< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الصلاة

37/01/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : حرمة الغزو في اشهر الحرم
بعد الفروع التي طرحها المحقق حول الكفاية في الجهاد ورد في مسئلة اخرى فقال: (و يحرم الغزو في أشهر الحرم إلا أن يبدأ الخصم أو يكونوا ممن لا يرى للأشهر حرمة) [1] . ذكر المصنف في هذه العبارة حرمة الغزو في اشهر الحرم وهي: رجب و ذي القعدة وذي الحجة ومحرم، والفرع الثاني جواز القتال اذا بدء الخصم به. وجواز الحرب في اشهر الحرم اذا كان الخصم ممن لايرى لها حرمة. ثم صاحب الجواهر بعد ذكرهذه العبارة يقول: (بلا خلاف أجده في شيئ من ذالك) ثم يستدل على هذا الحكم :-
اولاً : بقوله تعالى: " يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ" [2] والكبير هو بحذف المضاف وهو الذنب اي ذنب كبير.
ثانيا : بقوله تعالى: "فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ"(التوبة آية5) وبما ان الامر ورد في موضع توهم الحذر فيفيد الجواز وبما انه محدد بانسلاخ الاشهر الحرم فيفيد عدم الجواز في ما وراء الحد لمفهوم الحد وعدم الجواز يساوق الحرمة.
ثالثاً : بقوله تعالى: "الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَ الْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿194﴾ [3] الذي قيل في سبب نزوله أنه كان أهل مكة قد منعوا النبي صلى اللّٰه عليه و آله عام الحديبية سنة ست في ذي القعدة و هتكوا الشهر الحرام، فأجاز اللّٰه تعالى للنبي صلى اللّٰه عليه و آله و أصحابه أن يدخلوه في سنة تسع في ذي القعدة لعمرة القضاء مقابلا لمنعهم في العام الأول، ثم قال: «وَ الْحُرُمٰاتُ قِصٰاصٌ» أي يجوز القصاص في كل شي‌ء حتى في هتك حرمة الشهر، ثم عمم الحكم فقال «فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ» الآية، فهذه الاية تفيد جواز المقابلة بالمثل في عدم رعاية حرمة الشهر كما ان التعميم الوارد في ذيل الآية يفيد هذا المعنى.
رابعاً : مضمرة علاء ابن فضيل مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْفُضَيْلِ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ أَ يَبْتَدِئُهُمُ الْمُسْلِمُونَ بِالْقِتَالِ- فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقَالَ- إِذَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَبْتَدِءُونَهُمْ بِاسْتِحْلَالِهِ- ثُمَّ رَأَى الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُمْ يَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ فِيهِ- وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الشَّهْرُ الْحَرٰامُ بِالشَّهْرِ الْحَرٰامِ- وَ الْحُرُمٰاتُ قِصٰاصٌ وَ الرُّومُ فِي ‌هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُشْرِكِينَ- لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا لِلشَّهْرِ الْحَرَامِ حُرْمَةً وَ لَا حَقّاً- فَهُمْ يَبْدَءُونَ بِالْقِتَالِ فِيهِ- وَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَرَوْنَ لَهُ حَقّاً وَ حُرْمَةً فَاسْتَحَلُّوهُ- فَاسْتُحِلَّ مِنْهُمْ وَ أَهْلُ الْبَغْيِ يُبْتَدَءُونَ بِالْقِتَالِ. [4] اما السند فضعيف بمحمد بن سنان والعلاء وثقه النجاشي ومضمرته لا يؤخذ به لانه ليس ممن نثق بانه لايروي الا عن المعصوم عليه السلام نعم ان صاحب الجواهر عند ذكر المضمرة يقول: المنجبر بما عرفت والظاهر مراده الشهرة الفتوائية لان هذا القول مما لا خلاف فيه. ولكن هذا الانجبار لا وجه له لان مستند القائلين بهذا الحكم لا ينحصر في المضمرة حتى نكشف اعتمادهم عليها فان الشهرة الروائية او الفتوائية لو كانت جابرة فانما هي جابرة اذا ثبت شهرة روايتها او عمل الاصحاب عليها لانهما تبعث النفس الى الاعتماد عليها وهو غير ثابت فيما نحن فيه لان هناك ادلة اخرى في المسئلة اعتمدوا عليها.
قال الحلي رضوان الله عليه: (إنّ أصحابنا قالوا: إنّ تحريم القتال في أشهر الحرم باق إلى الآن لم ينسخ في حقّ من يرى للأشهر الحرم حرمة، و أمّا من لا يرى لها حرمة فإنّه يجوز قتاله فيها.و ذهب جماعة من الجمهور إلى أنّهما منسوختان –حرمة القتال في الاشهر الحرم وحرمة القتال في الحرم- بقوله تعالى:،"فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ". و بعث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السلام إلى الطائف، فافتتحها في ذي القعدة .و قال تعالى: وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ".) [5]
هنا عندنا كلام مع المحقق وكل من اطلق الكلام على ان من لا يرى حرمة للاشهر الحرم يجوز الابتداء بقتاله فيها، وهو: ان الادلة دلت على عدم جواز القتال الا لمن بدأكم به ومجرد عدم الاعتراف بحرمة الاشهر لايدل على جواز مبادرتهم بالقتال كما تفوه به بعض الفقهاء بانه يجوز قتال اهل الكتاب في تلك الاشهر ولايجوز قتال المشركين فيها وجعل الفارق الاعتراف بحرمة الاشهر وعدمه.فان الادلة تدور مدار بدئهم بقتالكم.
اما القول بالنسخ بقوله تعالى: "فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" فهذي الاية مسبوق بقوله: "فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَ آتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" [6] مضافا إلى ان هذه الاية وردت في القضية الخارجية وليست حقيقية حتى يستفاد منها الاطلاق.
اما الاستدلال بقوله: "قاتلوهم حتى لاتكون فتنة" على نسخ الحكم بحرمة القتال في الاشهر الحرم، فلا يمكن الاذعام به، لأنها مصدرة بقوله تعالى: "وَ قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَ لاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴿190﴾ ‌وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَ لاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴿191﴾فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿192﴾وَ قَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴿193﴾الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَ الْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴿194﴾ [7] فان الايات قبلها تنافي الاطلاق في الامر بالقتال حيث امر بقتال الذين يقاتلوننا ونهى عن الاعتداء والنهي عن قتالهم عند مسجد الحرام ثم أكد على رعاية شهر الحرام وانما جوز المقابلة بالمثل و نهى عن التجاوز عن ما اعتدوا علينا ومثلها قوله تعالى: وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصيرٌ [8]. مضافا إلى ان قوله حتى لا تكون فتنة بيان لفلسفة القتال لا للأمد الزماني او المكاني. فلا وج للقول بنسخ حرمة القتال في الاشهر الحرم وتبديل الحكم بالجواز.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo