإمام عليه السلام التنبيه على اشتراط استئذان المستأجر الثاني المالكَ حتى يضع يده على العين لأجل استيفاء المنفعة منها. وهكذا يُستفاد المطلب من رواية علي بن جعفر فيمن استأجر دابةً فأعطاها الغير فنفقت حيث حكم ثَمَّ بالضمان فيما لو اشترط عليه أن لا يركبها غيره.
 أقول: لا مخالفة مع إطلاق نفي الضمان، لأنه يَتمُّ حتى لو كانت العين تحت يد المستأجر الأول وقد شرط عليه المباشرة، وأن لا يركبها غيره حتى لو كان هو الذي يقودها، فالمستأجر بسبب مخالفة الشرط صارت يده عدوانيَّةً فيضمن، سواءً سلَّم الدابة إلى الغير وسلَّطه عليها، أم لم يكن إلا التمكين من ركوب الدابة مع بقاء الدابة تكويناً تحت يد المستأجر الأول
 والحمد لله رب العالمين


[1] - الوسائل(الإسلامية) ج 13 ص 254
[2] - الوسائل(الإسلامية) ج 13 ص 259
[3] - الوسائل(الإسلامية) ج 13 ص 259
[4] - الوسائل(الإسلامية) ج 13ص 260
[5] - الوسائل(الإسلامية) ج 13ص 260

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo