< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/06/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: الفرار من الزحف

بعد ما ذکر المحقق بعض الفروع فی مسألة الجهاد و بعض آدابه قال: (و لا یجوز الفرار إذا کان العدو علی الضعف من المسلمین أو أقل إلا لمتحرف کطالب السعة أو موارد المیاه أو استدبار الشمس أو تسویة لأمته أو لمتحیز إلی فئة قلیلة کانت أو کثیرة).

هناک لابد من البحث فی مواضع ثلاثة: الأوّل: حرمة الفرار من الحرب و أدلتها، الثانی: مصادیق الفرار والثالث: مواطن جواز الفرار.

فنقول: تدل علی حرمة الفرار الأدلة الأربعة: اما الکتاب: فأصرح آیة فیه قول الله تعالی: " یا أَیهَا الَّذینَ آمَنُوا إِذا لَقیتُمُ الَّذینَ کفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ. وَ مَنْ یوَلِّهِمْ یوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَیزاً إِلی فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصیرُ" [1] (الانفال 15-16).

هذه الآیة صریحة فی النهی عن تولیة العدو الأدبار کنایةً عن حرمة الفرار مؤکدة، ثم توعید المولی بالعُرضة لغضب الله و اسکانه فی جهنم الذی یعتبر مصیرا بائساً. مضافاً إلی جمیع الآیات المنادیة بالقتال الدالة علی وجوب الجهاد فهی تلازم حرمة ترکه، والفرار هو ترک القتال هارباً منه، وکذالک الآیات العاتبة لمن یتوانی ویتقاعس عن الحضور الجهاد.

اما السنة فمنها: مارواه الکلینی مرسلاً قَالَ: قَالَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ علیه السلام: فِی کلَامٍ لَهُ وَ لْیعْلَمِ الْمُنْهَزِمُ بِأَنَّهُ مُسْخِطٌ رَبَّهُ وَ مُوبِقٌ نَفْسَهُ وَ أَنَّ فِی الْفِرَارِ مَوْجِدَةَ اللَّهِ وَ الذُّلَّ اللَّازِمَ وَ الْعَارَ الْبَاقِی وَ إِنَّ الْفَارَّ لَغَیرُ مَزِیدٍ فِی عُمُرِهِ وَ لَا مَحْجُوزٍ بَینَهُ وَ بَینَ یوْمِهِ وَ لَا یرْضِی رَبَّهُ وَ لَمَوْتُ الرَّجُلِ مَحْقاً قَبْلَ إِتْیانِ هَذِهِ الْخِصَالِ خَیرٌ مِنَ الرِّضَا بِالتَّلَبُّسِ بِهَا وَ الْإِقْرَارِ عَلَیهَا"[2] . ولو أن هذه الروایة مرسلة و لکن المضامین بالنسبة إلی ما نحن فیه هی مما قیاسات‌ها معها.

و کذالک ما رواه الصدوق: بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا ع کتَبَ إِلَیهِ فِیمَا کتَبَ مِنْ جَوَابِ مَسَائِلِهِ: حَرَّمَ اللَّهُ الْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ لِمَا فِیهِ مِنَ الْوَهْنِ فِی الدِّینِ وَ الِاسْتِخْفَافِ بِالرُّسُلِ وَ الْأَئِمَّةِ الْعَادِلَةِ وَ تَرْک نُصْرَتِهِمْ عَلَی الْأَعْدَاءِ وَ الْعُقُوبَةِ لَهُمْ عَلَی تَرْک مَا دُعُوا إِلَیهِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِالرُّبُوبِیةِ وَ إِظْهَارِ الْعَدْلِ وَ تَرْک الْجَوْرِ وَ إِمَاتَةِ الْفَسَادِ لِمَا فِی ذَلِک مِنْ جُرْأَةِ الْعَدُوِّ عَلَی الْمُسْلِمِینَ وَ مَا یکونُ فِی ذَلِک مِنَ السَّبْی وَ الْقَتْلِ وَ إِبْطَالِ دِینِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ غَیرِهِ مِنَ الْفَسَادِ". (المصدرح 2).

هذه نماذج مما ورد فی السنة و بما ان اصل الوجوب من ضروریات الدین وحرمة ترکه کذلک لا حاجة فی صرف الوقت لذلک. قال صاحب الجواهر: (بل الفرار من الزحف من جملة الکبائر کما استفاضت به النصوص أو تواترت)، واما الإجماع فیکفینا ما أشرنا الیه فی مطلع بحث الجهاد. والعقل کذلک یحکم بحرمة ترک الجهاد اذا کان متعیناً علی المکلف و کان ترکه سبباً لهزیمة المسلمین وتوجه الخسارة إلی النفوس والاموال و الخطر علی الدین الذی هو أعزّ ما یکون عند المؤمن.

ثم هل حرمة الفرار لها حد؟. ان المصنف انما حکم بحرمة الفرار اذا کان العدو ضعفاً او أقل فمعناه اذا کان العدو أکثر من الضعف فلا بأس بالفرار، و قد وافق المصنف فی هذا القول جمع من الفقهاء، قال فی الجواهر:‌ (لا یجوز الفرار إذا کان العدو علی الضعف أو أقل کما صرح به الشیخ و الفاضلان و الشهیدان و غیرهم بل لا أجد فیه خلافاً کما أعترف به فی التنقیح). ونترک البحث فی هذا الموضوع لغد انشاء الله.

 


[1] سورة الانفال، آیة 15- 16.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo