< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/03/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:وجوب قتال محاربين

قد ذكرنا بعض أقوال الفقهاء في وجوب قتال المشركين وأهل الكتاب مما هو ظاهر في أنّ مجرّد عدم إعتناقهم للاسلام موجب لجواز قتالهم، ولكن كثير منهم لم يذكروا دليلاً على قولهم بل انما ذكروا الحكم كفتوى لهم وصاحب الجواهر رضوان الله عليه بعد ذكر الحكم بوجوب جهاد الطوائف الثلاثة من البغاة وأهل الذمة وما عداهم من اصناف الكفار يقول: (و كيف كان فلا إشكال في أصل الحكم بعد الأمر به و الحث الأكيد عليه كتاباً و سنةً، بل هو إن لم يكن من الضروريات فلا ريب في كونه من القطعيات،) (جواهر الكلام ج21ص47) والظاهر انه يتكلّم عن وجوب اصل الجهاد و لا التفات له بشمول الوجوب للمسالم من الكفار مضافاً إلى المحارب، فلنبحث عمن استدل لاثبات وجوب قتال المشرك او الكتابي بعنوانهما، ولكن يمكن ان نحمل كلام المحقق على اطلاق الحكم الشامل للمشرك و الكتابي المسالمَين حيث كان هذا الكلام مسبوق بقوله: (فيمن يجب جهاده وهم ثلاثة) ثم قال: (وكل من يجب جهاده فالواجب على المسلمين النفور اليهم) فيستفاد من هذا الكلام ان الطوائف الثلاثة المذكورة يجب جهادهم فيجب النفور اليهم، فجعل موضوع وجوب النفور مجرد العناوين الثلاثة لأنه اذا ثبت الموضوع فالحكم ينطبق عليه قهراً.

مما استدل بها ما ذكره السيد الخوئي رضوان الله عليه في منهاجه فقال: (فيمن يجب قتاله‌، و هم طوائف ثلاث: الطائفة الأولى: الكفّار المشركون غير أهل الكتاب،فإنّه يجب دعوتهم إلى كلمة التوحيد و الإسلام، فإن قبلوا و إلّا وجب قتالهم و جهادهم إلى أن يسلموا أو يقتلوا و تطهّر الأرض من لوث وجودهم. و لا خلاف في ذلك بين المسلمين قاطبة، و يدلّ على ذلك غير واحد من الآيات الكريمة، منها: قوله تعالى: "فَلْيُقٰاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا بِالْآخِرَةِ" (النساء74) و قوله تعالى: "وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّٰهِ" (الانفال39) و قوله تعالى: "حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتٰالِ" (الانفال65) و قوله تعالى: "فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ" (التوبة5) و قوله تعالى: "وَ قٰاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمٰا يُقٰاتِلُونَكُمْ كَافَّةً" (التوبة36) و غيرها من الآيات.) (منهاج الصالحين ج1ص360)

فعلينا ىراسة كل آية آية كي نستهدي إلى مدى دلالتها: أما الآية الاولى فوجه الاستدلال بها على وجوب قتال الكفار بما انهم كفار غير معتنقي الاسلام، هو الامر بالقتال في الآية المباركة من دون قيد وشرط.

و لكن يلحظ في اطلاق الآية: اولاً بانّها مسبوقة بالآيات الّتي تلوم المنافقين المبطئين من القتال عند ما ياتي الأمر به فالآية وردت في القضية خارجية فلا اطلاق لها . نعم ان القضايا خارجية اذا امكن تنقيح المناط منها فهي تشمل كل قضية تتوفر فيها ذالك المناط، وكون المناط فيها مجرد الشرك او الكفر لا دليل عليه وخصوصا لم يأت فيها عنوان الشرك او الكفر وانما ذكر الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة. ثانياً: الآية الاحقة بها وهي معطوفة عليها تُبيِّن لنا مناط الامر بقتالهم وهو قوله تعالى: " وَ ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ في‌ سَبيلِ اللَّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ الَّذينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصيراً . الَّذينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ في‌ سَبيلِ اللَّهِ وَ الَّذينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ في‌ سَبيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعيفاً (النساء75-76). فتفيد هذه الآية ان الكلام يكون في القتال للدفاع عن المظلومين فلا تفيد وجوب قتال مسالمين من المشركين او أهل الكتاب. ثم التقابل بين سبيل الله وسبيل الطاغوت يفيد ان العدو كان محاربا لصالح الطاغوت والطاغوت كل من له قوة يطغى بها على الآخرين فالامر في هذه الاية داعي إلى قتال المحاربين و لا يشمل غير المسلم اذا كان مسالماً. فالآية انما تدل على وجوب قتال المحاربين من الكفار.

اما الآية الثانية: فوجه الاستدلال بها لوجوب قتال الكفار والمشركين هو الامر بقتالهم حتى انعدام الفتنة و حصر الدين لله اي ازالة الكافرين من وجه الارض.

ولكن عند ما نتامل في سياق الآية و نلاحظ الآيات السابقة واللاحقة بها نستفيد امراً آخر قال تعالى: " إِنَّ الَّذينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَ الَّذينَ كَفَرُوا إِلى‌ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ . لِيَميزَ اللَّهُ الْخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبيثَ بَعْضَهُ عَلى‌ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَميعاً فَيَجْعَلَهُ في‌ جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ . قُلْ لِلَّذينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَ إِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلينَ . وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصيرٌ . وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى‌ وَ نِعْمَ النَّصيرُ (الانفال36-40).

فالاية الاولى منها تتحدث معنا عن الكفار الذين ينفقون اموالهم في محاربتنا فيعدهم الله بالهزيمة في الدنيا والخسران في الآخرة، ثم في الآية الثالثة يعدهم بالغفران اذا امسكوا عن الحرب ثم في الآية المبحوث عنها المراد من الفتنة فيها، الحرب التي تُولِّد الزعزعة وعدم الأمان ولذالك يعود ويطلب منهم الانتهاء والامساك عن الحرب، وعلى فرض عدم قبولهم يسلي المسلمين بان الله مولاهم وهو نعم المولى ونعم النصير، ففيها بشارة بالنصرة عليهم. فهذه الآية وردت في الدعوة إلى محاربة هؤلاء الذين جهزوا انفسهم لقتال المؤمنين فهي أخص من المشرك والكافر وانما يشمل المحارب منهم.

وانا بعد ما تاملت في هذه الآيات راجعت إلى تفسير الميزان فرأيت تطابق فهمه المبارك لفهمي القاصر واليك نص كلامه: (قوله تعالى: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ» إلى آخر الآية الانتهاء الإقلاع عن الشي‌ء لأجل النهي، و السلوف التقدم، و السنة هي الطريقة و السيرة. أمر النبي ص أن يبلّغهم ذلك و في معناه تطميع و تخويف و حقيقته دعوة إلى ترك القتال و الفتنة ليغفر الله لهم بذلك ما تقدم من قتلهم و إيذائهم للمؤمنين، فإن لم ينتهوا عما نهوا عنه فقد مضت سنة الله في الأولين منهم بالإهلاك و الإبادة و خسران السعي.

قوله تعالى: «وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» الآية و ما بعدها يشتملان على تكليف المؤمنين بحذاء ما كلف به الكفار في الآية السابقة، و المعنى: قل لهم أن ينتهوا عن المحادة لله و رسوله يغفر لهم ما قد سلف و إن يعودوا إلى مثل ما عملوا فقد علموا بما جرى على سابقتهم، قل لهم كذا و أما أنت و المؤمنون فلا تهنوا فيما يهمكم من إقامة الدين و تصفية جو صالح للمؤمنين، و قاتلوهم حتى تنتهي هذه الفتن التي تفاجئكم كل يوم، و لا تكون فتنة بعد، فإن انتهوا فإن الله يجازيهم بما يرى من أعمالهم، و إن تولوا عن الانتهاء فأديموا القتال و الله مولاكم فاعلموا ذلك و لا تهنوا و لا تخافوا. و الفتنة ما يمتحن به النفوس و تكون لا محالة مما يشق عليها، و غلب استعمالها في المقاتل و ارتفاع الأمن و انتقاض الصلح، و كان كفار قريش يقبضون على المؤمنين بالنبي ص قبل الهجرة و بعدها إلى مدة في مكة و يعذبونهم و يجبرونهم على ترك الإسلام و الرجوع إلى الكفر، و كانت تسمى فتنة. و قد ظهر بما يفيده السياق من المعنى السابق أن قوله: «وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُون فِتْنَةٌ» كناية عن تضعيفهم بالقتال حتى لا يغتروا بكفرهم و لا يلقوا فتنة يفتتن بها المؤمنون و يكون الدين كله لله لا يدعو إلى خلافه أحد، و أن قوله: «فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» المراد به الانتهاء عن القتال و لذلك أردفه بمثل قوله: «فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» أي عندئذ يحكم الله فيهم بما يناسب أعمالهم و هو بصير بها، و أن قوله: «وَ إِنْ تَوَلَّوْا» إلخ أي إن تولوا عن الانتهاء، و لم يكفوا عن القتال و لم يتركوا الفتنة فاعلموا أن الله مولاكم و ناصركم و قاتلوهم مطمئنين بنصر الله نعم المولى و نعم النصير. و قد ظهر أن قوله: «وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ» لا ينافي إقرار أهل الكتاب على دينهم إن دخلوا في الذمة و أعطوا الجزية فلا نسبة للآية مع قوله تعالى: «حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ:» التوبة:- 29. بالناسخية و المنسوخية).(الميزان ج9ص76)

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo