< قائمة الدروس

الأستاذ السيد مجتبی الحسيني

بحث الفقه - کتاب الجهاد

37/07/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : هل يجوز قتل الرهبان و أصحاب الكنائس والقساوسة

بعد ما انتهينا عن البحث حول عدم جواز قتل النساء والأطفال والمجانين والأعمى والمقعد والطاعنون في السن فبالنسبة إلى الثلاثة الاولى، انتهينا إلى عدم جواز قتلهن الا عند الاضطرار و الباقي لا يجوز قتلهم الا اذا شاركوا في الحرب ولو بالتخطيط والدلالة. هنا ينبغي ان نطل على مسألة أخرى هي المختلفة فيها، من انه هل يجوز قتل الرهبان و أصحاب الكنائس والقساوسة أو لا؟

إنّ ما يستفاد من كلمات الفقهاء في المسألة أقوال:

فمنهم من يقول بجواز قتلهم مطلقاً وما ذكر من الاستثناء ليس الا تبدل للموضوع وهو اذا اصبحوا من العجزة عن القتال كقول الشيخ في المبسوط وهو: (أن أهل الصوامع و الرهبان يقتلون إلّا من كان شيخا فانيا هرما عادم الرأي‌)[1] واختاره العلامة في المختلف[2] ويؤكد على هذا المعنى في المنتهى فيقول: (الرهبان و أصحاب الصوامع يقتلون إن كانوا شيوخا لهم قوة أو رأي، و كذا لو كانوا شبانا قتلوا كغيرهم إلا من كان شيخا فانيا)

ومنهم من يقول بعدم جواز قتلهم الا عند ما لهم شأن في القتال، قال ابن جنيد رضوان الله عليه: (الشيخ من أهل الحرب إن كان له رأي و قتال، أو قتال خاصّة أو رأي خاصّة قتل،و لو لم يكن له قتال و لا رأي لم يجز قتله، و كذا الرهبان و أصحاب الصوامع،)[3]

أما العلامة في التحرير فقال: (الشيخ من أهل الحرب إن كان له رأي و قتال، أو قتال خاصّة أو رأي خاصّة قتل،و لو لم يكن له قتال و لا رأي لم يجز قتله، و كذا الرهبان و أصحاب الصوامع،)[4] ومثله مفهوم كلامه في القواعد حيث قال: (و يقتل الراهب و الكبير إذا كان ذا رأي أو قتال)[5] وهذا الكلام يحتمل أمرين: أن يكون المراد ممّن لم يكن له قتال ولا رأي اي عاجز عن كلا الأمرين فهو بمعنى الشيخ الفاني، ويمكن ان يكون المراد من ليس أهلا للقتال او الرأي فيه. فهو يساوق قول ابن جنيد وهذا المحمل أقرب لكلامه حيث انه جعل عموان الرهبان وأصحاب الصوامع قسيما للشيخ وعطفهما عليه و الأصل في العطف أنه قاطع للشركة، فعلى هذا انما يقاتل المقاتِل، أمّا من يؤمن جاره فلا يجوز قتله وهذا القول الذي اخترناه كمبنى للجهاد الاسلامي وهو الأقرب.

واستدل الشيخ في المبسوط لوجوب قتل الرهبان واهل الصوامع بعموم الآيات والروايات، و استدل صاحب الجواهر لوجوب قتل الرهبان واصحاب الصوامع : بالعموم، كقوله تعالى: "فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" و نحوه وكذالك كونهم شر الدواب، و في قتلهم تطهير للأرض منهم.

والظاهر انه لا دليل لهم على جواز قتال الرهبان واصحاب الصومعة الا مثل هذه العمومات التي ناقشنا سابقاً في دلالتها على العموم، لأنّها وردت في مشركي قريش، مضافاً الى انّ الرهبان و القساوسة ليسوا من المشركين في تصنيف القران فالقرآن جعل أهل الكتاب قسيماً للمشركين، قال تعالى: "لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة" و قال "اِنّ أشَدّ النّاسِ عَداوَةً للَذينَ آمنوا اليَهودُ وَالذينّ أشركوا...." وغيرهما من الآيات والروايات.

وكذالك استدل لجواز قتلهم بانهم شرّ الدواب ولكن هذا الدليل ايضاً عليلٌ، حيث انّ هذه الآية ليست بصدد بيان الحكم الشرعي بل في بيان خبثهم وسوء سيرتهم واليك آيتين ورد فيهما هذا التعبير: قال تعالى: " يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَطيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ . وَ لا تَكُونُوا كَالَّذينَ قالُوا سَمِعْنا وَ هُمْ لا يَسْمَعُونَ . إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذينَ لا يَعْقِلُونَ . وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ)[6] فان هذه الاية في مقام التحذير عن عصيان النبي صلى الله عليه اله ومدى قبحه.

وقال تعالى ايضاً: "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ . الَّذينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ في‌ كُلِّ مَرَّةٍ وَ هُمْ لا يَتَّقُونَ . فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ"[7] هذه الآيات كذالك في بيان حال هؤلاء الناقضين للعهد من الكفار ولا يمكن القول بانه كما يجوز قتل الحشرات الموذية يجوز قتل الكفار مطلقا لانهم شر منها. كما لايمكن أن نستدل بقوله تعالى: "وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ"[8] بأن نقول ان الانعام لا حرمة لدمائها فلا حرمة لدماء هؤلاء الناس الذين وصفهم الله بأنهم كالانعام بل هم أضلّ ؟!

 


[1] المبسوط، الشيخ الطوسي، ج2ص12.
[2] المختلف، العلامة الحلي، ج4ص392.
[3] راجع المختلف ج2ص144.
[4] التحرير، العلامةالحلي، ج2ص144.
[5] القواعد، العلامة الحلي، ج1ص876.
[6] سورة الانفال20-23.
[7] الانفال55-57.
[8] الاعراف179.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo