< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/06/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : عند غلبة العطب هل يجب الانصراف

كان بحثنا حول قول المصنف: (وإذا غلب العطب قيل يجب الانصراف وقيل يستحب وهو الأشبه) قلنا أن القول باستحباب الانصراف الذي اختاره المصنف غير وجيه لأن الجهاد اما واجب واما مستحب فهو من الامور التي اذا جاز لا يخلو من أمرين: اما واجب واما مستحب فما قال صاحب الجواهر في توجيه كلام المحقق ولو لا ينسجم مع ظاهر كلامه ولكنه مقبول في نفسه، واليك نص كلامه" ( بل يمكن إرادة القائل المزبور أفضلية الانصراف منه باعتبار حصول البقاء الذي هو سبب لكثير من العبادات و الطاعات و المبرات لا الجواز بالمعنى الأخص الذي هو بمعنى الإباحة الصرفة من دون ترتيب شي‌ء من الثواب عليه مع فرض بذل نفسه في الدين، فإنه يمكن القطع بعدمه، كما أنه يمكن القطع بعدم الوجوب – الانصراف - بعد ملاحظة ما ورد في الكتاب و السنة من الترغيب في الشهادة و الحث على الثبات و نحو ذلك مما يكفي بعضه في رفع الوجوب، و به يفترق حال الجهاد حينئذ عن غيره ضرورة وجوب الانصراف في الفرض في غير الجهاد بخلافه، والله العالم). كما بينا سابقا بان سائر الواجبات ليست مبنية على التضحية بالنفس فاذا كان في امتثالها خطر على النفس لا يجوز اتيانه ولكن الجهاد في طبيعته مبني على التضحية بالنفس ففيما كان العدو أكثر من الضعف فيسقط الوجوب و يبقى حسن الاتيان وهو يلازم الاستحباب فالنتيجة هي استحباب الجهاد في الفرض لا استحباب الانصراف كما هو ظاهر كلام المصنف.

هنا ينبغي الاشارة الى نقطة هامة لم يشيروا اليها، وهي أنّ الإمام اذا غلب ظنه او قطع بأن الحرب ينتهي الى قتل الجميع او انهزامهم من دون أي تقدم وحصيلة لصالح المسلمين، يجب عليه الانصراف ولا يجوز له القتال، لأن فيه وهن للإسلام والمسلمين وما ورد من التشجيع الى القتال انما هو تشجيع لقتال ناجح.

نعم قد يكون النجاح مجرد استنكار الباطل واتمام الحجة على الاُمّة كما كان في جهاد الحسين عليه السلام جيش يزيد فقد حصل على مصلحة عظمى خالدة. بخلاف الصفين في الظروف التي امر فيها امير المؤمنين عليه السلام بإيقاف القتال، وكذلك الحسن عليه السلام. فتعيين مصداق الجهاد الناجح بيد الإمام الذي يقود الأمة.

ثم ذكر المصنف فرعاً آخر فقال: (و لو انفرد اثنان بواحد من المسلمين لم يجب الثبات) والوجه في ذالك ان الأدلة التي تمنع عن الفرار هي مسوقة للجهاد وهو الحرب القائم بين الفئتين كقوله تعالى: "يا ايها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار" فالأمر متوجه الى الجمع واللقاء للجمع و الزحف يصدق اذا كان التقدم لجمع كبير كما جاء في العين: (الزَّحْف جماعة يَزْحَفُون إلى عدوهم بمرة) والزواحف هي الحيوانات التي تجر بطنه الى الارض حين تمشي وتتقدم و ويقال زحف الجيش لأنهم يتقدمون بصورة جماعية كأنهم يزحفون في الأرض، ولذا اتفق المفسرون بان "زحفاً" في هذه الآية بمعنى حركة الجيش. وكذلك قوله تعالى: " إذا لقيتم فئة فاثبتوا" والفئة هي جماعة من الناس. وكذلك قوله تعالى: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مأتين وان يكن منكم مأة يغلبوا ألفاً من الذين كفروا...الى قوله: "ان يكن منكم مأة يغلبوا مأتين وان يكن الفاً يغلبوا الفين.." الآية فهذه الآيات وردت في مقابلة المجموعات في الحرب فلا تشمل الأفراد، فالمرجع في حكم الأفراد هي البراءة عن وجوب المقاومة او عن حرمة الفرار.

ثم قال المصنف: (وقيل يجب وهو المروي) لما ورد في خبر حَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: "كَانَ يَقُولُ مَنْ فَرَّ مِنْ رَجُلَيْنِ فِي الْقِتَالِ فِي الزَّحْفِ فَقَدْ فَرَّ- وَ مَنْ فَرَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي الْقِتَالِ فَلَمْ يَفِرَّ". وقد ذكرناه سابقا وبحثنا في سنده

و كذلك ما عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّوَ جَلَّ فَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ- أَنْ يُقَاتِلَ عَشَرَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ- لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَ وَجْهَهُ عَنْهُمْ- وَ مَنْ وَلَّاهُمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ فَقَدْ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ- ثُمَّ حَوَّلَهُمْ عَنْ حَالِهِمْ رَحْمَةً مِنْهُ لَهُمْ- فَصَارَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ عَلَيْهِ أَنْ يُقَاتِلَ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ- تَخْفِيفاً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَنَسَخَ الرَّجُلَانِ الْعَشَرَةَ".

ولكن هذه الروايات مضافاً الى ضعف أسنادها بيان لمقارنة الجيشين لا مقابلة رجل برجلين في غير الجهاد.

ويشهد بذلك صراحة ما ورد عن عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُوسَوِيُّ الْمُرْتَضَى فِي رِسَالَةِ الْمُحْكَمِ وَ الْمُتَشَابِهِ نَقْلًا مِنْ تَفْسِيرِ النُّعْمَانِيِّ بِإِسْنَادِهِ الْآتِي عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ ع عَنْ عَلِيٍّ ع فِي بَيَانِ النَّاسِخِ وَ الْمَنْسُوخِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ- لَمَّا بَعَثَ مُحَمَّداً ص أَمَرَهُ فِي بَدْوِ أَمْرِهِ- أَنْ يَدْعُوَ بِالدَّعْوَةِ فَقَطْ وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ وَ لٰا تُطِعِ الْكٰافِرِينَ وَ الْمُنٰافِقِينَ وَ دَعْ أَذٰاهُمْ فَلَمَّا أَرَادُوا مَا هَمُّوا بِهِ مِنْ تَبْيِيتِهِ- أَمَرَهُ اللَّهُ بِالْهِجْرَةِ وَ فَرَضَ عَلَيْهِ الْقِتَالَ- فَقَالَ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقٰاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ثُمَّ ذَكَرَ بَعْضَ آيَاتِ الْقِتَالِ إِلَى أَنْ قَالَ- فَنَسَخَتْ آيَةُ الْقِتَالِ آيَةَ الْكَفِّ- ثُمَّ قَالَ وَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ الْقِتَالَ عَلَى الْأُمَّةِ- فَجَعَلَ عَلَى الرَّجُلِ الْوَاحِدِ أَنْ يُقَاتِلَ عَشَرَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ- فَقَالَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صٰابِرُونَ- يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ- يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ نَسَخَهَا سُبْحَانَهُ فَقَالَ الْآنَ خَفَّفَ اللّٰهُ عَنْكُمْ- وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صٰابِرَةٌ- يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ فَنَسَخَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَا قَبْلَهَا- فَصَارَ فَرْضُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَرْبِ إِذَا كَانَ عِدَّةُ الْمُشْرِكِينَ- أَكْثَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ لِرَجُلٍ لَمْ يَكُنْ فَارّاً مِنَ الزَّحْفِ- وَ إِنْ كَانَ الْعِدَّةُ رَجُلَيْنِ لِرَجُلٍ كَانَ فَارّاً مِنَ الزَّحْفِ. فهذه الرواية يظهر منها بوضوح ان المراد من مقابلة الرجل الواحد بعشرة و رجلين لرجل واحد بيان نسبة المسلمين من المشركين في العدد.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo