< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/04/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : وجوب جهاد المحارب

كان بحثنا حول ما استدل به من الآيات لإثبات وجوب الجهاد الكفارالإبتدائي، التي ذكرها سماحة الشيخ الآصفي المرحوم ، منها ستة عشرآية من الآيات الاولى من سورة التوبة، فقال: (ستة عشر آية من أول سورة البراءة صريحة في القتال الإبتدائي و شرعيته، وبيان ذالك كالتالي:

إن المشركين في عصر نزول هذه الآيات المباركة كانوا ثلاثة طوائف. فمنهم من لم يرتبط بالمسلمين بعهد، ومنهم من ارتبط ونقضه، ومنهم من ارتبط واستقام ولم ينقض...

اما الطائفة الأولى: التي ليس لها مع المسلمين عهد فقوله تعالى: "وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَري‌ءٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ وَ رَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَ بَشِّرِ الَّذينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَليمٍ (التوبة3). يتحدث عنها بدليل الإستثناء الموجود في الآية التي تليها و هو قوله تعالى: "إِلاَّ الَّذينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكين‌"(التوبة4) فالآية إذن تشخص المقصود من المشركين هنا بأنهم ممن ليس لهم عهد مع المسلمين، وتنص في نفس الوقت على حكمهم، وهو براءة الله ورسوله منهم، والبراءة هنا تعني هدر دمهم وعدم وجود حرمة لهم، سواء كانوا ابتدأوا المسلمين بحرب او لم يبتدأوهم، وقتال من لم يبتدأ قتال ابتدائي كما هو واضح.

اما الطائفة الثانية : وهم من نقضوا عهدهم مع المسلمين وطعنوا في دينهم فحكمهم نفس حكم الطائفة الأولى وذالك لأنهم دخلوا في عهد مع المسلمين ثم نقضوه.

وقوله تعالى: " وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا في‌ دينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (التوبة12)، وقوله أيضاً : " أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ (التوبة13)، ظاهران في وجوب مقاتلتهم بمجرد نقض العهد وان لم يكونوا ابتدأوا المسلمين بحرب أو رجعوا إلى عهدهم الذي نقضوه. ولا شك أن قتالهم على هذا الوصف قتال ابتدائي.

أما الطائفة الثالثة: وهي التي استقامت على عهدها، وهذه الطائفة يوفى لهم العهد إلى تام الأجل المضروب فإذا تم تشرع مقاتلتهم وقوله تعالى: " إِلاَّ الَّذينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَ لَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى‌ مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقينَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ...."(5-6)،ظاهر في ذالك، لأن قتالهم بمجرد ان تنتهي المدة يعد قتالاً إبتدائياً.)(الآثارالفقهيةج4ص48).

ولكن الذي يرد على هذا الاستدلال أولاً: أنّ هذه الآيات تتحدث عن جماعة خاصة عاشوا في عهد النبي صلى الله عليه وآله حيث بدء السورة بقوله: "بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكينَ (1) فَسيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَ أَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرينَ (2) وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَري‌ءٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ وَ رَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَ بَشِّرِ الَّذينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَليمٍ (3). فالقضية قضية خارجية جزئية و ليست قضية حقيقية كلية فليست كبرى تقع في طريق الاستنباط فاذن الاستدلال عقيم.

ثانياً: ان المشركين الذين تتحدث عنهم الآيات هم الذين قاتلوا المسلمين ولم يتنازلوا طرفة عين وبعد ما صالحوا النبي صلى الله عليه وآله في الحُديبيّة، نقضوا عهدهم بقتل بعض من بني خزاعة الذين كانوا في ذمة المسلمين، و هم لم يتركوا المحاربة حتى استولى النبي على مكة وكانوا يستحقون القتل على حسب اعرافهم فعفى عنهم وقال اذهبوا فانتم الطلقاء، فسكوتهم عن الاسلام والمسلمين لم يكن بإرادتهم بل صار فرضاً عليهم.

فهم كانوا من المعاندين الذين لم يكن أمانهم أماناً ولا عهدهم عهدً يراهن عليه، و بقائهم في المكة كان خطرا مستمرا على الاسلام والمسلمين ومع كل ذالك أمهلهم الله أربعة أشهر كي ينسحبوا فأراد الله ان لا يقتل الا من اختار لنفسه القتل.

والله وصفهم في نفس الآيات الستة عشر المطروحة من قبل المستدِل واليك نصوصها:

"كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقينَ (7) كَيْفَ وَ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فيكُمْ إِلاًّ وَ لا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَ تَأْبى‌ قُلُوبُهُمْ وَ أَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَليلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ في‌ مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَ لا ذِمَّةً وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا في‌ دينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَ لا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَ تَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ (13) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْديكُمْ وَ يُخْزِهِمْ وَ يَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنينَ (14) وَ يُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلى‌ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَليمٌ حَكيمٌ (15). فهل يمكن ان نستنبط من هذه الآيات جواز قتال كل من لم يعتنق الاسلام ولو لم يصدر منه ظلماً ولا فساداً ونطمئن من جانبهم عن اي خطر؟!!

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo