الموضـوع: الإجارة
أما الصورة الثانية ما لو كان المملك بالإجارة منفعة الأجير الخاصة – كالخياطة – للمستأجر، فلو عمل لنفسه أو للغير تبرعاً فالكلام نفس ما تقدم في الصورة الأولى، وأما إذا عمل للغير لا على وجه التبرع وإنما الضمان إجارةً أو جعالة، لا سيما إذا لم يكن من نوع العمل المستأجر عليه، كعمل الكتابة للغير إجارةً أو جعالةً فقد أفاد الماتن أنه ليس للمالك – المستأجر – إجازة ذلك، والوجه في ذلك أنه لا يملك على الأجير إلا منفعة الخياطة دون سائر منافعه كالكتابة والتعليم والزراعة، وعليه ليس له إجازة العقد الثاني الواقع على منفعة الكتابة لأنه ليس مالكاً لها حتى يجيز العقد الواقع عليها، وعليه فالمستأجر الأول ليس بالخيار بين ثلاثة أو أربعة أمورٍ وإنما بين أمرين: إما الفسخ واسترجاع الأجرة المسماة، أو الإبقاء على الإجارة والمطالبة بقيمة المنفعة التي فوَّتها الأجير عليه بالتشاغل لغيره إجارةً أو جعالة،
{( تابع صفحة 47 ) وقد يبرز وجه لدعوى الحاجة إلى إجازة المستأجر الأول رغم أنه ليس مالكاً للمنفعة المضادة التي ملكها للمستأجر الثاني، وأن المالك لها هو الأجير تماشياً مع ملكيته في الآن الواحد للمنفعتين المتضادتين، والوجه في ذلك أنه رغم عدم ملكيته للمنفعة الثانية إلا أن الإجارة الثانية لما كانت مفوِّتةً لحق المستأجر الأول لذا لا تصح من دون إجازته ورضاه رغم عدم كونه مالكاً لمنفعة الكتابة، وإنما المالك لها هو الأجير وقد انحصرت ملكيته ببركة الإجارة الأولى بخصوص منفعة الخياطة ليس إلا، ولو أجاز صحت الإجارة الثانية عن الأجير لا عن المستأجر الأول المجيز نظير بيع الرهن.
وفيه: إنه يتم فيما إذا كان حق الغير في نفس متعلق العقد ومصبه، لا في مالٍ آخر يفوَّته عليه لو أراد الوفاء بذلك العقد، مضافاً إلى أنه يمكن توفية حقه بفسخ الإجارة بلا حاجةٍ إلى الإجازة.}
وهذا اع الأجرة المسماة، أو الإبقاء على الإجارة والمطالبة بقيمة المنفعة التي فوَّتها الأجير عليه بالتمنه ينسجم مع ما تقدم من أن الإجارة لا تبطل من رأسٍ كما أنها ليست لازمةً وإنما يكون بالخيار بين الفسخ والإمضاء مع المطالبة إما بأعلى الأجرتين أو الأجرة المستوفاة أو الأجرة الفائتة، مع التسليم بأنه ليس له المطالبة بمجموع الأجرتين: الفائتة والمستوفاة كما ظهر مما سبق، وقد عرفت أن الماتن يرى عدم حرمة عمل الأجير للغير بعد أن لم يكن العمل المملك بالإجارة الثانية ملكاً للمستأجر الأول، حتى تقع الإجارة الثانية منه في طول إجازته!، وإنما تقع صحيحةً عن الأجير.