< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

39/06/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: المسألة 65 حد الترخص يشمل محل الإقامة والمكان المتردد فيه ثلاثين يوماً/حد الترخّص/ الشرط الثامن من شروط القصر/ صلاة المسافر.

المسألة 65:

"الأقوى عدم اختصاص اعتبار حد الترخص بالوطن [1] فيجري في محل الإقامة [2] أيضا بل وفي المكان الذي بقي فيه ثلاثين يوما مترددا ، وكما لا فرق في الوطن بين ابتداء السفر والعود عنه في اعتبار حد الترخص ، كذلك في محل الإقامة [3] ، فلو وصل في سفره إلى حد الترخص من مكان عزم على الإقامة فيه ينقطع حكم السفر [4] ، ويجب عليه أن يتم ، وإن كان الأحوط [5] التأخير إلى الوصول إلى المنزل كما في الوطن ، نعم لا يعتبر حد الترخص في غير الثلاثة كما إذا ذهب لطلب الغريم أو الآبق بدون قصد المسافة ، ثم في الأثناء قصدها [6] فإنه يكفي فيه الضرب في الأرض "[7] .

يتعرض الماتن في هذه المسألة إلى أن حد الترخص لا يختص بخصوص الوطن، بل يشمل مكان الإقامة والمكان الذي تردد فيه ثلاثين يوماً، وفي مكان الإقامة، وكما يشمل الذهاب يشمل الإياب، نعم في مكان التردد يختص بخصوص الذهاب دون الإياب، وإلا فإنه لا يصدق عليه المتردد ما لو علم من رأس قبل الدخول إلى البلدة الفلانية أنه سوف يمكث فيه ثلاثين يوماً متردداً.

أما بالنسبة لمكان الإقامة بلحاظ الذهاب، فالمشهور ذهبوا إلى اشتراط حد الترخص حتى يخرج عن حكم التمام إلى القصر، لا أنه يثبت ذلك بمجرد الخروج من بلد الإقامة.

وما يصلح لأن يكون دليلاً على ذلك جملة وجوه:

    1. التمسك بإطلاق الروايات التي اشترطت حد الترخص، ففي مثل صحيحة ابن مسلم في الرجل يريد السفر متى يقصر؟ قال (ع): " إذا توارى من البيوت"[8] وصحيح ابن سنان: " إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الآذان فأتم، وإذا كانت في الموضع الذي لا تسمع فيه الآذان فقصَّر، وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك".[9] وصحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (ع) قال: إذا سمع الآذان أتم المسافر".[10] الدال بالمفهوم على أنه إذا خفي عليه ولم يسمعه قصر. فإن هذه الروايات قد دلت بإطلاقها على ثبوت حد الترخص لكل من المتوطن والمقيم، وليس مختصة بخصوص المتوطن، ففي الأولى يُراد من السفر في سؤال ابن مسلم الأعم من السفر بعد الحضر، أو بعد الإقامة، وليس مخصوصاً بالأول، وهكذا في صحيح ابن سنان، وكذا في صحيح حماد.

وأورد على دعوى الإطلاق هذه: بالانصراف إلى خصوص الوطن، ولا يشمل مكان الإقامة.

والجواب: أن الانصراف على أساس كثرة الاستعمال غير تامة صغروياً، بل وكذا لا تمامية لصغرى الانصراف على أساس غلبة الوجود، ولو سلِّم فإن كبراه غير تامة؛ لأن هذا النحو من الانصراف لا ينشأ علاقة فيما بين اللفظ الموضوع للطبيعة والحصة منه، تكون ناسخة للعلاقة فيما بين اللفظ والطبيعة. وعليه: فلا أثر له حتى لو تمَّ صغروياً. نعم تبقى دعوى الانصراف على أساس مناسبة الحكم والموضوع، وسيأتي مزيد بيان لذلك.

نعم قد يُدعى أن إطلاق روايات حدِّ الترخص لا تصلح لأن تكون مخصصاً لعموم ما دلى على وجوب القصر على كل مسافر، وذلك على وفق المبنى الذي يرى أن نكتة تقديم الخاص على العام على أساس أظهرية الخاص بالنسبة للعام، ولو على أساس أنه كلما كانت دائرة الظهور أضيق كان الظهور أوضح وأجلى مما لو كانت دائرته أوسع، ففي مثل اكرم كل عالم ولا تكرم العالم الفاسق، فإن الخاص أظهر من العام في خصوص العالم الفاسق؛ لأنه وارد فيه بخصوصه، وهذا بخلاف العام، فإنه دل على وجوب إكرام العالم الفاسق، إلا أنه ليس بخصوصه، وإنما في دائرة كل العالم بما فيه الفاسق، فيكون ظاهراً في وجوب إكرام العالم الفاسق، والخاص أظهر في نفي وجوبه لوروده فيه بخصوصه. وعليه: فلو كان ظهور العام في فرد أقوى من ظهور الخاص فيه قُدِّم العام في ذلك الفرد على الخاص ومقامنا كذلك، فإن ظهور ما دل على وجوب القصر على المقيم الذي خرج عن مكان إقامته، والذي لم يبلغ حد الترخص بعدُ أقوى من ظهور ما دل على اشتراط حد الترخص، حتى بالنسبة للمقيم، وعليه: فلا يتقدم الخاص على العام في الفرد الذي لا يكون ظهور الخاص أقوى من العام وإنما الأمر بالعكس، ولذا يُحكّم في مثل ذلك ظهور العام الأقوى، ويقدم عليه، فلذا يجب على المقيم إذا خرج من بلد الإقامة للسفر القصر حتى ولو لم يبلغ حد الترخص، تحكيماً لظهور العام الأقوى على ظهور الخاص الأضعف في هذا الفرد من أفراد الخاص.

والجواب: أنه حُرِّر في محله من بحوث الأصول أن تقديم الخاص على العام ليس على أساس أقوائية ظهوره من ظهور العام، وإنما على أساس أضيقية دائرة الخاص من العام، حيث أن العرف العام يجعل كل دليل أضيق دائرة من دليل آخر أوسع منه دائرة قرينة نوعية مفسَّرة وشارحة لم يُراد من الدليل الأوسع دائرة، بلا نظر إلى درجة ظهوره، بل حتى لو كان ظهور الأضيق دائرة من أضعف الظهورات، ما لم يصل إلى حد الإجمال، يُقدم على الأوسع دائرة ولو كان من أوضح الظهورات، كما هو كذلك بالنسبة للدليل الحاكم، حيث يقدم على الدليل المحكوم على أساس القرينية الشخصية والشرح والتفسير لما يُراد منه، حتى لو كان من أضعف الظهورات، والدليل المحكوم من أقواها. ولا مجال لدعوى أنه سوف نكون أمام قرينتين نوعيتين كل منهما توجب تفسيراً وشرحاً، وبالتالي تصرفاً خلافاً لما توجبه القرينة الأخرى من شرح وتفسير وتصرف! إذ سوف نكون أمام قرينية الأخصية على أساس أضيقية دائرة الخاص من العام فيما كان الخاص مختصاً به، مما يعني رفع اليد عن العام بمقدار ما يكون الخاص ظاهراً فيه، كما أنه سوف نكون أمام قرينية الأظهرية التي توجب تحكيم العام فيما هو أظهر فيه ورفع اليد عن الخاص بالنسبة إليه.

والسرُّ في ذلك: ما أشرنا إليه من أن قرينية الأظهرية طولية يُصار إليها فيما لو لم تكن هنالك قرينية على أساس الأخصية وأضيقية الدائرة، وذلك ليس كأمرٍ تعبدي، وإنما كنكتة لدى العرف الذي هو الميزان في القرينية والشرح والتصرف والتقديم، والعرف يرى تقدم الخاص على العام على أساس أضيقية دائرته منه حتى ولو كان أضعف الظهورات، بل لا ينظر عند العرف الذي أعد قرينية الخاص على العام لدرجة ظهوره، بل حتى لو كانت من أضعف درجات الظهور، ما لم تصل إلى الاجمال، فإنه يقدم على العام حتى ولو كانت من أقوى درجات الظهور. وكأن قرينية الأظهرية بنظر العرف في طول قرينية الخاص الأضيق دائرة من العام.

ومما ينبِّه على ذلك: وجدانية أنه لو عكسنا الأمر بأن حكَّمنا الأقوى ظهوراً أعني العام على الأضعف ظهوراً وهو الخاص يلزم منه بحكم أوسعية دائرة العام من الخاص إلغاء الخاص من رأس، وهذا ليس من الجمع العرفي بوجه، إذا ما استلزم إلغاء أحد الدليلين، ونكتة ذلك أنه لو قدمنا الخاص على العام لا يكون فيه إلغاء للعام وإنما تضييق في دائرته ومساحته، وأما لو عكسنا الأمر وقدمنا العام على أساس أقوائية ظهوره من الخاص يلزم منه إلغاء الخاص، ومن الواضح أن ظهور الخاص في أصل وجوده أقوى من ظهور العام المسلم أصل وجوده، لكن في حدوده الشاملة للخاص.

اللهم إلا أن يدعى أن تقديم العام لا يكون على تمام حصص الخاص حتى يلزم إلغاؤه! وإنما على بعض حصصه، فلا يكون فيه إلغاء للخاص، لو حكمنا العام على أساس أظهريته من الخاص. إلا أن هذا محض تحكم.

فالصحيح: أن الروايات الدالة على حد الترخص لو تمَّ الإطلاق فيها لكل من الوطن ومكان الإقامة، فإنه يكون على حد سواء بلا فرق بين الوطن ومكان الإقامة، وبالتالي لا وجه لتقديم أدلة العام على بعض حصص الخاص بزعم أقوائية ظهور العام في ذلك الفرد منه.

 


[1] في إجراء حد الترخص في غير الوطن إشكال فلا يترك الاحتياط (الخوانساري).* اختصاصه بالوطن لا يخلو عن قوة. (الجواهري).* الأقوى عدم جريانه في غير الوطن. (الفيروزآبادي).* في جريانه في غيره إشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط في محل الإقامة والتردد ذهابا وعودا. (الإمام الخميني)* بل الأقوى الاختصاص وإن كانت رعاية الاحتياط أولى. (الخوئي)* لا يبعد اختصاص ذلك بالوطن فالمقيم يقصر بمجرد الخروج عن محل إقامته ناويا لقطع مسافة جديدة وكذا يلزمه التمام حين الوصول إلى المحل الذي عزم على الإقامة فيه نعم حدود البلد حكمها حكمه واعتبار محل الترخص أحوط. (كاشف الغطاء).
[2] في إجراء حد الترخص في غير الوطن إشكال لعدم الدليل مع تمامية عموم المنزلة. (آقا ضياء)* لا يترك الاحتياط فيه. (الشيرازي).* في جريانه في غير الوطن إشكال فلا يترك الاحتياط بالجمع إلى زمان اليقين بالقصر أو التمام. (الحكيم).* ينبغي رعاية الاحتياط فيه. (البروجردي).
[3] في الوصول إلى محل الإقامة إشكال فلا يترك الاحتياط إما بالجمع أو التأخير إلى الوصول إلى المنزل. (الإصفهاني)* قد مر الاحتياط في العود إليه. (الحائري).
[4] على تأمل بل لا يخلو العدم عن قوة كما مر. (آل ياسين).
[5] لا يترك هنا. (الشيرازي).
[6] وكذا العاصي في سفره إذا عاد إلى قصد الطاعة ومن شغله السفر إذا أقام في غير بلده عشرة فإنه يقصر في السفرة الأولى بمجرد الضرب في الأرض. (كاشف الغطاء).
[7] العروة الوثقى -السيد اليزدي -ج3 -ص464 -465.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo