< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

37/01/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : تجدد العذر بعد الالتحام
كان بحثنا حول الفرع الثالث من الفروع التي ذكرها المحقق حيث يقول: (الثالث لو تجدد العذر بعد الالتحام الحرب ‌لم يسقط فرضه على تردد إلا مع العجز عن القيام به) [1]. وذكرنا بعض الاقوال حول المسألة في اليوم الماضي وخلاصة الكلام الأعذار على قسمين: منها ما هو ليس معجزا عن الجهاد وهو العذر الخارج عن ذات المكلف كنهي الوالدين لاولادهم و المولى عن عبده و الغريم عن المديون. ومنها ما معجز للعبد عن القيام بالجهاد و هو الذي داخل في ذات المكلف كالمرض والعمى والإقعاد. وتجديد العذر لا يخلوا عن ثلاثة حالات: فقد يتجدد قبل الخروج إلى الحرب فلا شك في تاثيره على سقوط الوجوب بل حرمة الجهاد لان ادلة الاعذار يشمله بلا مزاحم ولا معارض، وقد يتجدد بعد الخروج إلى الحرب وقبل مواجهة العدو فحينئذٍ يمكن القول بشمول الادلة له فان حق الوالدين او المولى او الغريم لايسقط بمجرد اذنهم للجهاد فلهم الرجوع إلى حقهم الذي تغامضوا عنه. و انما الكلام فيما اذا تجدد العذر بعد مواجهة العدو والحضور في المعركة فذهب المصنف إلى عدم سقوط فرض الجهاد على تردد اي حفظ احتمال سقوطه ايضاً.
ذهب إلى القول بعدم سقوط فرض الجهاد جل الفقهاء في الفرض الاول، حتى اشكل عليه الشهيد الثاني في المسالك بقوله: (اعلم أنّ ظاهر العبارة كون الخلاف في القسم الأوّل خاصّة، و الموجود في كتب الخلاف كونه في الثاني) [2] . ولكن قلنا في اليوم الماضي اولاً انّ المحقق ما اراد الا بيان رأيه في المسئلة وثانيا انه يوجد القول بالسقوط ايضاً كماذهب اليه الشافعي في أحد قوليه،
ويمكن الاستدلال على عدم سقوط فرض الجهاد اذا رجع الوالدان عن اذنهما او الغريم او المولى لقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَ اذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [3] وقوله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ . وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ.[4] [5] ففي الاية الاولي أمرٌ بالثبات وفي الثانية نهيٌ عن تولية الدبر، فهما ظاهران في وجوب الثبات وحرمة متاركة الحرب. حتى ان العلامة رضوان الله عليه، ذكر حالة لمن لايجب عليه الجهاد ولكنه حضر فلم يجز له ترك الميدان.
قال في المنتهى: (لو خرج في جهاد تطوّعا بإذنهما،فمنعاه منه بعد سيره و قبل وجوبه، كان عليه أن يرجع؛ لأنّ لهما منعه في الابتداء، فكذا في الأثناء، كسائر الموانع، إلّا أن يخاف على نفسه في الرجوع، أو يحدث له عذر من مرض أو ذهاب نفقة، أو‌ نحو ذلك، فإنّه إن أمكنته الإقامة في الطريق، و إلّا مضى مع الجيش، فإذا حضر الصفّ، تعيّن عليه بحضوره و لم يبق لهما إذن، و لو رجعا في الإذن بعد وجوبه عليه و تعيّنه، لم يؤثّر رجوعهما). [6] كما يرى لمن خرج إلى الجهاد عصيانا حتى حضر القتال لا يجوز له الرجوع، قال: (و لو أذن له والداه في الغزو و شرطا عليه أن لا يقاتل فحضر القتال، تعيّن عليه و لم يعتدّ بشرطهما؛ لأنّه صار واجبا عليه، فلا طاعة لهما في تركه، و لو خرج بغير إذنهما فحضر القتال ثمّ بدا له الرجوع، لم يجز له ذلك. [7]
وقد ناقش صاحب الجواهر ماذهب اليه العلامه في هذين الفرعين الذين لم يتعين له الجهاد لمنع الوالدين بما مفاده: انّ المفروض اشتراط جواز الجهاد باذن الوالدين ونسبة ادلة الاشتراط مع ادلة حرمة ترك القتال في المعركة نسبة العموم من وجه، فادلّة اشتراط الإذن اعم من كون المكلف في الميدان وعدمه، وادلّة حرمة ترك القتال ايضاً اعمّ من كون القتال مسبوقا باذن الوالدين اولا؟ ففي المجمع، وهو اذا لم يكن مأذونا من قبل الوالدين، وكان قد تلاقى الصفان، تتعارض الادلة
ولكن يمكن الجواب عن العلامة بان الآيتين تدلان على الوجوب العيني لمن حضر التقاء الصفين. بينما اذن الوالدين شرط لجواز الجهاد عند ما كان كفائياً. فموضوع اشتراط الاذن هو الجهاد الواجب بالوجوب الكفائي. و في ما نحن فيه يجب الجهاد والثبات عيناً على من حضر تلاقي الصفين و يحرم عليه ترك المعركة. نعم هو في اقدامه إلى المجيء والالتحاق كان مضطرا في الفرع الاول و عاصيا في الفرع الثاني، ولكن بعد ما صار موضوعاً للآيتين، يجب عليه القتال وبهذا البيان لا يبقى مجال للتمسك باطلاق ادلة الأعذار لان موضوع تلك الادلة هو الجهاد الواجب كفاية، فتأمل.
هذا اذا كان العذر المتجدد خارجاً عن ذات المكلف، و بعبارة اخرى لم يكن معجزا له عن القتال تكويناً، اما اذا كان معجزاً له وكان العذر في ذاته، كما عبّر عنه بعض الفقهاء، فقد قال المصنف بسقوط فرض الجهاد عنه بقوله: ( الا مع العجزعن القيام به) والدليل على ذالك حكم العقل بعدم جواز توجيه التكليف إلى غير القادر فالاحكام كلها مشروطة بالقدرة عقلا وقد نطق بذالك النصوص ايضاً قال تعالى: "لايكلف الله نفسا الا وسعها".
وقد تمسك البعض بوجوب الثبات للعاجز ايضاً وعدم جواز ترك المعركة أخذاً باطلاق قوله: "فاثبتوا" وقوله: "فلا تولوهم الادبار" وهذا ميسور للعاجز عن الجهاد. ولكن يمكن الرد على هذا القول او الاحتمال بان ظاهر الامر بالثبات هو الثبات في الحرب وعدم تولية الادبار عن الحرب بمناسبة الحكم والموضوع، فمن عجز عن الحرب لاتشمله الآية، نعم اذا كان بقائهم سببا لتقوية معنويات المجاهدين او خروجهم سبب لاهباط معنويات المجاهدين فيمكن القول بوجوب البقاء لا للجهاد، بل لتلك المصلحة فان موضوع الجهاد منتفي للعاجز.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo