< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الاصول

32/11/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الأصول/ مباحث القطع/ التجري/ أدلة حرمة التجري

 قلنا في الدرس السابق أن عدة محاولات ذكرت لمنع تطبيق كبرى الملازمة بين ما حكم به العقل وما حكم به الشرع على موردنا ، وذكرنا محاولة المحقق النائيني ومناقشة الشهيد الصدر له وأثبتنا عدم صحة المحاولة الأولى ،

أما المحاولة الثانية فهي ما ذكره السيد الخوئي [1] وحاصله أن الحكم الشرعي الناشئ من الملازمة إما أن يكون مختصا بعنوان التجري وإما أن يكون عاما شاملا للتجري والمعصية

وعلى الأول يلزم محذوران :

  1- أن يكون المتجري أسوأ حالا من العاصي بحيث تصدى المولى لجعل الحرمة على التجري ولم يوجه خطابا تحريميا للعاصي

 2- أن يكون المقام نظير توجيه الخطاب للناسي، فكما لا يمكن توجيه التكليف إلى الناسي بعنوان الناسي إذا أن الالتفات شرط للتكليف ومع الالتفات إلى كونه ناسيا ينقلب النسيان إلى الذكر ، وينتفى الموضوع ، كذا لا يمكن تكليف االمتجري لأنه لا يرى نفسه متجريا بل يرى إصابة علمه للواقع ، أي أنه عاصي ومع الالتفات إلى مخالفة قطعه للواقع يزول موضوع التجري وهو القطع المخالف للواقع .

وعلى الثاني : يلزم التسلسل

وذلك لأنه على الفرض ، هذا الخطاب بالحرمة عام وشامل للمتجري والعاصي ، والحرمة المتوجهة للعاصي أو للمتجري يقبح عقلا مخالفتها ، وهذا القبح يستلزم حرمة شرعية يحكم العقل بقبح مخالفتها ، وهذا القبح أيضا يستلزم حرمة شرعية يقبح مخالفتها ، وهكذا إلى ما لا نهاية ، وعليه لا يمكن تطبيق كبرى الملازمة على مقامنا واستفادة الحرمة الشرعية لأنها إن كانت بخطاب مستقل فيلزم الأسوئية ، وإن كانت بخطاب عام للمتجري والعاصي فيلزم التسلسل .

وفيما أفاده رحمه الله مواقع للنظر،

النظر الأول : فإنه لا يلزم الأسوئية ، وذلك لأمرين:

إن توجيه الخطاب بالحرمة للمتجري دون العاصي قد يكون لمزيد اهتمام من المولى بالملاك الواقعي لأنه في موارد المعصية يكفي في تحقق العصيان مخالفة التكليف ، وفي موارد التجري لا بد من توجيه الخطاب من باب اهتمام المولى بعدم مخالفة المكلف للواقع ، وذلك في الموارد التي نعلم بشدة إهتمام المولى بعدم مخالفة الواقع سواء في مورد الإصابة وعدمه صحيح أن العقل يحكم بقبح التجري ، ولكن هذا غير كاف بنظر المولى لتنقدح المحركية لدى المكلف، وذلك لأن العقل ليس لديه هيبة التشريع ، ومن هنا يتصدى المولى للحكم على وفق ما حكم به العقل

النظر الثاني: لا نسلم عدم إمكان خطاب المتجري كما تقدم حيث ذكرنا من أن الوصول الإجمالي للتكليف يكفي في تنجزه ، ولا يشترط العلم التفصيلي في توجيه الخطاب ، حتى يؤدي التكليف وظيفته ، وهو حاصل في المقام على ما هو الصحيح من أن التجري أوسع من دائرة العلم بالتكليف .

النظر الثالث: ما ذكره من محذور التسلسل إنما يتم في الأمور التكونية والخارجية ، حيث لا يعقل عدم رجوع جميع المعلولات إلى علة واحدة ، أما في الأمور الاعتبارية ،فحيث إن حظها من الوجود والتحقق هو عالم اللحاظ والاعتبار، فيكفي في إنهاء سلسلة العلل إنهاء اللحاظ والاعتبار ، بأن يقطع المعتبر لحاظه واعتباره ، وعليه فما ذكره السيد الخوئي غير تام

أما المحاولة الثالثة : فقد ذكرها السيد الخوئي[2] أيضا من أن العقل تارة يدرك ما هو في سلسلة علل الأحكام الشرعية من المصالح والمفاسد ، وهذا المورد يمكن تطبيق الملازمة فيه ، لأنه إذا أدرك العقل المصلحة الملزمة غير المزاحمة بمفسدة أهم، علم بالوجوب الشرعي ، بعد كون الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد . وكذا لو أدرك مفسدة ملزمة بلا مزاحم ، علم بالحرمة الشرعية لا محالة . لكن الصغرى لهذه الكبري غير متحققة أو نادرة جدا .

  و ( أخرى ) يدرك العقل ما هو في مرتبة معلولات الأحكام الشرعية ، كحسن الإطاعة وقبح المعصية ، ومقامنا من هذا القبيل ، ولا ربط له بالملازمة بين ما حكم به العقل وحكم به الشرع ، بل لا معنى لحكم الشرع على وفق ما حكم به العقل ، وذلك لأنه لو كان حكم العقل - بحسن الانقياد والإطاعة وقبح التمرد والمعصية - كافيا في إتمام الحجة على العبد ، وفي بعثه نحو العمل وزجره عنه فلا حاجة إلى جعل حكم شرعي ، وإن لم يكن كافيا ، فلا فائدة في جعل حكم آخر ، إذ هو مثل الحكم الأول ، لأن حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد .

  وأما مناقشة هذه المحاولة فتأتي في الدرس التالي والحمد لله رب العالمين

[1] مصباح الأصول ج2 ص27

[2] مصباح الأصول ج2 ص 26

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo