< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/07/02

بسم الله الرحمن الرحیم

المسألة الرابعة
قال السيد اليزدي رحمه الله : إذا قرأ بتخيّل أنّ المسموع غير صوت الإمام، ثمَّ تبيّن أنّه صوته، لا تبطل صلاته، و كذا إذا قرأ سهواً في الجهريّة.[1]
ذكر الماتن فرعين في هذه المسألة، أحدهما : أنه إذا قرأ المأموم زاعماً أن ما يسمعه ليس صوت الإمام، ثم تبين له أن المسموع صوت الإمام، لا تبطل صلاته. والسر في ذلك أنه وإن أتى بالقراءة متعمداً، غير أن تعمده مبني على الاشتباه في الموضوع، لأنه زعم أنه موضوع لمن لم يسمع صوت الإمام، فيجوز له القراءة، ومن هنا فصلاته صحيحة، وقراءته هذه ليست قادحة في صحة العمل، فلا يعيده بمقتضى حديث " لا تعاد "، وهو كما رواه صاحب الوسائل : مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ وَعَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ جَمِيعاً عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع‌ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع أَنَّهُ قَالَ : ( لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ إِلَّا مِنْ خَمْسَةٍ : الطَّهُورِ وَالْوَقْتِ وَالْقِبْلَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ).[2]
الثاني : وكذلك لا تبطل الصلاة إذا قرأ المأموم سهواً في الصلاة الجهرية، لنفس ما ذكر في الفرع الأول، والفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة، أن المأموم أتى بالقراءة متعمدا حسب الفرض السابق، غير أن تعمده فيها مبني على الاشتباه في الموضوع، كما ذكر، وهنا قرأ سهوا. وعلى التقديرين قراءته ليس مضرة بصحة الصلاة بمقتضى حديث " لا تعاد ".
المسألة الخامسة
قال السيد اليزدي رحمه الله : إذا شكّ في السماع وعدمه، أو أنّ المسموع صوت الإمام أو غيره فالأحوط الترك، وإن كان الأقوى الجواز.[3]
وقف المصنف هنا عند الشك في الموردين، الأول : إذا شك في أصل السماع، أي : أنه سمع شيئا أو لم يسمع، والثاني : أنه لم يشك في أصل السماع، لكنه شك في أن ما سمعه هل كان صوت الإمام أو غيره. في كلا الموردين مقتضى الاحتياط أن يترك القراءة، والمراد من الاحتياط هنا احتياط غير وجوبي، لأنه أفتی بالجواز حیث قال: وإن كان الأقوى جواز الإتيان بها.
قبل أن نشير إلى دليل جواز القراءة، لنا مناقشة فيما ذكره الماتن في المورد الأول من الشك، وذلك أن ما ذكره من أنه إذا شك في السماع وعدمه، هذا ليس تاماً؛ لأن السماع من طوارئ النفس، وعلم الإنسان بنفسه وما يطرأ عليه علم حضوري، لا حصولي، فلا معنى للشك في مورد العلم الحضوري؛ لأن الإنسان لا یمکن أن يشك مثلاٌ في أنه هل يشعر بالألم أو لا، وأنه هل جائع أو لا. وأمر السماع كذلك، فالإنسان لا يشك في أنه هل سمع أو لا؛ ومن هنا فيكون الشك دائما في المسموع لا في السماع.
ولا يقال في مقام الدفاع – كما ذهب إليه بعض فقهاءنا العظام - عن هذا الإشكال : إن مراد الماتن من قوله : إذا شك في السماع وعدمه، هو الشك في أن ما سمعه هل هو من الداخل – كالخشخشة في داخل الأذن – أو من الخارج، لأنه يقال : إن هذا الفرق غير فارق؛ لأن التقسيم الصوت إلى صوت داخلي وصوت خارجي، لا يرفع الإشكال. وذلك أن الصوت سواء كان من الداخل الأذن أو من خارجها يندرج تحت الشك في السماع، والسماع - كما ذكر - من طوارئ النفس، وعلم الإنسان بنفسه وطوارئها علم حضوري، ولا مجال للشك في العلم الحضوري كما ذكرنا، من هنا فلو قال السيد اليزدي : إن سمع صوتا، وشك في أنه صوت الإمام أو لا، فالأحوط الترك، وإن كان الأقوى الجواز، لما ورد عليه هذا الإشكال.
الدليل على الفتوى بجواز القراءة.
وأما وجه الفتوى بجواز القراءة فقد یستند إلی استصحاب عدم الأزلی و إلیک تقريره، وذلك أنه قبل أن يسمع صوت الإمام ما حدث صوت ولا نسبته إلى الإمام، فحينما حدث الصوت، تیقن بحدوث الصوت ولا يدري هل حدث تعلق هذا الصوت بالإمام عنده أو لا؟ فالأصل عدم حدوث تعلق هذا الصوت به، وموضوع جواز القراءة هو عدم سماع صوت الامام، وهو حاصل ببرکة هذا الاستصحاب. ولکن صحة الاستناد إلی هذا الوجه یتوقف علی القول بالاستصحاب العدم الأزلي.
غير أنه لا داعي لهذا التعقيد والتكلف في المقام، بل الأحسن والأصح أن نجعل المستصحب صوت الإمام؛ لأن موضوع الحكم الشرعي ليس تعلق الصوت بالإمام، بل الموضوع في المقام هو من سمع القراءة، فلعيه أن ينصت إلىها، و لا يجوز له أن يقرأ، ومن هنا لمّا كان موضوع الحكم الشرعي هو صوت الإمام حين القراءة في الأوليين، فلا حاجة إلى الاستصحاب العدم الأزلي، بل نستفيد من استصحاب عدم النعتي، فنقول : إن صوت الإمام لم يكن مسموعا قبل البداية بالقراءة، فيشك هل حدث الآن أو لا، الأصل عدم الحدوث، هذا استصحاب عدم نعتي، وهذا مقبول عند جميع الفقهاء.
إن قلت : استصحاب عدم صوت الإمام متعارض باستصحاب عدم صوت غير الإمام، وإذا تعارض الاستصحبان تساقطا؛ وذلك أن عند المأموم العلم الإجمالي بأن الصوت الذي يسمع، إما هو صوت الإمام، أو صوت غيره.
قلت : إنما يجري الاستصحاب إذا كان المستصحب حكما شرعيا، أو موضوعا لحكم شرعي، وصوت غير الإمام ليس حكما شرعيا، ولا موضوعا لحكم شرعي، بخلاف صوت الإمام، وعليه فلا يجري استصحاب عدم صوت غير الإمام، وإذا كان كذلك فيبقى استصحاب عدم صوت الإمام بلا معارض، فيجوز له القراءة عند سماع الصوت المشكوك في نسبته إلى الإمام وإلى غيره. نعم مقتضى الاحتياط ترك القراءة، كما ذكره الماتن، وذلك أن الاحتياط حسن في كل حال. ومثله ما إذا شك شخص في نجاسة الماء الذي يريد أن يشربه، فهنا يجوز له أن يشرب؛ لأن كل شيء طاهر حتى تعلم أنه نجس، غير أنه إذا احتاط فلا بأس بهذا الاحتياط، بل هو حسن.
المسألة السادسة
قال السيد اليزدي قدس سره : لا يجب على المأموم الطمأنينة حال قراءة الإمام، وإن كان الأحوط ذلك، وكذا لا يجب المبادرة إلى القيام حال قراءته، فيجوز أن يطيل سجوده، ويقوم بعد أن يقرأ الإمام في الركعة الثانية بعض الحمد.[4]
ذكر الماتن رحمه الله فرعين في المسألة السادسة، الأول : أنه لا يجب على المأموم الاستقرار والطمأننية حين يقرأ الإمام، والسر في ذلك أن الأدلة التي وردت في مورد وجوب الطمأنينة والاستقرار حين القراءة، تختص بمن يقرأ، وهذا ما أشرنا إليها في بحث القراءة من أنه يجب الاستقرار والطمأنينة على المصلي في القراءة وعند سائر أذكار الصلاة، إلا ذكر " بحول الله وقوته أقوم وأقعد ". ومن هنا فلا يجب الاستقرار على المأموم حين قراءة الإمام؛ لأنه لم يشتغل لا بالذكر الواجب ولا بالمستحب. وما قد یقال بان قراءة الامام تکون بمنزلة قراءة المأموم فیجب علیه رعایة ما یجب علی القاری والذاکر حین القراءة والذکر لا دلیل علیه بل هو مجرد الاستحسان. اللهم الا أن يقوم المأموم بحرکات وأفعال تخرجه عن هیئة المصلي، فهذا مضر بصحة الصلاة لأنه من الفعل الکثیر الذي ینافي مع الصلاة.
ثم قال المصنف رحمه الله : وإن كان الأحوط ذلك، أي : مقتضى الاحتياط أن يكون المأموم في حالة الاستقرار والطمأنينة حين قراءة الإمام؛ ولعل السر في ذلك الاحتياط هو أن يحتمل – وإن كان هذا الاحتمال بعيدا جدا – أن قراءة الإمام بمنزلة قراءة المأموم، ومن هنا فعليه أن يكون في حالة الاستقرار، إلا أننا قلنا إن هذا الاحتمال ليس حجة، فيجوز له أن يتحرك حين القراءة، وإن كان الاحتياط يقتضى أن يكون المأموم في حالة الطمأنينة، والاحيتاط حسن على كل حال.
كذلك الحال بالنسبة إلى ما إذا قام الإمام للركعة الثانية – مثلا – والمأموم مازال في سجدته الثانية، أو قام من سجدته لكنه اشتغل ببعض الأذكار المستحبة الواردة – وردت أذكار لجلسة الاستراحة مما قد یطول أکثر من تشهد من یسرع فیه، كما كان المرحوم آية الله الأراكي یتقید بتلک الأذکار، حيث كانت جلسة استراحته بعد السجدتين أطول من جلسة التشهد - أو قام الإمام للركعة الثالثة، والمأموم ما زال في حالة التشهد، فهذا لا يضر بالصلاة، بعبارة أخرى أنه لا يجب القيام على المأموم عند قراءة الإمام، والسر في ذلك ما ذكرنا بالنسبة إلى الطمأنينة؛ فأدلة اشتراط وجوب القیام عند القراءة او اشتراط صحة القراءة بکونها حال القیام متوجهة إلى من یقرأ، لأن في المقام احتمالين بالنسبة إلى القيام، وهما أن القيام إما يكون شرطا في صحة القراءة، وإما ظرف لها، لمن يقدر على القيام. وعلى كلا الاحتمالين لا يجب القيام على المأموم حين قيام الإمام، وذلك أن القرءاة تجب على الإمام لا على المأموم. نعم، يجب الالتفات إلى أمر آخر في المقام، وهو وجوب متابعة المأموم للإمام – كما سنبحث فيه مفصلا إن شاء الله – فطول المأموم في سجدته أو في تشهده أو في جلسة استراحته بعد السجدتين إذا أدى إلى خروجه من حالة المتابعة، فهذا يضر بصحة صلاة الجماعة، لأن متابعة المأموم للإمام واجبة في أفعاله، كما سيأتي إن شاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo