< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

39/04/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: الوجوه في الشرطين المذكورين في الروايات لحد الترخص - الشرط الثامن من شروط القصر

إطلالة على الدرس السابق:

ضمن النقاط التالية:

    1. عرض ومناقشة الأقوال في حد الترخّص:

     مجرد تواري جدران البلد.

     أو خفاء الآذان.

     أو الجامع بينهما.

    2. منشأ الخلاف هو الروايات، وما يفهم من الشرطيتين:

     خفاء الجدران.

     خفاء الآذان.

    3. استعرض سماحة السيد الأستاذ الروايات ومناقشتها.

    4. ثم ذكر المحتملات من الشرطيتين:

     أن يُلحظ كل من الشرطين موضوعاً، فيكون حد الترخص هو نفس هذين الشرطين.

     الشرطان هما علة علمية، وليس موضوعاً، وإنما علامة حدّية.

     أن يكون كل من الشرطين علامة تقديرية تقريبية.

    5. وفي الختام استنتج سماحة السيد الأستاذ: أنه لا موضوعية لخفاء الجدران والآذان، وإنما الموضوعية لبلوغ ذلك المكان الذي دُلّل عليه في الروايتين. (انتهى الدرس السابق)

وأما الاحتمال الثاني: فالذي يبعَّده أن العلامتين إن كانتا متساويتين، بأن تكون إحداهما عين الأخرى، والاختلاف بينهما إنما في المفهوم، وبالتالي لا معنى للاكتفاء بأحدهما تعييناً، أو تخييراً، أو اشتراط انضمام الشرطيتين، وإن كانتا مختلفتين بأن كانت إحداهما أقل والأخرى أكثر، فحيث يمتنع التقدير بالأقل والأكثر معاً، وفرضهما علامة معاً، فلا بد من تحيكم قواعد التعارض، من الترجيح، أو التخيير.

والحاصل: أنه على كل من الموضوعية والعلامتية سوف لا يستقيم الربط، لا سيما عند من يرى أنه لا تعدد في العلامة، مع فرض الاختلاف، إن كانت الواحدة كافية في التدليل على البعد المعين الذي هو حد الترخّص.

وقد تلخص: أنه يرى عدم إمكان أن يكون للشيء علامتان، وحدان ما لم يُفرض تطابقهما في الصدق والتحقق، بحيث لا ينفك أحدهما عن الآخر، والمفروض اختلاف العلامتين في المقام، وحصول أحد الخفاءين قبل الآخر. وهكذا يتعين الاحتمال الثالث.

وقد ذكر جملة من الفقهاء وشراح المتن ألا يتعارض فيما بين المنطوقين، وإنما التعارض فيما بين منطوق كل منهما مع مفهوم الآخر، ورتبوا على ذلك جملة نكات:

منها: أن الجمع ما بين الظهورات إنما يكون فرع التنافي والتعارض، ولما لم يكن تعارض فيما بين المنطوقين، فلذا لا محصّل للجمع العرفي بينهما، وهذا بخلاف منطوق كل منهما مع مفهوم الآخر، فلا بد من إعمال قواعد الجمع، وإلا فالتعارض مستقر، والمحكّم قواعده.

وهذا ما ذكره السيد الخوئي: من أنه لا تعارض فيما بين المنطوقين بوجه، إذ لا تعارض بين ثبوت التقصير لدى خفاء الآذان، وبين ثبوته عند خفاء الجدران أصلاً، وإنما المعارضة نشأت من انعقاد المفهوم ودلالة القضية الشرطية على العلية المنحصرة، حيث دلت إحدى الشرطيتين على انحصار علة الجزاء _ التقصير_ في هذا الشرط الذي لازمه انتفاؤه لدى انتفائه، والمفروض أن الأخرى أثبتت الجزاء لدى تحقق الشرط الآخر، فتتعارضان. ثم قال: وفي الحقيقية لا معارضة بين نفس المنطوقين، وإن اندفعت المعارضة بتقييد كل من المنطوقين بالآخر، إلا أنه لا موجب لذلل؛ لعدم المعارضة بينهما، ولا وجه لرفع اليد عن إطلاق كل من المنطوقين، ومعارضة منطوق كل منهما ليس مع أصل مفهوم الآخر، وإنما مع إطلاقه فنقيد مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر، ويكون المستفاد من مثل إذا خفي الآذان يقصّر بعد تقييده بمنطوق الشرطية الأخرى، أنه إذا لم يخفَ فلا تقصر إلا إذا خفي الجدران. والخلاصة: اعتبار أحد الخفاءين للحكم بالتقصير، أي رفع اليد عن الاطلاق المقابل للتقييد بــ أو لا بالواو، إذ لا وجه لتقييد المنطوق بالمنطوق المستلزم لرفع اليد عن الاطلاق المقابل للتقييد بالواو، والذي يعني اعتبار الأمرين معاً فإنه بلا موجب.

وأورد عليه وفاقاً لصاحب مستند الشيعة: بأنه حتى لو أغمضنا النظر عن مفهوم كل من الشرطيتين، فإن التعارض حاصل ما بين منطوق الشرطيتين، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار إطلاق المنطوق في كل منهما، فإن مفاد المنطوق في مثل إذا خفي الآذان فقصر هو ثبوت التقصير على فرض خفاء الآذان حتى ولو لم يخفَ الجدران، أي سواء خفي الجدران أو لم يخفَ، فإنه يجب التقصير لمكان خفاء الآذان، وهذا ينافي الشرطية الأخرى الموجبة للتقصير على فرض خفاء الجدران، فمركز التنافي في ما بين إطلاق الشرط في كل من القضيتين، مع أصل الشرط في القضية الأخرى، وهذا بمعزل عن ثبوت المفهوم لكل من الشرطيتين، ولا بد من علاجه.

والحاصل: أن اطلاق الشرط في كل من القضيتين يُلغي موضوعية الشرط في القضية الأخرى للجزاء، ولا بد من علاجه بتقييد إطلاق كل من الشرطين في القضيتين بأصل الشرط في القضية الأخرى، فإن ظهور كل من الشرطين في الاطلاق فرع عدم البيان، وأصل الشرط في القضية الأخرى لما كان مفاداً بالوضع يصلح لأن يكون بياناً مانعاً من انعقاد إطلاق الشرط في القضية الأولى. والنتيجة: هو رفع اليد عن إطلاق الشرط في كل من القضيتين بأصل الشرط في القضية الأخرى.

وفيه: أنه لا منافاة ما بين منطوق الشرطين كما أفاد المشهور، وذكره السيد الخوئي، وذلك لأن منطوق مثل إذا خفي الآذان فقصر وإن كان لإطلاقه شمول لصورة عدم خفاء الجدران، وأنه يجب عليه التقصير، إلا أنه لا ينفي وجوب التقصير في صورة خفاء الجدران حتى تحصل المنافاة المدعاة، فيصير إلى الجمع بينهما على أساس الاطلاق والتقييد.

والحاصل: أن الجمع العرفي بين المنطوقين إنما هو فرع المعارضة ولو غير المستقرة، ولا أساس للمنافاة ما بين المنطوقين حتى لو حافظنا على إطلاق كل منهما؛ لأنه لا ينفي الجزاء على تقدير ثبوت الشرط الآخر، وإنما يترتب الجزاء حتى مع عدم وجود الشرط الآخر، وفرق واضح بين الأمرين، وإن كان صريح عبارة مستند الشيعة أن المعارضة تكون بين منطوق شرطية محمد بن مسلم مع منطوق الشرطية الأولى في رواية ابن سنان، أي أن المعارضة بين المنطوقين.

ثم إن المحاولات المطروحة في مثل المقام جملة وجوه: إما برفع اليد عن إطلاق المفهوم في كل من القضيتين، أو إسقاط أصل المفهوم في كل منهما، أو برفع اليد عن إطلاق كل من الشرطين، بفرض شرط آخر ينتج نفس الجزاء، بحيث يكفي في ترتب الجزاء ثبوت أحد الشرطين، لا خصوص أحدهما، أو برفع اليد عن إطلاق كل من الشرطين، وذلك بضمه إلى الشرط الآخر، فيكون الشرط مجموع الخفائين، فإذا خفيا وجب التقصير، وإن خفي أحدهما دون الآخرة فلا يجب، أو يكون الشرط الجامع فيما بينهما ويكون كل واحد منهما المذكور في القضيتين محققاً له، أو برفع اليد عن المفهوم في خصوص أحدى الشرطيتين لا على وجه التعيين، مع الإبقاء على مفهوم الشرطية الأخرى. هذه جملة وجوه، ولكل منها نكتتها، توضيح ذلك:

أما الوجه في إسقاط المفهوم في كل منهما: فقد ذكروا أن ثبوت المفهوم متفرع على إفادة المنطوق لحصر علة الجزاء بالشرط، وبما أن المفهوم غير قابل للتصرف فيه؛ لأنه ليس مدلولاً للكلام، فلا بد من التصرف بالدال في المنطوق على الحصر، أي أنه يقع التعارض بين دلالة كل من المنطوقين على ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط مع دلالة الشرطية الأخرى على الحصر، ولما كانت دلالة المنطوق على ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط أقوى من دلالته على الحصر فتسقط دلالة المنطوق في كل منهما على الحصر، فلا يثبت المفهوم لهما.

والحاصل: أن المفهوم ليس ظهوراً مستفاداً من اللفظ، وإنما هو بحكم العقل، وأحكام العقل غير قابلة للتصرف والتقييد.

وفيه: أن المفهوم والشرائط التي لا بد من توفرها في الجملة ذات المفهوم هي عبارة عن تحليل حال المتكلم في مقام الكشف عن تمام مراده من الكلام، بوصفه إنساناً عاقلاً ملتفتاً، ولا يقصد بها براهين عقلية، ولذا لم يشكك أحد من العرف في استفادة المفهوم كظهور عرفي لكلام المتكلم. وإن شئت قلت: إن شرائط استفادة المفهوم من الجملة الشرطية مثلاً، هي حيثييات تعليلية، وليست تقييدية، فالتصرف في ظهور ليس مستنداً لمحض اللفظ والوضع، وإنما بنكتة عقلية، لا أن التصرف في أمر عقلي، وفرق واضح بين المطلبين، وهذا ما ينسحب على بعض الوجوه الآتية.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo