< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/03/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: وجوب جهاد المحارب

كان بحثنا في الآيات التي استدل بها على وجوب قتال المشركين بما هم مشركون ولو كانوا مسالمين وكذالك أهل الكتاب وقد بحثنا عن اربع آيات في هذا المجال، ثلاث منها دلت على خلاف المقصود حيث ثبت انّها كانت واردة في المحاربين من الكفار والمشركين لا المسالمين منهم، وهي آيات: 74 من سورة النساء و 39 الانفال و5 من سورة التوبة. و واحدة منها ايضاً انما كانت بصدد التحريض والتشجيع على القتال من دون عناية إلى من يقاتَل فما دلت على المراد شيئاً وهي الآية65 الانفال.

ومن الآيات التي استدلوا بها على وجوب قتال المشرك قوله تعالى: " واقتُلوهُم حَيثُ ثَقِفتُموهُم"(البقرة191). ووجه الاستدلال الامر بقتالهم اينما وجدناهم فيشمل كل مشرك كافر.

ويلحظ فيه بان هذه الآية مسبوقة بقوله تعالى: "وَ قاتِلُوا في‌ سَبيلِ اللَّهِ الَّذينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدينَ" (190). ثم يقول تعالى: "وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ (192) وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمينَ (193) فاولاً: ضمير هم يعود إلى الذين يقاتلونكم، ثانياً: النهي عن الاعتداء بعده مباشرة تحذير عن الاعتداء في القتال وهو قتال الانحياديين منهم، او سائر اقسام الاعتدائات مثل الاعتداء إلى النساء والاطفال والقاء السم في المياه واحراق البيوت و...ما سوف يأتي في تفصيلات كيفية الحرب عند البحث عنها ان شاء الله، ثالثاً: في تتميم نفس الآية يقول تعالى: "واخرجوهم من حيث أخرجوكم" مما يظهر منه انهم كانوا بادءون في المحاربة والاعتداء، ورابعاً: نهيه تعالى عن قتالهم عند المسجد الحرام في ذيل الأية الا اذا هم بدءوا بقتال المسلمين عند المسجد الحرام، فيستشف منه بوضوح، كون مسجد الحرام مكان الامن والسلام فلا يجوز فيه القتال الا اذا هم نقضوا الأمن والسلام فيه، وخامساً: قوله تعالى: كذالك جزاء الكافرين ظاهر في ان قتالكم اياهم انما يكون جزاء قتالهم اياكم. سادساُ: قول الله تعالى في الآية التي تليها " فان انتهوا فان الله غفور رحيم" شاهد على ان الامر بقتالهم ليس الا للدفاع، وسابعاً: قوله تعالى بعد ذالك " وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة" دليل على ان القتال انما شرع لرفع الفتنة اي زعزعة الاجواء ونشر الخوف وعدم الأمان، كما بيناه سابقاً عند البحث في الآية 39 من سورة الانفال. وأخيراً قوله تعالى: "فَاِن إنتَهُوا فَلا عُدوانَ إلّا عَلى الظالِمينَ" يحصر الحرب على الظالمين الذين يُخلّون بالأمن ويثيرون نار الحرب والقتال ظلماً وزوراً.

ومن الآيات التي استدل بها قوله تعالى: "َ قاتِلُوا الْمُشْرِكينَ كَافَّة"(التوبة36) والوجه في الاستدلال بوجوب قتال جميع المشركين امر الله تعالى: بقتالهم كافة اي جميعاً من دون استثناء فمجرد كونهم مشركين يجعلهم موضوعاً لهذا الأمر والأمر ظاهر في الوجوب.

ولكن يتعقب هذه العبارة بقول الله تعالى: "كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقينَ (36). فقوله تعالى كما يقاتلونكم كافة اي بمثل ما يقاتلونكم كافة فهذه الآية تفيد المقابلة بالمثل، فتتحدّث معنا عن المشركين الذين لم يكونوا مسالمين، كما ان قبل فتح مكة تربصوا المشركون بالمسلمين الدوائر و ما بخلوا عنهم بايّ قتلة او ضرر استطاعوا ان يرِدوا عليهم، فكانوا كلّهم اتخذوا موقف الحرب، ولكن هؤلاء عند ما قبلوا الصلح في الحديبية فرسول الله صلى الله عليه وآله ايضاً قبل ذالك ولم ينقض صلوات الله عليه الهدنة الا بعد ما هم نقضوها. كما انه صلوات الله عليه عند دخوله مكة المكرمة أعطى الأمان لكل من استسلم و دخل بيته وسد الباب على نفسه، او دخل مسجد الحرام رمزاً للمسالمة والقعود عن الحرب، او دخل بيت ابي سفيان الذي استقبل النبي صلى الله عليه وآله قبل دخوله مكة و سلّم نفسه. وفي هذا العصر ايضاً يمكن ان نقول ان صين وهند ويابان وغيرها من البلاد التي لا تحاكى لنا مؤامرة وحرباً لا يجوز لنا ان نقاتلهم حسب ما عرفنا من الآيات التي مرت بنا إلى هذه المرحلة.

ومن الآيات التي استدلوا بها قول الله تعالى: "يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصيرُ" (التوبة73) وجه الاستدلال بهذه الآية الأمر المتوجه إلى النبي صلى الله عليه وآله بجهاد الكفار والمنافقين من دون قيد وشرط، فيشمل قتال كل من لا ينطق بالشهادتين سواء كان محارباً او مسالماً.

ولكن عند ما نتابع قرائة الآيات التي تليها نعرف انهم كانوا من المحاربين الذين حيث ذكر الله مواقفهم من الاسلام في قوله تعالى: "يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَ ما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَليماً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصيرٍ (74) وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحينَ (75) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَ تَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً في‌ قُلُوبِهِمْ إِلى‌ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (التوبة77). فهذه الاية تشير إلى خيانتهم وكذبهم بعد الفشل في المؤامرة في انكار ما قالوا وهمهم بالخيانة فعلا و عدم توفيقهم في الوصول إلى ما ارادوا بينما تعامل معهم الاسلام بالفضل والانعام ومع كل ذالك يبشرهم بالخير لو تابوا و يوعدهم بالعذاب في الدنيا و في الآخرة ثم في الآيتين التين تليها يذكر نقضهم للعهد ثم يذكر الآثار السلبية التي ترك هذا المواقف الخائنة في قلوبهم فلم يتحدث عن جمع مسالم لا يريدون شرّاً.

هذا اذا اخذنا الجهاد بمعنى الحرب كما اراد المستدل بها، واما اذا قلنا ان الجهاد في هذه الآية لم يستعمل في الحرب بل المراد نهاية السعي في دفع شرهم بالكلام او جعل المراقب على اعمالهم لكشف مؤامراتهم والاغلاظ و التشدد في امورهم لافشال مخططاتهم فالآية اجنبية عن ما اراد المستدل ان يتمسك به وما يرحج هذا المحمل ذكر المنافقين في الآية فان رسول الله لم يكن من سيرته قتال المنافقين، بل كان يحاربهم ببيان نياتهم المكتومة من دون تعيين و افشال مخططاتهم بالعمل المعاكس و تحكيم الامور كي لا يجدوا مجالاً لتنفيذ نياتهم اللئيمة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo