< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

34/06/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الفقه \ كتاب الإجارة \ كفاية ملكية المنفعة في صحة الإجارة \ تأجير العين المستأجرة بأقل مما استؤجرت
  ( المسألة الأولى ) : يجوز للمستأجر مع عدم اشتراط المباشرة وما بمعناها أن يؤجر العين المستأجرة بأقل مما استأجر ، وبالمساوي له مطلقا أي شئ كانت ، بل بأكثر منه أيضا إذا أحدث فيها حدثا ، أو كانت الأجرة من غير جنس الأجرة السابقة ، بل مع عدم الشرطين أيضا فيما عدا البيت والدار والدكان والأجير ، وأما فيها فإشكال ، فلا يترك الاحتياط بترك إجارتها بالأكثر بل الأحوط إلحاق الرحى والسفينة بها أيضا في ذلك ، والأقوى جواز ذلك مع عدم الشرطين في الأرض على كراهة ، وإن كان الأحوط الترك فيها أيضا ، بل الأحوط الترك في مطلق الأعيان إلا مع إحداث حدث فيها ، هذا ، وكذا لا يجوز أن يؤجر بعض أحد الأربعة المذكورة بأزيد من الأجرة ، كما إذا استأجر دارا بعشرة دنانير وسكن بعضها وآجر البعض الآخر بأزيد من العشرة ، فإنه لا يجوز بدون إحداث حدث وأما لو آجر بأقل من العشرة فلا إشكال ، والأقوى الجواز بالعشرة أيضا ، وإن كان الأحوط تركه.
 يتعرض الماتن في هذه المسألة لإجارة العين المستأجرة بأقل مما استأجره،
 والأقوال في المسألة عديدةٌ أهمها:
 الأول: ما نسب للسيدين والشيخين من الحكم ببطلان الإجارة بأكثر مما استأجر في الأعيان بلا فرقٍ بين الدار والحانوت وغير ذلك، وكذا في إجارة الأعمال حيث لا تصح تقبل العمل بأجرةٍ أقل مما تقبله من صاحبه.
 الثاني:ما ذهب إليه جملةٌ من الأعلام منهم الماتن إلى الإشكال في الإجارة في الموارد التي ورد فيها النص؛ أعني الدار والبيت والدكان والأجير، واحتاط بإلحاق الرحى والسفينة دون الأرض بتلك العناوين .
 الثالث: ما يظهر من بعضٍ من عدم بطلان الإجارة في تمام هذه العناوين وذلك بحمل ما ظاهره النهي على الكراهة.
 وليُعلم أن مقتضى القاعدة: لولا روايات الباب هو الحكم بصحة الإجارة بأكثر مما استأجره في باب الأعيان وصحتها بأقل مما تقبله في إجارة الأعمال، وذلك لأن ما دلَّ على صحة الإجارة الثانية من عمومات "أوفوا بالعقود" المطبَّقة بلحاظها قد دلت على صحة الإجارة مطلقاً سواءً كانت بأزيد أو أقل أو بأجرةٍ مساويةٍ، إلا أن ورود الروايات الخاصة الظاهرة في البطلان هي التي اقتضت رفع اليد عن مقتضى القاعدة.
 ثم إن هذه الروايات مختلفة المضامين حيث يمكن تقسيمها إلى طوائف:
  الطائفة الأولى: ما دلَّ على المنع من أخذ ما يزيد عن الأجرة الأولى إلا إذا أحدث في العين المستأجرة حدثاً، وقد ورد بعضها في إجارة الأعيان والبعض الآخر في إجارة الأعمال، أما القسم الأول فهو:
 الرواية الأولى: بإسناد الشيخ عن الصفار ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن غياث بن كلوب ، عن إسحاق بن عمار ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما السلام: ( ان أباه كان يقول : لا بأس ان يستأجر الرجل الدار أو الأرض أو السفينة ثم يواجرها بأكثر مما استأجرها به إذا أصلح فيها شيئا .) وهي ضعيفة السند بغياث بن كلوب
 الرواية الثانية: محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ،عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : (لو أن رجلا استأجر دارا بعشرة دراهم فسكن ثلثيها وآجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس ، ولا يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به إلا أن يحدث فيها شيئا .) [1] وهي تامة السند
 الرواية الثالثة: ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: (في الرجل يستأجر الدار ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به، قال عليه السلام: لا يصلح ذلك إلا أن يحدث فيها شيئاً.) [2]
 الرواية الرابعة: عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن أخيه الحسن ، عن زرعة ، عن سماعة قال : سألته عن رجل اشترى مرعى يرعى فيه خمسين درهما أو أقل أو أكثر فأراد أن يدخل معه من يرعى فيه (أو معه) ويأخذ منهم الثمن ، قال : (فليدخل معه من شاء ببعض ما أعطى ، وإن أدخل معه بتسعة وأربعين وكانت غنمه بدرهم فلا بأس وان هو رعى فيه قبل أن يدخله بشهر أو شهرين أو أكثر من ذلك بعد أن يبين لهم فلا بأس ، وليس أن يبيعه بخمسين درهما ويرعى معهم ولا بأكثر من خمسين ولا يرعى معهم إلا أن يكون قد عمل في المرعى عملا ، حفر بئرا أو شق نهرا ، أو تعني فيه برضا أصحاب المرعى فلا بأس ببيعه بأكثر مما اشتراه ، لأنه قد عمل فيه عملا فبذلك يصلح له .) [3]
 والبحث تارةً في سند هذه الروايات، وأخرى في دلالتها.
 أما الأول: فالرواية الأولى الإشكال في غياث بن كلوب، حيث لم يوثَّق، وأما الثانية والثالثة فصحيحتان، وهكذا الرواية الرابعة فإن إسناد الشيخ إلى الحسين بن سعيد تامٌ، حيث يروي عن العدة عن الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن عن زرعة عن سماعة، وكلهم ثقاتٌ وهي من مضمرات سماعة.
  وأما بحسب الدلالة: فإنها واضحة الدلالة ما خلا النقاش في دلالة رواية سماعة، إذ الأولى نفت الصلاح عن الإجارة الثانية بأكثر إلا أن يحدث في العين المستأجَرة حدثاً. وهكذا الحال في الرواية الثانية وفي الثالثة نفى البأس عن المؤاجرة بأزيد مما استأجرها إذا أصلح في العين المستأجرة، فلو لم يصلح فيها لكان فيها بأسٌ. وإنما الكلام في دلالة المضمرة حيث يُناقش بأنه ورد التعبير بالبيع والشراء، وهذا لا ربط له بالإجارة، فلا تكون دليلاً على المطلب.
 إلا أنه يظهر أن المراد به بيع وشراء الرعي في الأرض، أو فقل منفعة الرعي فيها وهذا عين الإجارة، وجعلنا أمثال هذه الرواية فيما سبق من الأدلة على صحة وقوع الإجارة بألفاظ البيع والشراء إذا ما كان مصب المنقول المنفعة وليس العين، وأوضح قرينةٍ على ذلك قوله عليه السلام: "حفر بئراً أو شقَّ نهراً أو تعنَّى فيه برضا أصحاب المرعى" فإنه واضح الدلالة على أن المرعى باقٍ على ملك أصحابه، وإنما انتقل إليه بالبيع والشراء منفعة الرعي أي بواسطة الإجارة، وإلا فإن البيع لا يكون ناقلاً إلا للأعيان دون المنافع، وغير ذلك من النكات تظهر للمتأمل في الرواية والتي منها التوقيت الذي لا يتوافق مع فرض بيع المرعى وإنما مع إجارته.
 نعم ربما يُدَّعى منافاة المضمرة مع الرواية الثانية التامة السند والدلالة على المطلب، وأنه لا محذور في إجارة بعض العين المستأجَرة بمقدار الأجزاء المبذولة بإزاء الكل،وسوف يأتي مزيد بيان.والحمد لله رب العالمين


[1] - الوسائل (الإسلامية) ج 13 ص 263 ح 2
[2] - الوسائل (الإسلامية) ج 13 ص 263 ح 4
[3] - الوسائل (الإسلامية) ج 13 ص 264 ح 6

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo