< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/05/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : حفظ اطراف بلاد المسلمين

من الأحكام التي ذكرها بعض الفقهاء ولم يتعرض له المحقق هنا هو جعل الامام في كل طرف من البلاد الاسلامية محاذي لإحدى بلاد الشرك والكفر من يكفّ خطرهم عن المسلمين فقال صاحب الجواهر، (و كيف كان فينبغي للإمام عليه السلام ملاحظة أطراف بلاد المسلمين فيجعل فيها من يكف المشركين و يعمل الحصون و يحفر الخنادق و غير ذلك مما يحترس المسلمون به، كما أنه ينبغي له جعل أمير في كل ناحية يقلده أمر الحروب و تدبير الجهاد ذي أمانة و رفق و نصح للمسلمين و رأي و قوة و شجاعة و مكابدة للعدو، و إذا احتاج إلى المدد مده، إلى غير ذلك مما يقتضيه الحال، فإن الجهاد موكول إلى نظر الإمام عليه السلام و يلزم الرعية طاعته كما يراه.)[1] ولعل عدم ذكر المحقق لهذه المسئلة هنا لان مكانها الانسب مبحث المرابطة. نعم يمكن القول بوجوب تجييش جيوس متقارنة ليشتغلوا بالحرب في أطراف متعددة عند الإمكان وهذا لازم القول بوجوب قتال الكفار و إلجائهم إلى قبول الاسلام او الذمّة والّا قتلُهم فهذا هو مقتضى قول المشهور؟!

ثم دخل المحقق في ذكر بعض آداب الحرب فقال: (و لا يبدءون إلا بعد الدعاء إلى محاسن الإسلام) وقد فسر صاحب الجواهر محاسن الاسلام بالشهادتين وما يتبعهما من أصول الدين (راجع الجواهرج15ص51)

وقال الشيخ في النهاية: (لا يجوز قتال أحد من الكفّار إلّا بعد دعائهم إلى الإسلام و إظهار الشّهادتين و الإقرار بالتّوحيد و العدل و التزام جميع شرائع الإسلام. فمتى دعوا الى ذلك، فلم يجيبوا حلّ قتالهم.)[2] وظاهر هذه الكلمات مجرد مطالبتهم بالتنطق بالشهادتين والالتزام بالفروع الاسلامية ولكن ابي الصلاح الحلبي الذي كان اسبق من الشيخ قال في الكافي: (إذا عزم سلطان الجهاد.....الى أن قال: فاذا انتهى إليهم فليدعهم الى الله تعالى و الى رسوله صلى الله عليه و آله و ما جاء به، و ليجتهد في الدعاء و ليتلطف، و يكرر ذلك بنفسه و ذوي البصائر من أصحابه، فإذا أجابوا إلى الحق و وضعوا السلاح أقرّهم في دارهم ان كانوا ذوي دار و لم يُعرض لشي‌ء منها، و ولّى عليهم من صلحاء المسلمين و علمائهم من يفقِّههم في دينهم و يحمى بيضتهم و يجبي أموال الله تعالى منهم.) (ص 248) وهذا الكلام ظاهر في اتمام الحجة عليهم وتبليغهم بما هو مقنع للعقل، ومن جهد بعد ذالك فهو مكابر وهذا أقرب إلى منظور الشارع المقدس الذي يريد من الأمّة الايمان لا مجرد التنطّق خوفاً، نعم يمكن القول بانّ المطلوب الاوّلي هو الاسلام الواقعي بتسليم القلب فان لم يحصل فلا اقلّ من الاستسلام والتسليم لاوامر الإمام والخروج عن موقف المعادات للمسلمين، وهذا هو الموجب لحقن دمائهم ولا يجوز عدم القبول وتكذيبهم في إدّعائهم الاسلام قال تعالى: "يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ في‌ سَبيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى‌ إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبيراً"(94). هذا بالنسبة إلى المشركين على قول المشهور واما بالنسبة إلى اهل الكتاب فلهم خيار ثاني وهو قبول الذّمة بشروطها التي سوف نذكرها عند البحث عن جهاد أهل الكتاب. وعلى كل حال، الظاهر أنّ وجوب البدء بالدعوة قبل الحرب أمر لا خلاف فيه و هو يوافق طبيعة الاسلام حيث انه دين دعوة واصلاح، لا دين قسوة وإكراه. وهناك روايات تدل على وجوب الدعوة قبل قتالهم:

منها: ما عن: مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ‌ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ص إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ- يَا عَلِيُّ لَا تُقَاتِلَنَّ أَحَداً حَتَّى تَدْعُوَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ- وَ ايْمُ اللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى يَدَيْكَ رَجُلًا- خَيْرٌ لَكَ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ- وَ غَرَبَتْ وَ لَكَ وَلَاؤُهُ يَا عَلِيُّ."( وسائل الشيعة، ج‌15، ص: 43‌) هنا يذكر فوزين احدهما اخروي و الثاني دنيوي وهو ولائه والولاء علاقة اجتماعية ويعتبر هذا المسلم الجديد عنصر زاد على الامة الاسلامية، فكثرة العدد امر مرغوب فيه فان حسن النظام الاقتصادي وتفعيل الطاقات المودعة في الطبيعة يتطلب العدد الاكثر ولا يبقى معه بطالة وانما البطالة نتيجة لسوء الادارة وتوزيع الفرص لافراد المجتمع.

اما سند الحديث فهو موثق ودلالته على عدم جواز القتال قبل الدعوة واضحة للنهي المؤكد. فإن قلت: بما ان ذيل الرواية يذكر الاجر فهو ظاهر في الاستحباب و في مقام التشجيع بالفعل؟ قلنا: أنّ متعلق النهي في الحديث هو القتال قبل الدعوة ومتعلق الأجر هو هداية رجل فمتعلق الاجر يختلف عن متعلق النهي، لانه لا تلازم بين الدعوة والهداية فالدعوة واجبة قبل البدء بالقتال و لكن موضوع اجر المتوعد، قد يحصل وينتفي موضوع القتال بالنسبة اليه وقد لا يحصل فيبقى للقتال موضوع وينتفي موضوع البشارة. فتأمل.

ومنها: ما رواه الكليني: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي غُرَّةَ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ.....فَقَالَ الرَّجُلُ غَزَوْتُ- فَوَاقَعْتُ الْمُشْرِكِينَ فَيَنْبَغِي قِتَالُهُمْ قَبْلَ أَنْ أَدْعُوَهُمْ- فَقَالَ إِنْ كَانُوا غَزَوْا وَ قُوتِلُوا وَ قَاتَلُوا- فَإِنَّكَ تَجْتَرِئُ بِذَلِكَ- وَ إِنْ كَانُوا قَوْماً لَمْ يَغْزُوا وَ لَمْ يُقَاتِلُوا- فَلَا يَسَعُكَ قِتَالُهُمْ حَتَّى تَدْعُوَهُمْ- فَقَالَ الرَّجُلُ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَجَابَنِي مُجِيبٌ- وَ أَقَرَّ بِالْإِسْلَامِ فِي قَلْبِهِ- وَ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ فَجِيرَ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ- وَ انْتُهِكَتْ حُرْمَتُهُ ‌وَ أُخِذَ مَالُهُ وَ اعْتُدِيَ عَلَيْهِ- فَكَيْفَ بِالْمَخْرَجِ وَ أَنَا دَعَوْتُهُ- فَقَالَ إِنَّكُمَا مَأْجُورَانِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ- وَ هُوَ مَعَكَ يَحُوطُكَ مِنْ وَرَاءِ حُرْمَتِكَ- وَ يَمْنَعُ قِبْلَتَكَ وَ يَدْفَعُ عَنْ كِتَابِكَ- وَ يَحْقُنُ دَمَكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَلَيْكَ- يَهْدِمُ قِبْلَتَكَ وَ يَنْتَهِكُ حُرْمَتَكَ- وَ يَسْفِكُ دَمَكَ وَ يُحْرِقُ كِتَابَكَ".(الوسائل ج15ص43).

اما سند الحديث: فعلي ابن الحكم وثقه الكشي بقوله ثقة جليل القدر و لكن ابي غُرّة لم يرد له توثيق. و اما الدلالة: فقوله عليه السلام: "لايسعك قتالهم حتى تدعوهم" دالّ على وجوب الدعوة قبل القتال، ولايقال انّ ما ذكر من الخير للدعوة تدل على استحبابها لانا نقول : ان ما ورد تسلية له بما فعلوا به مظلوماً و ليس بيان أجر الدعوة حتى يستشم منه الاستحباب.

 


[1] جواهر الكلام ج21ص51.
[2] النهاية، الشيخ الطوسي، ص292.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo