< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/03/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:قتال المشرك والكتابي لعدم الاسلام

كان بحثنا في الآيات التي استدل بها على وجوب جهاد المشرك او الكتابي لمجرد عدم اعتناقهم الاسلام وقد بحثنا حول آيتين مما استدل به وهما قوله تعالى: "فَلْيُقٰاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا بِالْآخِرَةِ" (النساء74) وقلنا اولاً انها تتحدث عن قضية خارجية بقرينة الاية التي سبقتها حيث تلوم المبطئين وثانياً: هذا الامر ورد في الدفاع عن المستضعفين المظلومين فليس حربا ابتدائياً لما ورد في الآية الثانية وثالثاً: ومما يؤكد هذا المعنى الاية التي تليها حيث قابل بين سبيل الله وسبيل الطاغوت وامر بقتال اولياء الشيطان الذين هم طواغيت قد تجاوزوا وطغوا على الناس وقد بينا ذالك بما لا مزيد عليه. و الثانية قوله تعالى: "وَ قٰاتِلُوهُمْ حَتّٰى لٰا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّٰهِ" (الانفال39) قلنا ان هذه الاية مسبوقة بآيتين قبلها تفيد الاولى منها نحن امام عدو انفق ماله ليصد عن سبيل الله والله يسلّي رسوله بانهزام عدوه و دخولهم النار ثم يأمر نبيه بان يشجعهم بترك القتال والانتهاء عنه ثم في الآية المبحوث عنها يامر نبيه بقتال هؤلاء لرفع الفتنة وإخماد نار الحرب و صيانة حرية المسلمين في ممارسة دينهم وقد بينا ذالك ايضا فاعد النظر إلى ما قلناه بالأمس.

ومما استدل بها على وجوب قتال المشركين وأهل الكتاب قوله تعالى: "حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتٰالِ" (الانفال65) والوجه في الاستدلال هو اطلاق التحريض على القتال من دون اشتراط بمحاربة المشركين بالمحاربين فيشمل القتال للأعم من المحارب فيدخل فيه المسالم.

ولكن يلحظ في هذا الدليل بأن الآية انما هي في مقام الامر بالتحريض على القتال وليست في مقام بيان سائر شؤون القتال، منها المقاتَل، فمن مقدمات الحكمة اللتي لابد من توفيرها لتحقق الاطلاق كون المتكلم في مقام البيان فعدم تقييد المولى لموضوع حكمه بشيئ يدل على ان غرضه تعلق بنفس العنوان فيستفاد عدم دخل أي قيد في موضوع حكمه، وفي ما نحن فيه اراد الله تحريض المؤمنين على القتال الذي هو مشروع ولكن شروط قتال المشروع لم تكن مورداً للعناية فالكلام في هذه الآية لا اطلاق له من تلك الجهة. واليك نص الآية بتمامها: " يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65). فاراد الله ان يبين ان قلة العدد تنجبر مع الايمان المودعة في قلوب المؤمنين وما كان بصدد بيان من يجب ان نقاتله.

ومن الآيات التي استدل بها على وجوب قتال المشركين وأهل الكتاب بما هم هم قوله تعالى: "فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ" (التوبة5) وجه الاستدلال بهذه الاية توجه الامر بقتل المشركين بقول مطلق بعد انسلاخ الاشهر الحرم فيجب قتلهم ايّاً من كان بغير شرط او قيد، فيشمل المحارب والمسالم منهم.

ولكننا عند ما نراجع إلى سورة التوبة نرى ان آياتها تتحدث عن موضوع خارجي وهو مشركوا المكة المكرمة فاليك نص الآيات:

قال تعالى: "بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكينَ . فَسيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَ أَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرينَ . وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَري‌ءٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ وَ رَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَ بَشِّرِ الَّذينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَليمٍ . إِلاَّ الَّذينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَ لَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى‌ مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقينَ . فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ" (التوبة1-5)

فالآية الاولى جعل البرائة من المشركين الذين عاهدتموهم، ثم يمهلهم اربعة اشهر ثم ينذرهم في الآية الثالثة ثم في الرابعة ثم يستثني منهم الذين لم ينقصوا المسلمين شيئا ولم يظاهروا عليهم احداً، وفي الخامسة يأمر بقتل هؤلاء المشركين التي مر ذكرهم فالقضية خارجية و هم كانوا محاربين من المشركين فلا يشمل المسالمين منهم. كذالك عند ما نتأمل في الآ يات التي تليها نستشف منها بوضوح ان الايات تتحدث عن المشركين الذين كانوا يعاندون ويحاربون المسلمين مستمرين على طريقتهم المعتدية والظالمة واليك تلك الآيات: قال تعالى: "وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقينَ (7) كَيْفَ وَ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فيكُمْ إِلاًّ وَ لا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَ تَأْبى‌ قُلُوبُهُمْ وَ أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8)اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَليلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ في‌ مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَ لا ذِمَّةً وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا في‌ دينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ (13) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْديكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنينَ (14) وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلى‌ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ (التوبة6-15) ففي الآية السابعة يستثني من عهد ان يسالم واستمر على عهده، في الآية الثامنة عند ما يذكر طينتهم على الخيانة يصف أكثرهم بالفسق لا كلهم، وفي الآية التاسعة يشير إلى صدهم عم سبيل الله فعلاً، وفي الثانية عشرة يامر بقتالهم بعد نكث العهد والاَيمان رجاء انتهائهم عن حرب المسلمين، ثم في الثالثة عشرة يشير إلى نكث الايمان و همهم باخراج الرسول وانهم البادون في الحرب فيلوم المتقاعسين عن حربهم خوفا منهم، واخيراً يامر المؤ منين بقتالهم ويبشرهم بالانتصار عليهم، و من كل ذالك نستوحي ان الملاك في قتالهم كونهم محاربين معاندين مبتدئين بالعناد والحرب فتأمل جيداً.

و هناك آيات أخرى استدل بها نطرحها في الايام القادمة انشاء الله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo