< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/06/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : عدم جواز قتل النساء و... الا للضرورة

كان بحثنا حول كلام المحقق حيث قال: (و لا يجوز قتل المجانين و لا الصبيان و لا النساء منهم و لو عاوَنّهم الا مع الاضطرار)[1] وقد ذكرنا انه لا خلاف بين الفقهاء في هذه المسألة ثم درسنا روايتين بهذا الصدد أولاهما كانت صحيحة اعلائية والثانية في سندها مسعدة بن صدقة وهو لم يوثق الا أن مشايخ الثلاثة رووها، وإليك روايات أخرى:

منها: ما رواه الشيخ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ ع "أَنَّ النَّبِيَّ ص قَالَ: اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ وَ اسْتَحْيُوا شُيُوخَهُمْ وَ صِبْيَانَهُمْ."[2] هذا الحديث موثق ويدل على عدم جواز قتل صبيانهم.

بِإِسْنَادِ الشيخ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: جَرَتِ السُّنَّةُ أَنْ لَا تُؤْخَذَ الْجِزْيَةُ مِنَ الْمَعْتُوهِ- وَ لَا مِنَ الْمَغْلُوبِ عَلَيْهِ عَقْلُهُ.[3] في السند عبد الله ابن المغيرة مولى بني نوفل وهو كوفي من أصحاب الكاظم والرضا عليهما السلام يقول الكشي رضوان الله في حقه ما ملخصه: (كنت واقفيا فتعلقت بأستار الكعبة فقلت: اللهم قد علمت طلبتي و ارادتي فارشدني إلى خير الاديان فوقع في نفسي أن اتي الرضا عليه السلام فأتيت المدينة فوقفت ببابه وقلت للغلام قل لمولاك رجل من أهل العراق بالباب فسمعت نداه: ادخل يا عبد الله المغيرة، فدخلت فلما نظر الي قال قد أجاب الله دعوتك وهداك لدينك، فقلت اشهد انك حجة الله وأمينه على خلقه). وثقه النجاشي بقوله: (ثقة ثقه لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه) . كذلك في سنده طلحة، وهو طلحة ابن زيد قال الشيخ فيه: (هو عامي المذهب إلا ان كتابه معتمد). الا ان الاعتماد على الكتاب ناشئ عادة عن الوثاقة فالسند اذاً موثق. (واما الدلالة فظاهر جريان السنة هو حكم الله، ولو قلنا ان السنة ليست ظاهرة في الوجوب فعدم حرمة ترك الاخذ يساوق حرمة أخذها منه لانه اذا لم يستحق في ماله الجزية فأخذ الجزية منه من دون رضاه تصرف في مال الغير بغير رضاه وهو حرام. وعد وجوب الجزية عليه يستلزم عدم جواز قتله على ما استفيد من رواية التي استدلت على عدم تعلق الجزية بالمرآة بعدم جواز قتلها.

وروي من طريق العامة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه و آله قال: «انطلقوا بسم اللّٰه و باللّٰه و على ملة رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله، و لا تقتلوا شيخا فانياً و لا صغيرا و لا امرأة"[4] . سندها غير معتمد ولكن تدل على عدم جواز قتل الصغير و...

نعم هناك رواية حفص بن غياث التي مرت بنا من طريق الخاصة تجوِّز قتل النساء والصبيان حيث جاء فيها: "عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ الْحَرْبِ- هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُرْسَلَ عَلَيْهَا الْمَاءُ أَوْ تُحْرَقَ بِالنَّارِ- أَوْ تُرْمَى بِالْمَنْجَنِيقِ حَتَّى يُقْتَلُوا وَ مِنْهُمُ النِّسَاءُ- وَ الصِّبْيَانُ وَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَ الْأُسَارَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ- وَ التُّجَّارِ فَقَالَ يُفْعَلُ ذَلِكَ بِهِمْ وَ لَا يُمْسَكُ عَنْهُمْ لِهَؤُلَاءِ- وَ لَا دِيَةَ عَلَيْهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَ لَا كَفَّارَةَ الْحَدِيثَ".

وعن طرق العامة عن ابن عباس أن النبي صلى اللّٰه عليه و آله مر بامرأة مقتولة يوم الخندق فقال من قتل هذه؟ فقال رجل: أنا يا رسول اللّٰه، قال: لم؟ قال: نازعتني قائم سيفي فسكت[5] و كلاهما ضعيف السند ولابد من حملهما على مقام الاضطرار.

وعلى كل حال لاشك في عدم جواز قتل النساء والصبيان والشيخ الفاني والمتبتل في شاهق وكل من لا علاقة له بالحرب ولا يأتي خطر من جانبه كما ذهبنا اليه سابقاً. نعم بعض هذه الموارد لا يقتل لانه لا يأتي منه خطر، وبعضهم لا يقتلون بعنوانهم، لوجود النص كالمرأة والصبي والمجنون. الا عند الضرورة. وهنا بعض فقهائنا العظام افتوا بجواز قتلهم اذا قاتلوا او كشفت المرأة قال العلامة في المنتهى: (لو وقفت امرأة في صف الكفار أو على حصنهم فشتمت المسلمين أو تكشفت لهم جاز رميها‌) وفقا لما أفتى به علماء السنة مستنداً إلى رواياتهم منها: ما رواه بيهقي عن عكرمة قال: «لما حاصر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله أهل الطائف أشرفت امرأة فكشفت عن قبلها فقال: ها دونكم فارموا فرماها رجل من المسلمين فما أخطأ ذلك منها"[6] ومنها ما رواه عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله أنه قتل يوم بني قريظة امرأة ألقت رحى على محمود بن مسلمة (سنن بيهقي ج9ص82) ومنها ما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله: أنه وقف على امرأة مقتولة فقال ما بالها قتلت و هي لا تقاتل( سنن بيهقي ج9ص91). فهي بمفهومها تدل على جواز قتل المرأة اذا قاتلت.

ولكن بما أن هذه الروايات ضعيفة لا يمكن العمل بمضمونها فالمرجع الاطلاقات الناهية عن قتل المرأة، يخرج منها حالة الضرورة والاضطرار. فالعناوين التي لها موضوعية لا يقتل ولو قام بقتال المسلمين الا للضرورة بحيث اذا لم يُقتل يقتل المسلمون فعند ذالك يجوز قتله.

واما العناوين التي نهي عن قتله لأنه ليس أهل القتال كالشيخ الفاني والمتبتل في شاهق والاعمى والمقعد وامثال ذالك انما لا يقتل اذا لم يقم بالحرب، ولذا قيد فقهائنا عدم جواز قتل الشيخ الفاني بالذي لا رأي له و لا قتال، قال العلامة في المنتهى معللا لهذا الحكم: (لأن دريد بن الصمة قتل يوم خيبر و كان له مائة و خمسون سنة، و كان له معرفة بالحرب، و كان المشركون يحملونه معهم في قفص حديد ليعرفهم كيفية القتل، فقتله المسلمون و لم ينكر عليهم النبي صلى اللّٰه عليه و آله) و قال في التذكرة: ( قال: «الشيخ من المحاربين إن كان ذا رأي و قتال جاز قتله إجماعا، و كذا إن كان فيه قتال و لا رأي له، أو كان له رأي و لا قتال فيه، لأن دريد بن الصمة قتل يوم خيبر، و الأصح يوم حنين).

ثم هنا طرح في الجواهر فرع آخر حيث قال: (و ألحَق الفاضل و الشهيدان أيضا الخنثى المشكل بالمرأة، و لعله لترجيح مراعاة مقدمة الحرام على مقدمة الواجب، ضرورة وجوب قتل المشركين و حرمة قتل النساء، أو لدعوى عدم اندراجها في أدلة الوجوب باعتبار كون الخطاب به للمذكرين، و على كل حال فلا ريب في التقييد بعدم الضرورة نحو ما سمعته في النساء، هذا).

كان الانسب لصاحب الجواهر أن يقول: لترجيح ترك الحرام على فعل الواجب لان القتل بالمعنى الفاعلي هو المكلف به او المنهي عنه وليس بمعنى المفعولي، هذا اوّلاً .

وثانياً: يمكن المناقشة في اطلاق كبرى تقدم ترك الحرام على فعل الواجب، بل الترجيح بينهما في موارد دوران الامر ملاحظة أهمية محتمل الواجب على محتمل الحرام، ففيما نحن فيه بما ان الموضوع هو قتل الانسان فأولوية حفظ النفس المحترمة على قتل المهدورة من المسلمات، ولكن هذا الترجيح لا يصدق في جميع المصاديق فمثلا عند ما دار الامر بين النظر إلى الاجنبية او لمسها وبين نجاتها من الموت فالنجاة هي الأولى والأرجح و هي مبيحه للنظر واللمس وكم لها من نظير.


[5] مجمع الزوائدج5ص316.
[6] سنن البيهقي ج9 ص82.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo