< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/07/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أحكام الجماعة
تتمة المسألة الثامنة
أشرنا في الدرس الماضي إلى أن آراء الفقهاء العظام اختلفت في أنه هل وجوب المتابعة حكم تكليفي أو حكم وضعي، يعني هل واجب تاركه آثم او شرط لصحة الصلاة او لصحة الجماعة وذكرنا أن في المسألة أربعة أقوال، كما وقفنا عند القول الأول ودليله. واليوم نودّ أن نبحث في بقية الأقوال الثلاثة بإذن الله تعالى.
القول الثاني ودليله.
ذكرنا أمس أن القول الثاني يهدف إلى أن وجوب المتابعة شرط في صحة الصلاة فهو حكم وضعي، يعني : إذا أخل المأموم بهذا الشرط تبطل صلاته، وهذا ما نسب إلى الشيخ الطوسي والشيخ الصدوق وابن ادريس قدس الله أسرارهم الزكية، كما مر بنا في الدرس الماضي.
أما دليل هذا القول ومستنده، فهو أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، وفي المقام أمر المولى بمتابعة الإمام، وهذا يقتضي النهي عن ما هو ضد المتابعة، ألا وهو القيام بجزء من أجزاء الصلاة مع عدم الائتمام، وإذا كان القيام بهذا الجزء مع الإخلال بالمتابعة منهيا عنه، فلا يمكن أن يتقرب به إلى الله تبارك وتعالى؛ لأن العمل المحرم لا يكون مقرباً لله عز وجل، ولما كان هذا الجزء الذي أتى به المأموم مع الإخلال بالمتابعة متعلق للنهي، فيكون صلاة المأموم باطلة، لأن النهي إذا تعلق بالعبادة، يدل على فسادها.
إلا أن ما استدل به ليس بسديد، وذلك أن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص، بل إنما يقتضي النهي عن ضده العام، وهذا كما مر بنا في الأصول، والمثال المعروف لهذه المسألة، هو أن المولى إذا أمر بإزالة النجاسة عن المسجد، فلهذا الأمر ضدان الضد الخاص والضد العام ( المراد منه هنا النقيض)، أما ضده الخاص في المقام هو القيام بالصلاة، وضده العالم ترك إزالة النجاسة، فإذا أمر المولى بإزالة النجاسة عن المسجد، فهذا الأمر لا يقتضي النهي عن الصلاة التي هي ضده الخاص، ومن هنا فإذا صلى المأمور بترك النجاسة، فصلاته صحيحة، غير أنه آثم، لأنه ترك امتثال أمر المولى. والحكم نفسه في مسألة الحج، فمن كُتب عليه الحج، ولم يذهب لأدائه، هذا لا يقتضي النهي عن العبادات الأخرى مثل الصلاة والصوم، وإلى آخره، التي تكون بمثابة ضده الخاص. وما نحن بصدده كذلك، فالأمر بوجوب المتابعة في صلاة الجماعة يقتضي النهي عن ترك المتابعة الذي هي ضده العام، ولا يقتضي النهي عن ضده الخاص، الذي هو إتيان جزء من أجزاء الصلاة من دون متابعة الإمام، بسبب التقدم أو التأخر الفاحش.
وذُكر في المقام إشكال آخر على هذا الاستدلال، وهو أن أمر المولى بوجوب المتابعة يتعلق بأجزاء الصلاة نفسها، لا بمقدماتها العقلية، بعبارة أخرى أن متابعة الإمام واجبة في الركوع والسجود، وغيرهما من الأجزاء، لكن لا تجب المتابعة في الانحناء إلى الركوع، أو الهوي إلى السجدة، أو النهوض إلى القيام، لأن كل هذه الأمور مقدمات عقلية لأجزاء الصلاة، فالانحناء إلى الركوع مقدمة عقلية للركوع نفسه، وأمر المولى بوجوب المتابعة تعلق بالركوع نفسه، ليس بالانحناء إليه، ومن هنا لابد ان لا يكون بأس في تقدم المأموم على الامام في مثل هذه الامور.
غير أن هذا الإشكال إنما يرد إذا بنينا أن الآنات والأزمنة المتخللة بين أفعال الصلاة ليست من الصلاة، كما اختاره السيد الخوئي رحمه الله، لكن من قال إن تحريم الصلاة تكبيرة الإحرام، وتحليلها التسليم، والوقت المتخلل بين تكبيرة الإحرام والتسليم من الصلاة، لا يرد هذا الإشكال على استدلاله فتأمل.
واستدل على صحة القول الثاني بدليل آخر، وتقريره : أن من بدأ صلاته مع الجماعة، ثم لم يتابع الإمام، هذا يؤدي إلى خروجه من الجماعة، وهذا أمر محرم، ولا يمكن التقرب إلى الله تعالى بأمر محرم، فمن هنا صلاته باطلة.
إلا أن المتأملفي الاستدلال المذكور يعرف وهنه، وذلك أنه مبني على المقدمتين، أحدهما : أن عدم المتابعة يستلزم منه الخروج عن الجماعة، وهذا مصادرة على المطلوب، لأن هذا نفس ما نبحث عنه في المقام، فلا يصح أن يكون دليلا، لأنه يصبح – على هذا - الدليل والمدعى شيئا واحداً، والمقدمة الثانية : حرمة الخروج عن الجماعة غير مسلم، لأنه قد يقال بأن الجماعة مستحبة حدوثاً وبقاء. فمن انفصل عن الجماعة في أثناء الصلاة لم يرتكب محرماً.
القول الثالث ودليله.
ذكرنا في الدرس الماضي أن القول الثالث عبارة عن أن وجوب المتابعة شرط في صحة الجماعة، لا في صحة أصل الصلاة، يعني أن من تقدم على الإمام، أو تأخر فاحشا، تبطل جماعته، فعليه أن يلتزم بما يلتزم به المنفرد، ولا إثم عليه وهذا ما اختاره السيد الخوئي رحمه الله تعالى.
ودليل هذا القول – كما ذكره السيد الخوئي قدس سره – أن مفهوم الائتمام لا يتحقق إلا باستمرارية متابعة المأموم لأفعال الإمام في كل أجزاء الصلاة، بعبارة أخرى أن المتابعة شرط عنده في كل أجزاء الصلاة لتحقق عنوان الائتمام. ومن هنا فإذا أخل المأموم بالمتابعة في جزء من أجزاء الصلاة، تتحول صلاته من الجماعة إلى الفرادى وهو غير آثم، و لكن عليه أن يلتزم بوظيفة المنفرد، فإذا أخل بشيء من وظيفة المنفرد، تبطل صلاته، كما إذا لم يأتي بالقراءة في الركعة الأولى والثانية، لكن بطلان الصلاة ليس لأجل عدم المتابعة، بل إنما يرجع إلى الإخلال بوظيفة المنفرد.
القول الرابع ودليله.
مر بنا أمس أن المحقق الهمداني يرى أن من أخل بالمتابعة، في جزء من أجزاء صلاته فصلاته وجماعته صحيحة غير أن ائتمامه يبطل في خصوص الجزء الذي أخل فيه بالمتابعة. ومستند هذا القول عبارة عن أن عنوان الائتمام يتحقق بمتابعة المأموم للإمام في جل أجزاء الصلاة ومعظمها لا في كلها، ومن هنا فإذا أخل المأموم، بالمتابعة في جزء من أجزاء الصلاة، فصلاته مع الجماعة صحيحة، إلا أن هذا الجزء الذي تخلف فيه عن الإمام لم يتحقق مع الجماعة. نعم، إذا بنى المأموم على اتصاف الجزء المتخلف عن الإمام بعنوان الجماعة، فهذا تشريع منه محرم، ومبطل لصلاته، ومن الواضح أن جهة البطلان راجعة إلى عملية التشريع المحرم، لا إلى عدم رعاية المتابعة.
والفرق بين دليل هذا القول، ودليل القول الثالث الذي اختاره السيد الخوئي، هو أن المحقق الهمداني يرى أن عنوان الائتمام يتحقق بمتابعة الإمام في جل ومعظم أجزاء الصلاة، في حين أن السيد الخوئي رحمه الله ذهب إلى أن مفهوم الائتمام لا يتحقق إلا بمتابعة الإمام في كل أجزاء الصلاة.



BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo