< قائمة الدروس

الأستاذ السيد حیدر الموسوي

بحث الأصول

34/01/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: الأصول/ مباحث القطع /منجزية العلم الإجمالي/ انحلال العلم الإجمالي
 انتهى بنا الكلام إلى التحقيق الذي ذكره السيد الشهيد والذي مفاده التفصيل بين سبب نشوء العلم الإجمالي وتشكله إذ تارة تكون نسبته إلى الطرفين على حدٍّ واحد وأخرى لا تكون نسبته كذلك فيتم الانحلال على الأول دون الثاني.
 وتفصيل ذلك كما أفاده (قده): أنه لو كان سبب تكون العلم الإجمالي ليس مستو النسبة إلى الطرفين بأن كانت له نسبة مع أحد الطرفين واقعا بخصوصه إلا أنه أجمل أمره كما لو علم بنجاسة أحد الإنائين الشرقي أو الغربي بالنجاسة الدمية نتيجة وقوع قطرة دم في أحدهما المجمل وغير المعلوم لدينا ثم علمنا تفصيلا بنجاسة أحدهما بالنجاسة الدمية نتيجة وقوع قطرة دم في أحدهما بالخصوص لا يعلم أنها نفس القطرة من الدم التي كانت سببا لتشكل العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما أو قطرة أخرى، وقد أفاد (قده) بعدم الانحلال في هذه الصورة لكونه قد أخذ في معلوم العلم الإجمالي خصوصية وميِّز واقعي يحتمل عدم انطباقه على الخصوصية المعلومة بالتفصيل وذاك الميِّز هو السبب في نشووء العلم الإجمالي فلا توهم للانحلال طالما أن الجامع محتمل الانطباق على الخصوصية الأخرى غير المعلومة بالتفصيل.
 وأما لو كان سبب تكون العلم الإجمالي نسبته إلى الطرفين على حد واحد سواء كان على أساس البرهان أو عامل الاستقراء، وقد اتضح ذلك من مطاوي ما تقدم، والأول كما لو قام البرهان على استحالة اجتماع نبوتين في آن واحد على أمة واحدة حيث المحتمل إما كذب النبوتين معا أو صدقهما كذلك أو صدق إحداهما دون الأخرى أو العكس، وببركة البرهان سوف تنتفي فرضية صدقهما معا فيبقى لدينا ثلاث فرضيات فلو علمنا تفصيلا بارتكاب أحدهما المنكرات وبالتالي سوف لن يكون نبيا فسوف ينحل العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي بكذب فاعل المنكرات وشك في صدق نبوة الآخر.
 والثاني كما لو حبسنا كلبا في غرفة مع إنائين لفترة يستبعد معها بحسب العادة أن لا يساور شيئا منهما مع احتمال مساورتهما معا، فنعلم إجمالا بنجاسة أحدهما نتيجة مساورة الكلب له، ونسبة هذا السبب إلى الانائين الشرقي والغربي على حد واحد، ثم علمنا تفصيلا بمساورته للإناء الشرقي فرضا، وقد حاول السيد الشهيد البرهنة على الانحلال بأحد بيانين:
 البيان الأول: انه حيث كانت نسبة سبب تكون العلم الإجمالي إلى الطرفين على حد واحد ، فلا ميِّز واقعي قد أُخذ في معلوم العلم الإجمالي سوى أنه جامع ما بين الانائين وحسب الفرض- يعلم تفصيلا انطباقه على الخصوصية التفصيلية-فسوف ينحل العلم الإجمالي لعدم أخذ ميِّز وعلامة فارقة في معلوم العلم الإجمالي يحتمل معها عدم الانطباق على الخصوصية المعلومة تفصيلا وعليه سوف ينحل بلا إشكال.
 وقد أجاب(قده): عن هذا البيان بما يرجع إلى إفادة وجود ميِّز وعلامة فارقة في معلوم العلم الإجمالي وإن لم يكن ذلك الميّز واقعيا وإنما مجرد أمر ذهني،
 توضيح ذلك:إن المعلوم الإجمالي وإن لم يكن له ميِّز واقعي بحيث يحتمل معه عدم الانطباق على المعلوم بالتفصيل إلا أن له علامة فارقة ذهنا وهو أن معلوم العلم الإجمالي صادق سواء صدق العلم التفصيلي بمساورة الكلب للإناء الشرقي أو لم يصدق أي أن معلوم العلم الإجمالي مطلق من ناحية صدق وكذب المعلوم بالتفصيل، وهذا بخلاف المعلوم بالعلم التفصيلي المشروط بفرض صدق سببه أي العلم بنجاسة الإناء الشرقي على كل حال حتى ولو لم يكن منشأ حصول العلم صحيحا ومطابقا للواقع،وإنما مشروط بصحة رؤيته الكلب وهو يساور الإناء الشرقي بدليل أنه يمكننا تشكيل قضية شرطية مفادها نجاسة أحد الإنائين حتى إذا كان علمنا بنجاسة الإناء الشرقي نتيجة مساورة الكلب له خاطئة، إلا أن هذا الميِّز ليس واقعيا وإنما ذهني إلا أنه يكفي لأن يكون معلوم العلم الإجمالي مشتملا على ميِّز يُحتمل معه عدم انطباقه على الخصوصية المعلومة تفصيلا.
 أما البيان الثاني: والذي يظهر منه ارتضاؤه له فهو انحلال العلم الإجمالي في هذه الموارد لأجل زوال سببه لأنه كما عرفت كان مستوى النسبة إلى الطرفين وبالتالي فإن تشخيصه ضمن إحدى الخصوصيتين دون الأخرى رغم أن سببه مستو النسبة إلى الطرفين ترجيح بلا مرجح، وعليه سوف لا ينحل وهذا لا تحقق له في المقام وذلك لوجود المرجح بالنسبة للطرف المعلوم بالتفصيل وسوف ينخرم برهان الترجيح بلا مرجح مع العلم التفصيلي بالخصوصية حيث يصبح المعلوم بالإجمال متعينا ضمن الخصوصية المعلومة بالتفصيل من دون محذور الترجيح بلا مرجح .
 إلا أن الصحيح ما ذكره المحقق العراقي من عدم انحلال العلم الإجمالي وذلك لانحفاظ لازم العلم الإجمالي وهو احتمال انطباق الجامع المعلوم بالإجمال على الطرف الآخر غير المعلوم بالتفصيل في حين انه لو انحل العلم الإجمالي فإنه لا بقاء لهكذا احتمال.
 وأما النقض الذي ذكره السيد الشهيد: بالعلم التفصيلي بوجود زيد في المسجد والذي هو علم بوجود جامع الإنسان ضمنا في المسجد ثم احتملنا وجود عمرو إلى جانب زيد حيث يُحتمل انطباق الجامع على عمرو فاللازم موجود لكن من دون وجود ملزومه أعني تشكل علم إجمالي وإنما مجرد علم تفصيلي بالفرد مستلزم للعلم بالجامع ضمنا مع شك بدوي.
 فيدفعه: ما أفاده السيد الشهيد نفسه وذلك أن الجامع المحتمل انطباقه على الطرف الآخر غير المعلوم تفصيلا هو الجامع المتعلق للعلم الإجمالي، أي الجامع المعلوم بما هو معلوم لا الجامع بحده الجامعي، وبهذا يمتاز موردنا عن مورد النقض حيث إن الجامع لا بما هو معلوم وإنما بحده الجامعي يحتمل تواجده ضمن عمرو في المسجد إلى جنب زيد.
 وأما ما ذكره: من أن العلم الإجمالي منحل لزوال سببه المستوي النسبة إلى الطرفين فلا يعقل تشخيصه ضمن إحدى الخصوصيتين دون الأخرى لمحذور الترجيح بلا مرجح وأن هذه المقولة لا تتم في المقام لمكان وجود المرجح وهو العلم التفصيلي بالخصوصية.
 فالجواب: أنه لا زوال لسبب العلم الإجمالي، والبرهان على ثبوته محفوظ، رغم العلم التفصيلي بالخصوصية حيث لا يصلح لأن يكون مرجحا، لتشخيص العلم الإجمالي ضمن الخصوصية المعلومة بالتفصيل، وذلك لأنه رغم العلم التفصيلي بمساورة الكلب مثلا- للإناء الشرقي يبقى سبب العلم الإجمالي المستوي النسبة للطرفين بعد مجاورة الكلب لهما في فترة طويلة يستبعد معها عدم مساورته لشئ من الطرفين وبالتالي كان ذلك سببا لعلمنا الإجمالي بنجاسة أحد الإنائين ولربما كان كلا الإنائين نجسا لاحتمال مساورتهما معا إلا أن ذلك غير مقطوع به.
 أقول: يبقى سبب العلم الإجمالي موجودا لأن ما هو سبب العلم التفصيلي ليس بعينه سببا للعلم الإجمالي وإنما أمر آخر رغم أنه من سنخه وبالتالي يصلح لأن يكون ذلك ميِّزا واقعيا لمعلوم العلم الإجمالي يُحتمل معه عدم انطباق معلوم العلم الإجمالي على الخصوصية المعلومة بالتفصيل، وبالتالي يحتمل انطباقه على الخصوصية الأخرى غير المعلومة بالتفصيل ، وبهذا البيان نجيب عن الوجه الأول الذي ذكره السيد الشهيد بلا حاجة إلى ما أبرزه في مقام الجواب عنه بالميز الذهني ، وهذا هو روح مقصود المحقق العراقي من الاستدلال على بقاء العلم الإجمالي وعدم انحلاله من خلال وجود لازمه، فإن مقصوده من احتمال انطباق الجامع على الطرف الآخر بعين احتمال عدم انطباقه على الخصوصية المعلومة بالتفصيل.
 هذا ما يرتبط بالانحلال الحقيقي وقد ظهر أن الحق ما ذهب إليه المحقق العراقي في الصورة الثالثة من عدم الانحلال.
 والحمد لله رب العالمين

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo