< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

36/12/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : عدم وجوبه على الشيخ
حديث لافتتاح الاسبوع: وَ عَنْهُمْ-عدة من اصحابنا- عَنْ أَحْمَدَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: ثَلَاثٌ هُمْ أَقْرَبُ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنَ الْحِسَابِ، رَجُلٌ لَمْ تَدْعُهُ قُدْرَةٌ فِي حَالِ غَضَبِهِ أَنْ يَحِيفَ عَلَى مَنْ تَحْتَ يَدِهِ وَ رَجُلٌ مَشَى بَيْنَ اثْنَيْنِ فَلَمْ يَمِلْ مَعَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَعِيرَةٍ وَ رَجُلٌ قَالَ بِالْحَقِّ فِيمَا لَهُ وَ عَلَيْهِ.(وسائل15ص274)
قال المحقق في الشرائع في الجهاد: (هو فرض على كل مكلف حر ذكر غير هِمّ. فلا يجب على الصبي و لا على المجنون و لا على المرأة و لا على الشيخ الهِمّ و لا على المملوك). قد انتهينا من البحث حول من لايجب عليه الجهاد في كلام المحقق وانما بقي البحث في الشيخ الهِمّ وهو الشيخ البالي الفاني كما ورد في معنى الهِمّ
صاحب الجواهر يستدل على عدم وجوب الجهاد على الشيخ الهم بوجوه بعد ما يفسره بالشيخ العاجز عن الحرب . فيقول: (للأصل و ظاهر الآية المعتضد بعدم الخلاف المحكي و المحصل، مضافا إلى قاعدة نفي الحرج المقتضية كالآية للحوق المريض و نحوه به كما صرح به غير واحد، إلا أن يكون مريضاً مرضاً لا يمنعه منه، نعم لو فرض قوة الهِمّ عليه وجب عليه و إن كبُر سنُّه كما وقع من عمار بن ياسر في صفين و مسلم بن عوسجة في كربلاء).
فهو إستدل:
اولاً : بالأصل وهذا الاصل يحتمل فيه امران: احدهما الاستصحاب العدم الأزلي، لاننا نعلم انه قبل وجود الشريعة لم يكن الحكم بوجوب الجهاد على الشيخ الهِمّ، فنشكّ هل صدر من الشارع حكم بوجوب الجهاد عليه او لا؟ فنستصحب عدم الوجوب السابق على الشريعة او فقل عدم الحكم بالوجوب في الأزل. ومثل هذا البيان جاء به رضوان الله عليه عند ما ذكر احتمال عدم شمول عمومات الجهاد للخنثى لان الضمائر فيها مذكرة فقال: (اللّٰهمّ إلا أن يقال بعدم اندراجها في ضمير خطاب المذكرين، فتبقى حينئذ على أصالة عدم الوجوب) فهنا ايضا المراد استصحاب عدم الوجوب.
ولكن في جريان الاستصحاب في مثل هذه الموارد التى يكون الشك في الحكم الإلهي الكلي خلافٌ بين فقهائنا، فمنهم من قال بعدم جريان الإستصحاب، لتعارض استصحاب بقاء المجعول مع استصحاب عدم الجعل. لاننا نعرف أنّه قبل ان يصل الى هذه المرحلة من العمر كانت الحرب واجباً عليه، فلا ندري بعد الوصول الى هذه المرحلة سقط عنه الوجوب او لا؟ فيستصحب بقاء الوجوب المجعول سابقاً، ومن ناحية أخرى نعلم بعدم وجود هذا الوجوب في الأزل فاستصحاب عدم جعل الوجوب يتعارض مع استصحاب الوجوب المجعول لقبل هذه الفترة من عمره فيتساقطان.
ولكن لنا ان نجعل الأصل هنا أصالة البرائة لا الاستصحاب، لانّ هذا الشيخ يشك في انه وجب عليه الجهاد او لا؟ الاصل عدم الوجوب لانه شاك في اصل التكليف لا المكلف به فيجري البرائة.
هذا البحث انما يجري اذا كان موضوع عدم وجوب الجهاد، الشيخ بما انه شيخ ولكنه اذا كان الشيخ موضوعاً للحكم بما انه عاجز فلابد ان نجعل البحث حول عنوان العاجز عن الحرب وسندخل في البحث عنه عن قريب.
ثانياً : بقوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى‌ وَ لا عَلَى الَّذينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنينَ مِنْ سَبيلٍ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحيمٌ﴾ (التوبة91)
حيث نفت الحرج من الضعفاء في ترك الجهاد اذا كانوا ناصحاً لله و لرسوله، والشيخ الهم العاجز من الضعفاء، فمعنى ذالك جعل موضوع سقوط الوجوب، عنوان الضعيف واندرج الشيخ فيه كما اشار بعد هنيهة من كلامه ان هذه الآية تقتضي لحوق المريض ونحوه .
ثالثاً : استدل كمعاضد لظهور الآية بعدم الخلاف المنقول والمحصل.
رابعاً : استدل بقاعدة نفي الحرج التي اصلها قوله تعالى: " وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج‌..."(الحج78). ووجه الاستدلال ان الجهاد حرجي للشيخ الهم ثم يشير الى ان قاعدة الحرج هي بوزان الآية المذكورة آنفاً فيشمل المريض ونحوه ويشير الى قول الفقهاء وفهمهم بهذا السياق.
ومن ذالك نستنتج ان الميزان و هو موضوع الحكم واقعاً، هو العجز العرفي سواء بالنسبة الى الشيخ الذي ليس مريضا ولكن قد اقعده الشيب عن الافعال الصعبة كالجهاد الذي يلازم الحركات السريعة وحمل السيف والترس و طي المسير وغيرها من لوازم القتال. ولذالك يضيف الى كلامه استثناء وهوقوله: (الا أن يكون مريضاً مرضاً لا يمنعه منه، نعم لو فرض قوة الهِمّ عليه وجب عليه و إن كبر سنّه، كما وقع من عمار بن ياسر في صفين و مسلم بن عوسجة في كربلاء) فالميزان الاصلى هو الضعف عن القتال باي سبب حصل ولا موضوعية لشيخ الهم ولا للمريض ونحوه من الاعرج والاصم. بخلاف الصبي والمجنون و المرأة والعبد فان هذه العناوين الاربعة استثنيت من عمومات الجهاد بما هي، سواء كانوا عاجزاً وكانت الحرب لهم حرجيا اولا؟.
ولذالك ترى ان الفقهاء اختلفت تعبيراتهم في ذكر المستثنيات قال ابي الصلاح الحلبي: (يجب الجهاد على كل رجل حر كامل العقل سليم من العمى والعرج والمرض، مستطيع للحرب). وقال الشيخ في النهاية: (ويسقط الجهاد عن النساء والصبيان والشيوخ الكبار والمجانين والمرضي ومن ليس به نهضة الى القيام بشرطه). ويقول هو في الجمل والعقود : (وشرائط وجوبه سبعة: الذكورة والبلوغ وكمال العقل والصحة والحرية وان لا يكون شيخا ليس به قيام ويكون هناك إمام عادل او من نصبه الامام للجهاد). وقال حمزة بن علي بن زهرة الحلبي في الغنية: (اما شرائط وجوبه: فالحرية والذكورة والبلوغة وكمال العقل والاستطاعة له بالصحة والقدرة عليه وعلى ما يفتقر اليه فيه من من ظهر ونفقة...) وقال ابن حمزة الطوسي في الوسيلة: (ويسقط عن عشرة نفر: النساء والصبيان والمجانين والشيخ الضعيف والمريض والاعمى والمعسر والاعرج اذا لم يقدر على الحرب فارساً ومن ليس من أهل المعرفة به ومن لم يأذنه الوالدان) وقال المحقق في مختصر النافع: (وهو فرض على من استكمل الشروط الثمانية: البلوغ والعقل و الحرية والذكورة وان لا يكون هِمّاً ولا مقعدا ولا اعمى ولا مريضا يعجز عنه) وقس على ذالك غيرهم من الفقهاء.
لا يقال: مادام القدرة شرط عقلي لكل تكليف وقبح التكليف بما لا يطاق مشهور في الكلام مضافا الى قول الله: "لا يكلف الله نفسا الا وسعها"، "ولايكلف الله نفسا الا ما آتاها" فاي حاجة الى إتعاب النفس والاستدلال بما ذكرناه في مورد الشيخ العاجز و المريض وغيرهم من المعذورين.
لانا نقول: ليس المراد من كون الفعل حرجيا ان يكون غير مقدور عقلا على المكلف بل مجرد الصعوبة غير المعتادة يشمله قاعدة الحرج فان شريعة الاسلام سهلة سمحة.
ولكن بعض الاحكام في نفسها حرجي او ضرري، كالجهاد والحج خصوصا في القديم والزكاة والكفارات والحدود بالنسبة الى المحدود وغيرها من الاحكام، ففي مثل ذالك قاعدة الحرج لا تجري لرفع مقتضى طبيعة التكليف وانما اذا جاء حرج خارج عن مقتضى التكليف فهو مرفوع.
ثم ما ذكر من الامور المسقطة لوجوب الجهاد، تختلف بحسب الظروف والازمان والافراد ففي مثل هذا العصر حيث اصبح الجهاد بالوسائل والادوات التي حملها واستعمالها سهل وهناك مسئوليات في الجهاد لا تحتاج الى قوة الجسم كثيراً كما يجري في غرفة العمليات. من التعرف على احداثيات العدو وابلاغ الوحدات النارية بقصفها و المراقبة على الكاميرات . وتفسير بعض الخرائط الملتقطة من الفضاء والجو والتنصت لللا سلكيات وغير ذالك، فما عدّه فقهائنا من المعاذير للمشاركة في الحرب بعضها كانت متناسبة لتلك الظروف.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo