< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

39/04/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ما هو حد الترخص والنقاش فيه/ الشرط الثامن من شروط القصر

إطلالة على الدرس السابق:

استعرض سماحة السيد الأستاذ الشرط الثامن من شروط القصر، وهو وجوب القصر لبلوغ حد الترخّص ضمن النقاط التالية:

    1. الإجماع المدعى على عدم جواز التقصير والإفطار قبل بلوغ حد الترخّص.

    2. مناقشة ما نسب لوالد الصدوق، من جواز التقصير بمجرد الخروج من المنزل.

    3. استعرض ثلاث روايات يمكن أن تكون مستنداً لما نسب لوالد الصدوق.

    4. مناقشة ما نسب لوالد الصدوق، بعدم صدق المسافر على من خرج من بيته.

    5. مناقشة حمل مرسلة حمّاد على التقيّة.

وقد اختلف في الحد المرخص في التقصير والإفطار:

هل مجرد تواري جدران البلد عنه؟ أو خفاء الآذان؟ أو الجامع ما بينهما؟ وجوه، بل أقوال، فأكثر المتأخرين ذهبوا إلى أنه عبارة عن خفاء كل من جدران البيوت والآذان، وأنه يكفي تحقق أحدهما مع العلم بعدم تحقق الآخر، فيما ذهب أكثر المتقدمين إلى اعتبار أحد الأمرين، واقتصر في التنقيح على خفاء الجدران، وكذا في المقنع، في حين ذهب المفيد وسلار والحلي إلى أن المعيار في خفاء الآذان.

ومنشأ الخلاف هي الأخبار، والاختلاف فيما يفهم من الشرطيتين اللتين تضمنتهما الروايات.

أما الروايات فهي بعض ما في الباب السادس والثالث من صلاة المسافر:

    1. صحيحة محمد بن مسلم، قال:" قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يريد السفر (فيخرج) متى يقصر؟ قال: إذا توارى من البيوت"[1]

    2. صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال:" سألته عن التقصير قال: إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الاذان فأتم، وإذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الاذان فقصر، وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك"[2] .والرواية تامة السند، لكن بحسب إسناد الشيخ إلى الصفار في الفهرست، لا في التهذيب؛ لعدم تماميته، حيث يروي عن جماعة عن الصدوق عن ابن الوليد عن الصفار، لكن في غير بصائر الدرجات كما نص على ذلك في الفهرست.

    3. ما في المحاسن عن أحمد بن محمد البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال:" إذا سمع الآذان أتم المسافر"[3] .

    4. رواية إسحاق بن عمار قال:" قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوم خرجوا في سفر فلما انتهوا إلى الموضع الذي يجب عليهم فيه التقصير قصروا من الصلاة "[4] . دلت الرواية على ثبوت ارتكاز في لا بدية الوصول إلى حد وموضع مكاني هو حد الترخص، وإن لم يدلل عليه في هذه الرواية، والرواية غير تامة السند، لمكان ممد بن أسلم البجلي الذي لم يوثق، ولو كان ابن مسلم فليس المعروف؛ لعدم كونه في طبقة من يروي عن صباح الحذاء عن إسحاق بن عمار، بل هو متقدم حتى على معاوية بن عمار، نعم ورد في كامل الزيارات، وقد عرفت ما فيه.

    5. نفس الرواية لكن بحسب رواية العلل عن أبيه عن سعد عن أحمد ابن أبي عبد الله عن محمد بن علي الكوفي-أبو سمينة-عن محمد بن أسلم – أو مسلم-نحوه وزاد قال: "ثم قال: هل تدري كيف صار هكذا؟ قلت: لا، قال: لان التقصير في بريدين ولا يكون التقصير في أقل من ذلك، فإذا كانوا قد ساروا بريدا وأرادوا أن ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير، وإن كانوا ساروا أقل من ذلك لم يكن لهم إلا إتمام الصلاة، قلت: أليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الذي خرجوا منه؟ قال: بلى إنما قصروا في ذلك الموضع لأنهم لم يشكوا في مسيرهم وإن السير يجد بهم، فلما جاءت العلة في مقامهم دون البريد صاروا هكذا"[5] .

وهذه الرواية تؤكد الإرتكاز الذي كان في ذهن الراوي، من شرطية بلوغ حد الترخص حتى يقصر، وقد أقره الإمام (ع) على ذلك، وأن علامة ذلك هو خفاء آذان مصرهم الذي خرجوا منه. نعم الرواية ضعيفة السند بكل من محمد بن أسلم، ومحمد بن علي الكوفي، فإن الأول غير موثق، والثاني كذاب.

ثم إن المحتملات في الشرطيتين هي:

    1. أن يُلحظ كل من الشرطين موضوعاً وعلة للحكم بالتقصير، شأن أي موضوع بالنسبة لحكمه، وأي علة بالنسبة لمعلولها. وأثر ذلك أن الحكم بالقصر والإفطار يدور وجوداً وعدماً، سعة وضيقاً مدار الشرط، شأن كل حكم مع موضوعه وعلة مع معلولها.

والحاصل: أن حد الترخص عبارة عن نفس هذين الشرطين.

    2. أن يكون حد الترخص عبارة عن بُعد المسافر بعداً مكانياً خاصاً عن بلدته تكون أمارته وعلامته خفاء الجدران والآذان. لا أنها هي الموضوع والعلة لذلك. وإن شئت قلت: الشرطان هما علة علمية، وليست موضوعاً، وإنما علامة حدّية.

    3. أن يكون كل من الشرطين علامة تقديرية تقريبية، لا تحقيقية، فمثلاً خفاء الجدران أمارة على تحقق البُعد المكاني الخاص في الجملة، إما مقارناً لحصول الشرط، أو قبله؛ لأنها علامة تقديرية تقريبية، وليست تحقيقية، أي يبعد مقدار لا يسمع فيه الآذان، ولا يرى فيها البيوت؛ لتواريها عنه نتيجة الضرب في الأرض والبعد عنها.

والاحتمال الأول يبعده كل من رواية ابن سنان وإسحاق بن عمار، حيث ورد في الأولى" وإذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الآذان فقصر" حيث إن الميزان في بلوغ ذلك الموضع، والذي علامته ألا تسمع الآذان. وهكذا في رواية إسحاق بن عمار الوارد فيها " فلما بلغو الموضوع الذي يجب عليهم فيه التقصير فقصروا من الصلاة" وأن المعيار في بلوغ الموضع الذي يبعد عن بلدهم، والذي هو حد الترخص، من دون التعرض لذكر علامته، وقد تعرض لها في الزيادة بحسب رواية الصدوق في العلل، وهو بلوغ الموضع الذي لا يسمعون فيه آذان مصرهم الذي خرجوا منه.

والحاصل: أنه يفهم من هذه الروايات أن لا موضوعية لخفاء الجدران والآذان، وإنما الموضوعية لبلوغ ذلك المكان الذي دُلّل عليه في الروايتين بخفاء الآذان، وعدم سماعه.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo