< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/02/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :المرابطة

بعد ما اثبت المحقق استحباب المرابطة دخل في فرع آخر لنفس الموضوع فقال: (و من لم يتمكن منها بنفسه يستحب أن يربط فرسه هناك) فحكم باستحباب ربط الفرس في الثغور للعاجز عن المرابطة بنفسه، وهذا التعبير ورد في كلمات بعض الفقهاء الآخرين منهم محقق في مختصر النافع: (و لوعجز جاز أن يربط فرسه هناك) (مختصر النافع ج1ص109)

ومنشأ هذا التعبير في الفتوى هو خبر الذي رواه الصدوق ره واليك نصه: "مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام فِي حَدِيثٍ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ رَبَطَ فَرَساً عَتِيقاً مُحِيَتْ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ- وَ كُتِبَ لَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ حَسَنَةً فِي كُلِّ يَوْمٍ- وَ مَنِ ارْتَبَطَ هَجِيناً مُحِيَتْ عَنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سِيِّئَتَانِ- وَ كُتِبَ لَهُ تِسْعُ حَسَنَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ- وَ مَنِ ارْتَبَطَ بِرْذَوْناً يُرِيدُ بِهِ جَمَالًا أَوْ قَضَاءَ حَاجَةٍ- أَوْ دَفْعَ عَدُوٍّ مُحِيَتْ عَنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَيِّئَةٌ- وَ كُتِبَ لَهُ سِتُّ حَسَنَاتٍ الْحَدِيثَ.(وسائل ج11ص471 باب 4 من ابواب احكام الدواب) ومثله الحديث الثاني من هذا الباب.

سند الصدوق إلى بكربن صالح جيّد ولكن يقول الغضائري في البكر: (بكر ابن صالح الرازي ضعيف جداً كثير التفرّد بالغرائب) وقال النجاشي فيه: (بكر بن صالح الرازي مولى بني ضبّة روى عن ابي الحسن عليه السلام ضعيف) و أمّا سليمان بن جعفر، فقد وثقه الكشي والشيخ والنجاشي، وبما ان النتيجة تابعة لأخسّ المقدمتين فالسند ساقط عن الاعتبار. و أمّا الدلالة: فالفرس العتيق، على ما جاء في لسان العرب هو: رائع كريم. والهجين من الخيل الذي ولدته برزونة من حصان عربي. والبرزون التركي من الخيل، وخلافها العراب. وعلى كل حال المراد ثلاث مراحل من الجودة في الحصان، وقد ذكر لربط كل منها اجراً، فهل لذالك موضوعية؟ الظاهر انه لا خصوصية في الفرس بل المقصود هو مساعدة المرابطين، ولذا فقهائنا العظام ضموا اليه سائر ما له دور في خدمة المرابطة . قال العلامة في القواعد: (و لو عجز عن المباشرة للرباط، فربط فرسه لإعانة المرابطين أو غلامه أو أعانهم بشي‌ء، فله فيه فضل كثير).( قواعد الأحكام ج‌1، ص: 479) وقريب من هذا التعبير ذكر في تحريره (راجع تحرير الأحكام ط القديمة،ج‌1 ص 134). وقال الشهيد: (و أمّا الرباط ففضله كثير، سواء كان بنفسه أو غلامه أو دابّته، في حضور الامام و غيبته) (الدروس الشرعية ج2 ص30). وقريب من هذه الكلمات صدر عن سائر الفقهاء مما يدل على عدم خصوصية في ربط الخيل ومضافاً إلى هذا الحديث يدل على الاستحباب مساعدة عملية الرباط، كل ما يدل على استحباب التعاون على الخير حيث انه ثبت حسن الرباط واستحبابه في الشرع المقدس، قال تعالى تعاونوا على البر والتقوى وغيرها من نصوص لا طائل في ذكرها.

ثم تابع المحقق قوله بذكر فرعين تناسب سياق الكلام فقال اولاً: (ولو نذر المرابطة وجبت مع وجود الإمام و فقده) وهذا الفرع لا نقاش فيه بعد الاقرار بان المرابطة مستحبة سواء مع وجود الامام عليه السلام و فقده، لان النذر اذا تعلق بما هو راجح ينعقد، ثم ذكر فرعاً آخر فقال: ( وكذا لو نذر أن يصرف شيئاً في المرابطين وجب على الأصح) والوجه في ذالك واضح لانه تعاون على البر والخير، ولكن هناك شبهة دعت بعض الفقهاء كالشيخ في النهاية الى القول بحرمة ذالك فاشار المحقق بقولهم فقال: (و قيل يحرم و يصرفه في وجوه البرّ إلا مع خوف الشنعة و الأول أشبه). قال الشيخ رضوان الله عليه: (والمرابطة في سبيل اللّٰه، فيها فضل كبير و ثواب جزيل.

غير أنّ الفضل فيها يكون حال كون الإمام ظاهراً). و بعد سطر من الكلام قال: ( و متى لم يكن الإمام ظاهرا، لم يكن فيه ذلك الفضل). ثم قال فيمن نذر للمرابطين شيئاً: (و إن نذر أن يصرف شيئا من ماله الى المرابطين في حال ظهور الإمام، وجب عليه الوفاء به. و إن نذر ذلك في حال انقباض يد الإمام، صرف ذلك في وجوه البر. اللّهمّ إلّا أن يكون قد نذر ظاهراً و يخاف في الإخلال به الشّنعة عليه. فحينئذ يجب الوفاء به) (راجع النهاية في مجرد الفقه والفتاوي ص290-291).

فهنا فصل بين ظهور الامام وبسط يده وعدم ظهوره وقبض يده فاوجب الوفاء بالنذر في الاول دون الثاني بل أمر بصرف المال في وجوه البرّ، والأصل في هذه الفتوى ما ورد في صحيحة علي بن مهزيارواليك نصه: "مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ قَالَ: كَتَبَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام: إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ نَذْراً مُنْذُ سِنِينَ، أَنْ أَخْرُجَ إِلَى سَاحِلٍ مِنْ سَوَاحِلِ الْبَحْرِ إِلَى نَاحِيَتِنَا، مِمَّا يُرَابِطُ فِيهِ الْمُتَطَوِّعَةُ، نَحْوَ مُرَابَطَتِهِمْ بِجُدَّةَ وَ غَيْرِهَا مِنْ سَوَاحِلِ الْبَحْرِ، أَ فَتَرَى جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَنَّهُ يَلْزَمُنِي الْوَفَاءُ بِهِ؟ أَوْ لَا يَلْزَمُنِي؟ أَوْ أَفْتَدِي الْخُرُوجَ إِلَى ذَلِكَ، بِشَيْ‌ءٍ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ لِأَصِيرَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ؟، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِخَطِّهِ وَ قَرَأْتُهُ إِنْ كَانَ سَمِعَ مِنْكَ نَذْرَكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُخَالِفِينَ، فَالْوَفَاءُ بِهِ إِنْ كُنْتَ تَخَافُ شُنْعَتَهُ، وَ إِلَّا فَاصْرِفْ مَا نَوَيْتَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ، وَفَّقَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكَ لِمَا يُحِبُّ وَ يَرْضَى". اما السند فصحيح لانّ طريق الشيخ الى علي ابن مهزيار لابأس به، وامّا وجه دلالتها على عدم الجواز هو أمر الامام بصرف المال في ابواب البرّ والانصراف عن صرفها في الرباط اذا لم يواجه محذور الشنعة.

ولكن يرد عليه بان الحديث قضية في واقعة ولعلها كانت من المرابطة المحظورة مما فيه تقوية لسلطان الجائر، وصرف المال في ابواب البرّ كذالك كان تفضلا للامام لدلالته على ما يُثاب به، والا مع بطلان النذر وعدم وجوب، او عدم جواز الوفاء به، يعاد المال الى صاحبه.

وفي آخر فرع من هذا الركن قال المحقق: (و لو آجر نفسه وجب عليه القيام بها و لو كان الإمام مستورا و قيل إن وجد المستأجر أو ورثته ردها و إلا قام بها و الأولى الوجوب من غير تفصيل‌) فافتى بوجوب الوفاء اذا آجر نفسه للمرابطة ولو كان الامام مستورا، لانه رضوان الله عليه اختار استحباب المرابطة سواء كان الامام ظاهرا او مستوراً، وسواء كان الامام مبسوط اليد او مقبوضاً، والاجارة على الامر الجائز صحيحة فيتريب عليها وجوب الوفاء بها وهذا الحكم على وفق القاعدة، ثم ذكر قول المخالف ومنهم الشيخ رضوان الله عليه القائل بوجوب فسخ الاجارة ورد المال الى صاحبه او ورثته ان امكن والا القيام بالمرابطة على مقتضى الاجارة ثم بين احقية صحة الاجارة ولزوم الوفاء بها من غير تفصيل. وما قال به الشيخ لايمكن المسير اليه و يثبت ذالك بما قلناه سابقاً. مضافا الى ان الاجارة على المرابطة اذا كانت باطلة فلا وجه للحكم بوجوب الوفاء بها ان لم يجد المستاجر وهذا التفصيل من الشيخ عجيب فتأمل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo