< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الفقه

40/01/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضـوع: الأقوال/ الوطن الشرعي/ أحكام الوطن/ قواطع السفر/ صلاة المسافر.

المسألة الأولى: حول الوطن الشرعي، وموضوعه لا يخلو إما الوطن-الأصلي أو الاتخاذي-الذي أعرض عنه على أن يكون له فيه ملك قد استوطنه ستة أشهر، وهذا الملك المشترط بين من يَشتَرط أن يكون قابلاً للسكنى، وبين من يَعتَبر مطلق الملك، حتى لو لم يكن قابلاً لذلك، كالنخلة على حد تعبير بعض روايات الباب الرابع عشر[1] ، وعلى القول باعتبار قابلية الملك للسكنى، بين اعتبار أن يكون الاستيطان في نفس هذا الملك وبين اعتبار مطلق الاستيطان ستة أشهر، ولو في غيره، وبذلك تظهر جملة أقوال:

    1. اشتراط الملك القابل للسكنى مع إقامته ستة أشهر فيه.

    2. نفس القول الأول مع كفاية السكنى والإقامة ولو في غيره.

    3. اشتراط وجود منزل له-ولو بملك المنفعة-قابل للسكنى مع الإقامة ستة أشهر وعدم اشتراط ملك العين القابل للسكنى.

    4. عدم اشتراط وجود ملك فيه، ولو لم يكن قابلاً للسكنى، كالنخلة.

وعلى هذا التقدير سوف يكون المأخوذ في الوطن الشرعي جملة أمور هي:

     أن يكون الوطن أصلياً أو إتخاذياً.

     أن يكون قد أعرض عنه، إذ مع عدم الإعراض لا فائدة من البحث حول الوطن الشرعي.

     أن يكون قد أقام فيه ستة أشهر.

     بقاء ملك له فيه، حتى ولو لم يكن قابلاً للسكنى.

وإما أن يكون خصوص الوطن الاتخاذي الذي أعرض عنه، مع التفصيل المتقدم، وذلك لظهور أدلة الوطن الشرعي بخصوص ما كان للإرادة والاختيار دخل في حصوله، فلا يشمل الوطن الذي حصل له بالوراثة والتبعية من دون مدخلية لاختياره، إلا في الاعراض عنه.

وإما أن يكون مطلق ما أقام فيه ستة أشهر، مع وجود ملك له فيه، ما دام ملكه باقياً ولو لم يكن لا وطناً أصلياً ولا إتخاذيا، وهذا ما نسب إلى المشهور، بل ادعي عليه الإجماع.

ومهم الدليل عليه جملة روايات أكثرها صحاح، وأهمها صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن (ع) "قال: سألته عن الرجل يقصر في ضيعته، فقال: لا بأس ما لم ينو مقام عشرة أيام إلا أن يكون له فيها منزل يستوطنه، فقلت: ما الاستيطان؟ فقال: أن يكون فيها منزل يقيم فيه ستة أشهر فإذا كان كذلك يتم فيها متى دخلها".[2] فإنها عمدة مستند المشهور؛ لاشتمالها على تفسير الاستيطان[3] .

ووجه ذلك: حمل المضارع " يقيم" على الماضي، فيكون التقدير: أقام فيه ستة أشهر، الدال على تحقق الوطن، بأن يكون له منزل قد أقام فيه ستة أشهر، فإنه يتم متى ما دخلها.

والجواب: أن حمل المضارع على إرادة الماضي خلاف الظاهر، بل المراد منه اشتراط كونه مما يقيم فيه ستة أشهر في كل سنة.

وأجيب عنه انتصاراً للمشهور بجملة وجوه:

    1. ما في كلمات الشيخ الأعظم، بأن اتخاذ منزل وطناً له ليس من الأمور التدريجية، وإنما هو من المور الآنية الدفعية، فلا يُتصور فيه سوى الماضي، والاستقبال، إذ بعد اتخاذه المنزل وطناً لا يصدق إلا أنه اتخذه، وقبل ذلك لا يصدق إلا أنه سيتخذه، وحيث لا أنية فلا يصدق التلبس بانقضاء شيء منه وبقاء شيء آخر، وحيث لم يُرد منه الاستقبال فلا محالة يكون المراد منه الماضي، وعليه: يكون المراد من يستوطن الماضي، وعليه: يلزم حمل " يقيم" الذي فُسَّر الاستيطان به على الماضي، أي أقام، إذ لا يُعقل أن يكون الاستيطان في الماضي من خلال الإقامة في المستقبل، وعليه: سوف يكون مفاد الرواية: أن الاستيطان عبارة عن إقامة ستة أشهر في مكان له فيه ملك، وهذا هو الوطن الشرعي. وبحسب علم الراوي ليس مراد الإمام (ع) اتخاذ المنزل في الضيعة مقراً دائماً؛ لأن مفروض السؤال خروج الرجل من وطنه الدائم إلى ضيعته، فلا يُراد الاستيطان الدائمي، إذ لا محصل لاستثناء هذا عن فرض المستثنى منه. والتقدير: أن يكون له منزل أقام فيه ستة أشهر.

والحاصل: أنه لما كان اتخاذ الوطن أمراً قصدياً، فلا بد أن يقع في الآن، وحيث لا تدرج في الوجود الآني حتى يخبر عنه بالحال، فلا محالة إما يحمل على الاستقبال، أو الماضي، وحيث لا سبيل للأول، فيتعين الحمل على الماضي. ومعه يحمل " يقيم" على الماضي.

    2. أن حمل الصحيحة على الوطن العرفي بما تقدم غير صحيح؛ لأن الوطن العرفي أمر معلوم غير خافٍ على أمثال ابن بزيع حتى يسأل عنه، مما يُستكشف من ذلك أن للاستيطان معنى آخر هو المقصود للشارع، وهو الوطن الشرعي، فسؤال السائل وجواب الإمام (ع) واردان عليه.

    3. أنه لما كان نص الصحيحة اعتبار المنزل وأن يكون مملوكاً له، فلو حمل على الاستيطان الفعلي المساوق للعرفي لكان مخالفاً للإجماع المنعقد على عدم اعتبار الملك في الوطن العرفي، ولذا لا يحمل الاستيطان على الفعلي، وإنما على الماضي، فيثبت مدّعى المشهور.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo