< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

39/08/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: الدليل على اشتراط التوطن الدائم ومناقشته/ الوطن الاتخاذي/ أحكام الوطن/ قواطع السفر/ صلاة المسافر.

والحاصل:

أن ما يصلح لأن يكون دليلاً على اشتراط نية التوطن الدائم تارة:

    1. الإجماع.

    2. وأخرى الشهرة.

    3. وثالثة نكتة عرفية.

والأول غير تام، فإن المحصل منه غير حاصل، والمنقول غير مقبول، بل لم يدعه أحد ممن اشترط ذلك، لا سيما مع وجود من لا يشترط ذلك.

والثاني: فإن ما يصلح لأن يكون دليلاً عليه، إما أن الملاك في حجية خبر الثقة موجود في الشهرة الفتوائية بشكل أوضح، وهو إفادة الظن ككاشف عن الواقع، وإما التمسك بإطلاق الموصول في رواية عمر بن حنظلة، الآمرة بالأخذ بما اشتهر بين الأصحاب، فإنه بإطلاق الموصول يشمل الشهرة الفتوائية، وهكذا المرفوعة، أو التمسك بعموم التعليل في آية النبأ بناءاً على أن العلة تعمم وتخصص؛ لذا تشمل الشهرة الفتوائية، حيث لا يكون العمل بها من دون تبين فيه سفاهة، وإصابة للقوم بجهالة، وهذا يعني حجية الشهرة الفتوائية، حيث يؤخذ بها من دون تبيَّن، وشيء من هذه الوجوه لا ينهض دليلاً على الحجية. أما الأول: فلأن ملاك الحجية في خبر الثقة مبني على غلبة المطابقة باعتبار حسيته، حيث إن الخطأ الحاصل من الحس في مقام التماس مع الواقع، وإن كان محتملاً إلا أنه يتغلب عليه بأصالة عدم الخطأ في الحس، وهذا ما لا يتوفر في الشهرة الفتوائية؛ لأن كل فتوى إخبار حدس، وليس بالضرورة أن يكون ما حدس به الفقيه مطابقاً للواقع، ولا توجد أصالة يتغلب بها على احتمال الخطأ فيه، وبالتالي لا غلبة مطابقة للواقع في الأخبار الحدسية، ومن هنا لم يتناول دليل حجية خبر الثقة الخبر الحدسي، وإنما اقتصر على خصوص الحسي. وأما الثاني: فعلاوة على عدم تمامية كل من سند رواية عمر بن حنظلة، والمرفوعة، قد عرفت في محله أن الأولى ناظرة للشهرة الروائية دون الفتوائية، وأنها بصدد تمييز الحجة عن اللا حجة؛ فلذا يؤخذ بما اشتهر بين الأصحاب الذي لا ريب فيه، ويدع الشاذ النادر. وأما الثالث فجوابه: أنه لم يتضح كون الذيل علة، وإنما ورد لبيان مناسبة نزول الآية، ووجوب التبين في خبر الفاسق، وبالتالي عدم حجيّة خبره، ولو سلم فإننا لا نسلم أن هنالك علة واحدة منحصرة، وهو كون المخبر فاسقاً حتى يجب التبين كي لا نقع في الإصابة بجهالة، سواء كانت بمعنى الجهل وعدم العلم، أو بمعنى عدم الغرض العقلائي، بل حتى لو لم يكن فاسقاً، لكن كان إخباره عن حدس، إذ لعل ما حدس به وأعمل فيه نظره لم يكن مطابقاً للواقع، فيكون فيه إصابة بجهالة وموجباً للندامة.

وأما النكتة الثالثة: فهي ما ذكره السيد الحكيم: أنه لا بد من نية التوطن الدائم، إذ مع عدمها لا فرق في نظر العرف ما بين نية التوطن إلى سنة ونية التوطن إلى ثلاثين سنة في كون قصد التوطن المؤقت لا يوجب صدق الوطن، وعليه: فلا بد من نية التوطن الدائم. وكأنه (قده) يسجل بهذا الكلام نقضاً على من لم يشترط نية التوطن الدائم، بأنه لا فرق في نظر العرف بين السنة والثلاثين، مع وضوح ألا يصدق الوطن فيما لو نوى التوطن لسنة، فكذا الثلاثين سنة، طالما أن الجامع بينهما هو التوقيت؛ لذا اشترط عدم التوقيت بأجل، وأن تكون نية التوطن دائماً، فإن حكم المثال فيما يجوز ولا يجوز واحد. وإليك نص عبارته في المستمسك:" بل هو خلاف الظاهر ، إذ لا فرق في نظر العرف بين السنة والثلاثين سنة في كون قصد التوطن مدتها لا يوجب صدق الوطن ، بل لا بد فيه من التوطن مدة العمر . نعم يحتمل دخوله فيمن بيوتهم معهم ، لأن انقطاعه عن وطنه الأصلي واتخاذ المنزل كوطن له ، يقتضي كونه في بيته الثاني ، وإن كان موقتا . اللهم إلا أن يختص من بيوتهم معهم بمن كانت بيوتهم مبنية على الارتحال ، لتكون معهم ، ولا يشمل البيوت الثابتة المبنية على الاستقرار . ولكن هذا التخصيص خلاف مقتضى التعليل الارتكازي ، فإنه لا فرق في ارتكاز العرف بين الأمرين اللهم إلا أن يقال : حمل التعليل على مقتضى الارتكاز يقتضي كون المراد من البيوت الأوطان ، فإنها التي لا يقصر فيها ويجب فيها التمام ، لا مطلق البيوت . وإلا كان التعليل غير ارتكازي ، وهو خلاف الأصل في التعليلات وإذا حملت البيوت على الوطن لم تشمل ما نحن فيه . اللهم إلا أن يقال : الارتكاز يقتضي الحمل على البيوت التي لا يكون المقيم فيها مسافرا عرفا ، وإن لم تكن وطنا . فالمقيم فيها إذا كان منقطعا عن وطنه ، وجاعلا له كوطنه لا يكون مسافرا ، فلذا كان عليه التمام . فالتعليل يكون إشارة إلى هذا المعنى ، وهو قريب جدا إلى الأذواق العرفية فالمسافر الذي يقصر مقابل الحاضر الذي يتم ، والحضور يكون بالإقامة في الوطن الدائم ، ويكون بالوطن الموقت ، فإن المقيم فيه حاضر عرفا . ويشهد بذلك : أن كثيرا من الأعراب الذين يسكنون هذه البيوت لهم أوطان مستقرة ، يسكنونها في بعض السنة ، ويخرجون منها في أيام الربيع لسوم مواشيهم . وعلى هذا يكون المقر بمنزلة الوطن في وجوب التمام"[1] .

وفيه: إن كان نظره (قده) إلى أنه لو لم تكن نية التوطن دائماً، فلا فرق ما بين السنة والثلاثين سنة؛ لعدم الحد الفاصل فيما دون نية التوطن دائماً، حتى يكون ما بعد الحد موجباً لصدق الوطن الاتخاذي، وما قبله غير موجب لصدقه، فهذا مما لا نسلّم به، ضرورة الفرق الواضح بنظر العرف ما بين نية التوطن إلى سنة، ونية التوطن إلى ثلاثين سنة، حيث لا إشكال في عدم صدق الوطن الاتخاذي على الأول بخلافه على الثاني، حيث إنه من المفاهيم التشكيكية بنظر العرف، رغم أن الجامع ما بينهما عدم نية التوطن دائماً.

والذي يؤكد ذلك أن السيد الحكيم في قرارة نفسه يلتزم بذلك، حيث ذكر، نية التوطن فترة لها مدخلية في التمام، وحاول أن يخرجّها مرة بمن بيته معه، ثم قال: هو مخصوص بالبيت المتنقل، وأخرى من استوطن في بيته، وثالثة أنه غير مسافر وحاضر، حتى لو لم يكن البيت وطناً له، فالمهم أن يصدق كونه في بيته؛ لذا يجب التمام، فهو التزم وجداناً، ولكنه كان بصدد تخريجه.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo